هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • مغامرات كاتبة -2
  • مغامرات كاتبة -1
  • وجه السعد..
  • تركتني لظنيني..
  • الجانب الخفي من حياة أمير الشعراء أحمد شوقي
  • القلاع والحصون الإسلامية في سيناء
  • كيف تبدلت القلوب
  • وعيناك
  • يا كايدهم ….كلنا وراك
  • مصر لحمها مررر
  • إدراك الحكمة
  • قدوة في صمودك
  • الأوجاع الصامتة
  • بونبونايه بدون الكتاب
  • ظاهرة القبلات بين الرجال و النساء!
  • أمي القوية
  • ذكرينــي
  • شكرا لسيدنا يوسف
  • المهر كان غالي 
  • نختلف، ولا نحتد
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة نجلاء لطفي
  5. هاربة إلى قدري

 

أجلس بجوار ذلك المريض المُسن أراقب المحاليل المُعلقة من أجل تغذيته حيث يعاني من عدة أمراض ولكن يبدو أنه يرفض الحياة فامتنع عن الطعام فاضطر الأطباء لتعليق المحاليل له وبقيت أنا بجواره لرعايته ووضع الأدوية في المحلول. كنت أدعو الله أن يُطيل عمره فلو مات إلى أين سأذهب ؟فهل سأعود إلى الجحيم الذي هربت منه ؟وهل ستعاني ابنتي كما عانيت أنا ؟ يا رب دبرها لنا واكتب لنا الخير.

عادت بي الذكريات إلى طفولتي البائسة مع أب قاسي لا يعرف الرحمة يتاجر في الحشيش ويجبر أمي بائعة الخضروات على ترويجه في فرشتها وعندما ترفض ينهال عليها بالضرب. كما أنه رفض أن يكمل أي من أخوتي تعليمه فهرب أخي الأكبر وانقطعت عنا أخباره أما الأوسط فيعمل سباك والأصغر يعمل مع أبي في ترويج المخدرات من خلال عربة فاكهة مُتنقلة.

كنت الفتاة الوحيدة في تلك الأسرة البائسة فلم تكن أمي تتركني وحدي أبدًا إنما كانت تصحبني معها أينما ذهبت وأصرت على تعليمي وحينما أراد أبي أن يخرجني من التعليم ويرسلني للعمل كخادمة في البيوت ، ثارت أمي المُستكينة الخاضعة ثورة عارمة وهددته بإبلاغ البوليس عنه إن فكر أن يحرمني من تعليمي.أدرك أبي قوة تهديدها فاستجاب مُرغمًا لكنه رفض الإنفاق على دراستي فلم تهتم إنما زادت من عملها من أجلي. كانت تنظف الخضار للسيدات العاملات وترسلني لتوصيل الطلبات لمن تعرفهن فقط. زاد دخلها فكانت تخصصه لنفقات دراستي فكنت أساعدها في أجازتي.

وعندما وصلت للمرحلة الإعدادية وبدأت معالم جسدي في البروز فكر أبي مرة أخرى في الاستفادة مني فقرر تزويجي لثري عجوز من أجل إنجاب الولد. رفضت أمي بشدة و عادت لتهديده مرة أخرى فاستجاب حانقًا. وجدت لي أمي عملًا في مشغل تملكه إحدى زبوناتها فأوصتها بي، فكان دخلي من العمل مخصص لدراستي.

دخلت ثانوي تمريض بعد توصية من إحدى زبونات أمي فلم يعترض أبي لأول مرة مما أثار تعجبي ولكني اكتشفت أنه يريد مني سرقة المورفين من المستشفى. لم أرفض طلبه حتى لا يمنعني من الدراسة لكني كنت أتعرض لسخريته لعدم قدرتي على سرقته فأنا في نظره خائبة كأمي. بعد تخرجي وعملي بإحدى المستشفيات الحكومية ماتت أمي بعد أن صدمتها سيارة مُسرعة وهرب قائدها. فقدت السند والأمان والحنان في لحظة واحدة بسبب رعونة شخص وتجرده من الإنسانية فلم يفكر حتى في إسعافها حتى نزفت معظم دمائها وانتهت حياتها البائسة. ارتاحت أمي من عذابها مع زوج لا يرحم وينفق عليها من مال حرام، وأبناء عاقين لم يساعدها أي منهم لترتاح.

