في إحدى جولاتي في العاصمة الساهرة
تناهى إلى سمعي أصوات صياح هادرة
مشيت متلصصاً استكشف سر الظاهرة
فوجدت أفواه تصيح في وجهي غاضبة
رجاءاً انضم إلينا وشارك في الملحمة
قلت مالكم قالوا نحن اجتمعنا في مظاهرة
قلت خيراً مازال في أرضي وجوه ثائرة
قد كنت أحسبكم أمواتاً تحت ركام المقبرة
قلت ما مطالبكم اعرضوا أبعاد المشكلة
قالوا فاض الكيل بنا وسئمنا الوجوه الكالحة
ظهر الفساد بأرضنا حتى سد أفق الغابرة
سئمنا شرب المياه ملوثة بالجراثيم القاتلة
سئمنا أكل الخبز مخلوطاً بالحشرات الطائرة
تعبنا من حشر الأجساد في الباصات السائرة
فاض الكيل من دفع الرشوة لنيل الحقوق المقررة
ادفع تنال حقك وزيادة وإن لم تدفع نلت الجرجرة
افنينا اعمارنا في العلم ثم أصبحنا أيدٍ عاطلة
نهبت خيراتنا وبيعت بلا ثمن للذئاب الغادرة
من حاول الهرب منا بات طعاما للأسماك الجائعة
ما بكاهم إمامنا ولكن قال طامعون في عيشة فاخرة
أبعد كل هذا ليس لنا الحق في إقامة مظاهرة
قلت ويلكم وهل تصلح الهتفات لحل المعضلة
هل تصلح النداءات لإصلاح العقول المتحجرة
لن يعبئوا بالصراخ والعويل وهتاف الحنجرة
أترونهم يلتفتوا إليكم ويتركون الأموال السائلة
قالوا رغم كل شيء ليس لنا سبيل إلا التجربة
وما هي إلا لحظات حتى أحاطتهم الجيوش المظفرة
بأمر المظفر إسماعيل استعدوا لخوض المجزرة
هذا العدو يزأر هاتفا بالتغيير فاكسروا له الحنجرة
سنظل فوق صدوركم حتى تفنى في منازلكم آخر خردلة
وانطلق الأشاوس لتفريق ثم تمزيق الجموع الثائرة
وإذا البنات الثائرات يطرحن أرضا في أبشع مهزلة
وإذا بالعورات تكشف والثياب عنهن أضحت حاسرة
ما لكم أخواتي عرضتم أنفسكم للوحوش الكاسرة
قلن ما بأيدينا وشبابنا مشغول باللهاث وراء ممثلة
يلهو ويلعب بلا هدف وفي رقبته علق سلسلة
أضحت أحلامنا في العيش في بيت كريم محطمة
قلت لهن تمهلوا حتى لا تتلمسكم الأيادي الفاجرة
هناك وظيفة في انتظاركم لتحفيز القلوب المتخاذلة
هذا الشباب الضائع أعيدوا تقويمه وانزعوا عنه السلسلة
عودوا لبيوتكم إن الهتاف لا ينفع مع الكلاب السافلة
ومشيت أجر أقدامي حاملاً معي الذكريات المؤلمة
ويلهب سمعي صراخ الشباب من العصي الظالمة
وبت وقد طال فكري و أرقي فيا لها من ليلة مظلمة
وقبل أن تبزغ أنوار الفجر أرسلوا في طلبي للمسائلة
قالوا كيف اشتركت في تلك الجريمة البشعة الماثلة
قلت إنما أنا عابر سبيل لم أتعمد خوض المغامرة
قالوا أتنكر أنك تحلم بالتغيير مثل الجموع الثائرة
قلت كيف علمتم قالوا إن بيننا وبين الشيطان مصاهرة
قلت نعم كنت أحلم فهل أضحت الأحلام عندكم محرمة
قالوا تلك جريمة أما تعلم أن الأحلام عندنا مصادرة
قلت إذا تنازلت لكم عنها فهنيئاً لكم أحلامي المبعثرة
فلمحت الرعب يكسو وجوههم وعليها الضيق مكهفرة
أما علمت أن أحلامك ستكون لنا كوابيس مدمرة
قلت فما سبيلكم يا أتباع الطغاة وكيف تكون المصادرة
دونك جدارن السجون تقبع فيها حتى ترجوا منا المغفرة
قلت هل تحول القضبان بيني وبين أحلامي المتفجرة
قالوا نعم ستنسى إسمك ويكون كل حلمك أن تتذكره
وسيلهب ظهرك حد السوط وتكون جراحك غائرة
ستئن وتتمنى الموت حين يأكل الملح جراحك الغائرة
قلت لا تستبشروا ستجري عداوتكم مع دمائي المتناثرة
لا تزول ولا يمحوها الزمن حتى وإن فقدت الذاكرة
ستكون جراحي دواة تخط منها يميني سطور الملحمة
وسأنحت على جدران الصخر أهوال قصتي الدامية
ويكون صراخي تحت السوط في أحلامكم كوابيس مفزعة
سأتألم للجراح وأرجوا الخلد في جنة زينها رب المغفرة
لكن أبدا لن أستسلم ما حييت لأفعال قيصر والجبابرة
سأدرب نفسي إلى أن أحرر يداي من الأغلال المثقلة
لن أستسلم للقيد ولن تنالوا مني الهدنة أو ذل المسألة
يوماً سينفذ مني الصبر وأحطم أبواب الفولاذ المقفلة
يوماً سأدوس رقابكم خارج الأسوار والسلوك الشائكة
قالوا بني لما تضع نفسك في خندق مع القلة الثائرة
سيكون لك مستقبل باهر ومقعدا في مجالسنا الموقرة
قلت معاذ الله أن أشرع من دونه الشرائع الجائرة
ولست أرضى بمنصب ولو كان رئاسة الجماهير المغفلة
وليس بيني وبين الثوار توافق في الأفكار المفصلة
قد يقنعوا منكم بوظيفة ومنزل وزواج وعيشة ميسرة
قد يسعدوا بكم لو أصبحتم في مصاف الدول المتحضرة
ولست أقنع منكم بقصر وأسطول سيارات أو حتى طائرة
قد بدت العداوة بيني وبينكم حتى تعودوا للشريعة المطهرة