لقد حدَّقَت بي كثيرًا وكأنَّها تعرفُني، لكني أراها للمرّةِ الأولى، كُنتُ أجلسُ بجوارِ صديقٍ لي بإحدى المحطّات، في انتظارِ حافلةٍ بعينِها، أما هي؛ فكانت تقفُ بثباتٍ بالقرِب منّا، ظننتُ أنَّها تخجلُ من الجلوسِ بجوارِ شابّين؛ فسألتُ نفسي، إذا كانَ الأمرُ كذلكَ فلماذا تحدِّقُ بي هكذا؟
قلتُ لصديقي الذي كان منشغلًا بهاتِفه:
_عجيبٌ أمرُ هذهِ الفتاة.
أشاحَ بوجههِ عن شاشةِ هاتفِهِ وقال:
_عن أيَّةِ فتاةٍ تتحدث؟
أشرتُ بيدي نحوَها وقلتُ:
_هناكَ.
لمّا نظرَ إلى حيثُ أشرتُ قالَ:
_لا أحدَ يقفُ حيثُ تُشير.
لقد أدهشَني حديثه، فلازلتُ أراها واقفةً في مكانها، لذلكَ قلتُ:
_هل تمزحُ؟ إنها هناك.
ظلَّ ينظرُ حولَه وهو يقولُ:
_قلتُ لكَ لا أحدَ سوانا في هذهِ المحطّةِ المظلمة، إنها المرّةُ الأولى التي نأتي فيها هذه المنطقة الخالية، حتّى أنَّ الاستراحةَ قديمةٌ ومحطَّمة.
نظرتُ حولي ولم ألحَظ ما يقولهُ؛ فقلتُ:
_هل تصفُ محطةً أخرى غير هذه؟
كانَ على وشكِ أن يجيبَني؛ لولا الحافلة التي توقَّفت على مسافةٍ ليست بالقريبة، غادرنا الاستراحةَ كي نلحقَ بالحافلةِ قبلَ أن تغادرَ، ولمّا صعدنا عبرَ بابِها المفتوحِ، أغلقَ السائقُ البابَ وبدأ في التحرّكِ، وهو ينظرُ إلينا ويقول:
_لا تجلسا في هذهِ المحطةِ فيما بعد، إنها مهجورةٌ؛ لذلكَ تتوقّفُ الحافلاتُ بعيدًا عنها.
ابتلعتُ ريقي بينما أنظرُ من زجاجِ الحافلةِ الخلفي، فبدتِ المحطةُ كما وصفها صديقي، مظلمةً ومحطّمة، وكانت الفتاةُ التي لم يرَها صديقي واقفةً هناك!
***