بقيت وحدي في بيت يخلو من كل معاني الإنسانية وقبل أن يمر على موت أمي شهر واحد زوجني أبي بابن أكبر تاجر مخدرات في المنطقة. أصر زوجي على أن أستقيل من عملي لأتفرغ له، فلم أستطع الرفض وإلا تعرضت لضربه الوحشي. كان يشبه أبي في قسوة قلبه وجفاء مشاعره ولكني لم أكن أملك سوى الاستسلام وقلت لنفسي أهي جوازة والسلام. كان علي أن أكون مجرد جارية تشبع كل رغباته وتهتم ببيته ومع أي خطأ أتعرض لعقاب شديد.

لم يرحمني من قسوته سوى خبر حملي فقد كان يحلم بالولد فعاملني برفق طوال مدة الحمل وعندما أنجبت له البنت عاد لسوء طباعه حتى أنه تسبب في إجهاضي مرتين بسبب ضربه لي. كنت أكرهه بشدة وابنتي يصيبها الهلع بمجرد عودته إلى البيت وسماع صوته البغيض لكني لم أكن أملك سوى الدعاء عليه ليل نهار.

حتى فوجئت بخبر موته بسبب صراع مع أحد تجار المخدرات في منطقة أخرى فقد قُتل بعدة رصاصات. لم أصدق نفسي هل أخيرًا تخلصت من ذلك الكابوس؟هل سأصبح حرة أم سأعود إلى سطوة أبي أنا وابنتي مرة أخرى؟ كنت غارقة في حيرتي حتى أخبرني أبي أنه بعد انتهاء عدتي سيزوجني لابن عم زوجي لأنه الأولى بي وكأني مجرد بضاعة كاسدة تنتقل من شخص لأخر، أو جارية لا يهتم أحد برأيها. ادعيت موافقتي حتى أدبر أمري فقد قررت أن أهرب بابنتي من ذلك الوسط الموبوء.

تذكرت ممرضة زميلة كانت بالإضافة لعملها بالمستشفى الحكومي توجد فرص عمل لزميلاتها بمقابل مادي فاتصلت بها وطلبت منها أن تجد لي عملًا في أي مدينة أو بلد بعيدة ولكن قبل انتهاء عدتي. خلال أسبوعين أخبرتني عن توافر فرصة عمل لي في بلد خليجي مع رجل مُسن فوافقت بدون تفكير. طلبت مني أن أستخرج جواز سفر لي ولابنتي فتحايلت على الرقابة الصارمة المفروضة علي من أبي وأخي الأصغر وزوج المستقبل وخرجت بحجة شراء ملابس لي ولابنتي. دخلت محل ملابس حريمي وخرجت وأنا أرتدي النقاب وبدلت ملابس ابنتي بملابس أخرى تغطي شعرها وكل جسدها. استخرجت جواز سفر سريع وأرسلته لزميلتي التي أعدت لي كل شيء وبعد نحو أسبوعين غافلت الجميع وهربت بابنتي ليلًا إلى بيت زميلتي وفي الصباح اصطحبتنا إلى المطار.

 والآن صار لي يومين أعمل في خدمة ذلك الرجل الثري الذي يعيش في بيت كبير يقطن فيه مع أولاده وزوجاتهم وأحفاده ورغم ذلك لا يخدمه أحد ولا يأتي أحد للاطمئنان عليه سوى ابنه الأكبر عندما يصطحب الطبيب. تعجبت من قسوة قلوب الأولاد فالمال الذي جمعه من أجلهم لم ينفعه ولم يمنحه سوى ممرضة ترعاه. خصص لي ابنه غرفة في البيت وحمام خاص لي ولابنتي مع تشديد بمنع ابنتي من الخروج من الغرفة والعبث بأي شيء وإلا خصمه من راتبي، كما أخبرني أن ما يلزمني من طعام سيحضره لي. كان يبدو جافًا وقاسيًا كأبي فلم أجادله إنما وافقته ودعوت الله أن يُطيل عمر المريض حتى أظل بعيدة عن جحيم أسرتي.

خلال يومين تحسنت حالة المريض وأفاق قليلًا وسألني بوهن من أكون فأخبرته أني ممرضته فابتسم وقال:

-مصرية؟

فأومأت بالإيجاب فرحب بي وقال أنه أمضى أجمل أيام حياته بمصر وأن معظم العاملين في شركاته مصريين. عندما جاء الطبيب لفحصه طمأن ابنه أن مرحلة الخطر زادت وأنه يحتاج لمن يهتم به وبمواعيد أدويته وطعامه ويتحدث معه. قررت أنا أن أقوم بذلك الدور حتى أظل في خدمته أطول وقت ممكن. خلال يومين اعتاد على وجودي والحديث معي حتى أنه كان يلاطف ابنتي ويضحك معها وهو ما لم يحدث معها من قبل من أب أو جد أو أي أحد من الأقارب فكلهم قساة القلوب.

كان الرجل لا يحتاج سوى من يهتم به ويشعره بآدميته وتعجبت عندما عرفت أن لديه زوجتين في نفس البيت وكلتاهما تعيش في شقتها ورفضتا خدمته في مرضه رغم ما أنفقه عليهما وعلى أولادهما من مال.

بعد نحو يومين حضر المحامي الخاص به وجلس معه بمفردهما طويلًا ثم فوجئت به يقول لي عندما حان موعد طعامه ودواءه أنه يرغب في الزواج بي لأنه يخشى الله ويعلم أن إقامتي معه بلا رابط شرعي حرام. عندما رأى الذهول على وجهي قال ضاحكًا:

-بالطبع تعرفين أكثر مني أني لن أطالبك بحقوق الزوج لأني غير قادر عليها ولكني أخشى الله ولا أريد أن ألقاه بأي ذنب كما أني أرغب في تأديب الزوجتين اللتين تمتعتا بخيري وعندما كبرت رفضتا خدمتي وأعدك أنك لن تجدي معي سوى كل الخير.

فقلت بدهشة:

-وهل سيرضى أبناؤك؟

فقال وشرارات الغضب تشتعل في عينيه:

- وما شأنهم؟ المال مالي وأنا مازلت بقواي العقلية والزواج حقي الشرعي، المهم ما رأيك؟

-دعني أفكر وأستخير الله.

فكرت جيدًا وبحثت على الانترنت وعرفت أن خلوتي مع رجل غريب حرام فأنا تربيت في بيئة لا أحد فيها يعرف الحلال والحرام سوى أمي وكانت تعرف القليل بسبب أميتها، فقررت قبول عرض الزواج فماذا لدي لأخسره بل بالعكس سأكسب إقامتي هنا باستمرار وحياة ومعاملة آدمية لابنتي. ستكون مجرد جوازة والسلام حتى لو حُرمت من العلاقة الزوجية فلا أهتم فأنا أبحث عن الأمان لي ولطفلتي.

بعد أن أعطيته أدويته المسائية أخبرته بظروفي وحقيقتي و بموافقتي بشرط أن يتقِ الله في ابنتي فابتسم بهدوء وأخبرني أنه لا يهتم بالماضي.في اليوم التالي طلب ابنه الكبير وأخبره برغبته في الزواج مني وسبب ذلك الزواج. ثار ابنه ثورة عارمة وأخبره أنه كبر وصار يخرف فصفعه الرجل صفعة قد تبدو ضعيفة ولكنها بعثرت كرامته وسمعته يقول له:

-المال مالي والممتلكات مازالت باسمي وأنا في كامل قواي العقلية ومن حقي أن أفعل ما أريد ومن لا يعجبه حالي فليترك البيت والشركات وليرحل.

خرج ابنه كالإعصار وصفع باب البيت صفعة ارتجت لها كل الأبواب ولكن العجوز لم يُبالِ بل ظل محتفظًا بهدوئه بل اتصل بمحاميه وطلب منه إنهاء إجراءات الزواج في أقرب وقت. تزوجنا وكان مهري وديعة في البنك باسمي تشمل المهر ومؤخر الصداق لأنه يعلم أن أولاده لن يمنحوني مليمًا، كما أنه خصص وديعة من أجل تعليم ابنتي وجعلني الوصية عليها حتى تكمل تعليمها دون أن أحتاج أنا أو هي لأي أحد.

ثار عليه أبناؤه وهددوه بالحجر عليه فهددهم بحرمانهم من الميراث وأنه سيبيع كل ممتلكاته لي وسيجعلهم يعملون عندي. خيم الصمت على الجميع خاصةً بعد أن أخبرهم المحامي أن والدهم يتمتع بكامل قواه العقلية وله حرية التصرف في ممتلكاته. استسلموا لوجودي كزوجة لأبيهم لكنهم كلهم كانوا يتجنبون الحديث معي ويعاملون ابنتي باحتقار لكني لم أهتم فيكفيني حسن معاملة والدهم فلأول مرة أشعر بإنسانيتي معه.

لم يكن لي زوجًا بقدر ما كان لي أبًا فكان يرفق بي ويُحسن معاملة ابنتي ويحكي معي ويستمع إلي. ففي هذا السن الكبير يحتاج الإنسان لأن يشعر أنه مازال مُهمًا في حياة الآخرين لا مجرد كم مهمل أو عبء ثقيل على كواهلهم ينتظرون موته بفارغ الصبر.مر علي عامين معه كنت أظنها مجرد زيجة والسلام لكنه أثبت لي أن العشرة بالمعروف والكلمة الطيبة والإحساس بالأمان لا يُقدرون بثمن. حزنت عليه كثيرًا و حزنت أكثر لاضطراري للعودة إلى عالم ربما يؤذيني أنا وابنتي فدعوت الله كثيرًا أن يفك كربي.

بعد انتهاء عدتي أخبرني الابن الأكبر أنه سيترك لي حرية الاختيار بين العودة إلى بلدي أو البقاء في كنفه مثل أمه وزوجة أبيه الأخرى فشكرته وأخبرته أن طبيب والده عرض علي العمل معه في مركز لرعاية المسنين في مدينة أخرى وأني أرغب في العمل معه. وافق وساعدني ولم يتركني حتى وجد لي سكن مناسب ومدرسة قريبة من أجل ابنتي وأخبرني إن احتجت لشيء أتواصل معه. تعجبت من تغير أحواله معي فقد كان أشد الكارهين لي ولكنه قبل أن يغادر طلب مني أن أوقع على وثيقة تنازلي عن نصيبي في الميراث الذي يُقدر بملايين وأنه سيعوضني عن نصيبي في البيت والممتلكات والشركات بمبلغ مالي لا يساوي حتى رُبع قيمة ميراثي الحقيقي. وافقت ومضيت له على ما يريد وحصلت على ما منحني إياه فقد خفت أذاه فهو ذو قلب متحجر لم يحن لأبيه فهل سيرحمني أن و ابنتي؟ تعجبت من تصاريف القدر فزوجي الرجل الحنون أبناؤه في منتهى القسوة فهل الإفراط في الحب والحنان يخلق القسوة والأنانية؟ وهل الإفراط في القسوة قد يخلق الرحمة؟ لا بل يخلق الخوف من الجميع كما هو حالي الآن.

عشت من أجل ابنتي وأنا أترحم على زوجي الذي كان يعرف أبنائه جيدًا فبعد أن سلبوني ميراثي انقطعوا عني وصرت غريبة عنهم لا يتذكرني أحد وكأني لم أمر يومًا في حياتهم. لم أفكر في الرجوع لأبي فقد عرفت أنه ليس كل من ينجب يصلح أن يكون أبًا. حاولت أن أعوض ابنتي عما افتقدته وكنت أحلم بالأمان في كنف زوج قلبه يعرف الرحمة فهل سأجد ذلك الرجل؟

تمت

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

3402 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع