"الجزء الثاني والأخير"
"حُسن" ربعت عالأرض والاتنين، كل واحدة قعدت جنبها من جهة، فرشت الورقة قدامها وحطت صوابعها التمانية كما وضعية البيانو وقالت وهي مغمضة عنيها:
-"نشوى" إنتي هنا؟
صاحباتها برقوا وبصوا لبعض، "نشوى"؟ إيه حكاية "نشوى" دي، هم يعرفوها كويس عشان كانت زميلتهم وكانت الصديقة المقربة ل"حُسن" و..ماتت، هو إيه اللي بيحصل بالظبط، إيه اللعبة دي؟
-"نشوى" لو إنتي هنا، إديني أي علامة، قولي أي كلمة.
صوابعها فضلت محلك سر، لا في لفحة هوا هبت ولا الريح خبطت ف بقايا الإزاز المكسرة بتاعت الشبابيك ولا أي ظاهرة مريبة.
هنا "حُسن" بدأت تعيط، تنهار وتحزن على صاحبتها عشان أدركت بجد إنها فقدتها، وقالت بنبرة مهزوزة:
-أرجوكي يا "نشوى" احضري، احضري وبينيلي أي علامة إنك جيتي، أرجوكي.
والصوابع اتحركت على مفاتيح البيانو! اللعبة.. ابتدت..
الصوابع ضمت على بعض واتثبتت على كلمة معينة "سكينة"..
=سكينة؟ إيه الكلمة الغريبة دي؟
-ما هي من ضمن الكلمات اللي صاحبنا الكاتب أو الساحر طلب إنها تتكتب في الورقة، عشان يدخلك ف مود التواصل والحب والحاجات الكيوت دي، طعم للنفوس البريئة الساذجة اللي زي "حُسن".
الخضة لجمت لسان "حُسن" ونشفت الدم ف عروق صاحباتها، كان مزيج كده ما بين الفرحة الرهيبة والتحمس وعدم التصديق و..عدم الفهم، لأول وهلة "حُسن" مفهمتش إشمعنى كلمة "سكينة"، وهل ده دليل على إن "نشوى" هي اللي حضرت؟ بعدين، بعد لحظات بس، "حُسن" افتكرت، "نشوى" كانت دايمًا بتقول لها حاجة، "إنها نفسها ف هدوء، دي قمة السعادة بتاعتها، السعادة اللي بتدور عليها، وده عشان هي متربية ف عيلة عصبية جدًا لدرجة إن دايمًا كان في مشاكل كتير، وعشان كده هي طلعت هادية وبتدور دايمًا عالهدوء، حتى مع شريك حياتها المستقبلي، كانت بتوصفه بإنه هادي مش بتاع مشاكل، بسيط، بيفهم الكلمة زي ما هي مش بيقعد يترجم فيها ويتخيل سيناريوهات وراها، واخد الأمور ببساطة ومش محتاجة تقلق من نواياه أو وجود حياة سرية ليه.. "سكينة"، لو في كلمة واحدة بتعبر عن "نشوى" فتبقى "سكينة"، "نشوى" هنا..
واحدة من صاحباتها نطقت:
-إيه ده يا "حُسن" ، إنتي اللي حركتي صوابعك، مش كده؟
"حُسن" تجاهلتها ووجهت كلامها ل"نشوى"، سألتها لو هي فعلًا "نشوى" تديها دليل، سر مثلًا ما بينهم هم الاتنين بس، والصوابع اتحركت على كلمة تانية "سفر"..
هنا "حُسن" قامت، فضلت باصة على الورقة وعياط الحزن اتحول لعياط فرحة، دي فعلُا كانت "نشوى" وده عشان "حُسن" كانت قالت ل"نشوى" حاجة مقالتهاش لأي مخلوق تاني وهي رغبتها إنها تسيب مصر وتهاجر بعد التخرج!
=والكمين اتحضر.
-الكمين اتحضر..
الاتنين الصحاب بدأوا يفقدوا أعصابهم ويكملوا جمل بعض، اللي مضمونها إنهم مبقوش مرتاحين ولازم يخرجوا من الحمام، واللي زود قلقهم الحالة اللي كانت فيها "حُسن" كإنها فعلًا بتتواصل مع حاجة أو حد، المسألة مطلعتش مجرد لعبة، وف الوقت ده، مبقوش لوحدهم في الحمام.. واحدة اقتحمت المكان، دكتورة من دكاترة الكلية، زعقت فيهم، سألتهم بيعملوا إيه هناك وبعدين لمحت الورقة المفرودة عالأرض، أصلي نسيت أقولك، ده كان وقت إمتحانات آخر السنة، وهم كانوا طلعوا من امتحان يوميها، فطبعًا...
=اللي جه ف بال الدكتورة إنهم كانوا بيغشوا، بطريقة ما، حطوا الورقة دي مثلًا في الحمام قبل ما يدخلوا الامتحان ووحدة وره التانية قدرت تروح الحمام وسط الامتحان وتغش من الورقة ولما كلهم خلصوا وخرجوا من اللجنة، راحوا تاني اتجمعوا هناك وحبوا يتأكدوا من الإجابات أو يجيبوا الورقة ويتخلصوا منها، يعني كلام من ده..
-تقريبًا كده، السيناريو اللي جه ف دماغها مش هيخرج عن الحاجات دي.. المهم إنها كانت غضبانة جدًا وطاحت فيهم ومكنتش بتسمعهم، هم أصلًا كلامهم كان عبيط ومش مترتب وده لإنهم فعلًا كانوا عاملين مصيبة، غير اللي ف دماغها، فبيقولوا أي أعذار وكان باين إنهم بيكدبوا، هي بقى نزلت عالأرض ف حركة لولبية ونشلت الورقة وبصت فيها، لقت كلمات كتير ملهاش علاقة ببعض وشوية جمل ملهاش معنى، وده في الواقع زودها استفزاز، لإنها شكت إنهم كانوا عاملين زي شفرة هم بس اللي يفهموها ويحلوا على أساسها الأسئلة، ومن الاستفزاز قطعت الورقة نصين لإنها كده كده مكنتش تصلح كدليل على الغش، ودي كانت أكبر غلطة عملتها الدكتورة اللي معندهاش أدنى علم باللي بيجرى..
التلاتة سكتوا مرة واحدة، غريبة إنهم اتفقوا على رد الفعل ده، لسبب ما حركة قطع الورقة خلت حواسهم تنتبه ولسانهم يدخل جوه بوقهم..
والأربعة راقبوا الورقة المقطوعة، أو الورقتين والنار بتولع فيهم وبيتحرقوا!
شعلة النار اتطفت والورق اتحول لرماد وفي دخان رمادي غامق خرج من الحريقة الصغيرة، الدخان كان كتير أوي، مبالغ فيه بالنسبة لحجم النار اللي ولعت، وإنهم مجرد ورقتين صغيرين، وكان كثيف، اللون الرمادي متركز أوي، الدخان فضل يعلى ويعلى، وبعد ما كان بيطلع لفوق، أخد اتجاه معين ومشي فيه، راح ناحية "حُسن"، اتسلل جوه بوقها، ومناخيرها، كله..
جسم "حُسن" فضل يتنفض وعنيها بقت كلها بيضة، التلاتة بما فيهم الدكتورة اللي كانت عاملة فيها قوية ومفترية من شوية جريوا بره الحمام وسابوا "حُسن" لوحدها.
=يا سلام على الشهامة.
-شهامة إيه بقى، يا روح ما بعدك روح، بالنسبة بقى ل"حُسن" فخرجت عادي جدًا بعدها بكام دقيقة، وآخر مشهد كانت فاكراه والورقة بتتحرق، بعد فقرة ذهول كده من صاحباتها وهم شايفينها طبيعية جدًا وبتتعامل معاهم عادي بعد ما خروجها الحمام، روحت بيتها.
=بعفاريتها.
-ونيجي بقى لأول ليلة..
"حُسن" قامت من عز نومها، قلقت عشان في أصوات كانت في أوضتها هي وأختها، قدرت تميز من نور القمر الضعيف اللي مخترق الأوضة إن "هداية" كانت نايمة على السرير التاني، استغربت شوية بس مكنتش مخضوضة يعني وده لحد ما شافت حركة من تحت عقب بابهم، شافت ظلال لكذه رجل، زي ما قلتلك المصدر الوحيد للنور كان القمر عشان كده موثقتش في اللي شافته، جايز مؤثرات النور الضعيف والهلاوس بتاعة الناس اللي مش فايقين، حالة ما بين الصحيان والنوم، بس بدأت تتأكد لما لقت الظلال دي بتتسلل من تحت عقب الباب لجوه الأوضة وبتتجسد قدام عنيها.. كانوا أربع كيانات لابسين أرواب سودة وأجزاء من جلودهم اللي مكشوفة من الأرواب بينت إن أجسامهم برضه سودة، الأرواب كان ليها غطيان محطوطة على رؤوسهم، المشكلة إن مكنش في رؤوس..
=نعم؟ إيه؟
-مكنش في وشوش أو رؤوس، كيانات بلا رؤوس، اتنين عاليمين واتنين عالشمال، كل فريق بيقرب منها من ناحية، وصلوا لحد سريرها، واحد منهم فجأة كده بقى عالسرير، مال عليها وقال لها:
-تعالي معانا يا "حُسن"، مكانك بقى معانا.
واتفتح الباب..
طل منه جدها، مد إيده وفتح النور، بص ل"حُسن" بقلق وقال:
-مش عارف ليه قلقت، قمت فجأة وكل اللي كان جي على بالي هو إنتي يا "حُسن"، جيت أطمن عليكي، أنا كنت خايف لما أفتح الباب تتخضي إنتي وأختك لكن الغريبة إنك فعلًا صاحية، إنتي كويسة؟
طبعًا مكنتش كويسة، وده كان واضح مش بس عشان هي صاحية، عشان كمان الوضعية المريبة اللي كانت فيها، النص الفوقاني من جسمها كان مرفوع شوية، جسمها مشدود وعنيها كلها ذعر، كإن في عفريت مثلًا كان مايل عليها من شوية؟
هزت راسها من فوق لتحت بتوتر وبعدين قالتله بنبرة واطية مهزوة يرجع أوضته، هو سمع الكلام ورجع بس ده مأنقذوش..
أول ما لما "حُسن" سمعت باب أوضته اتقفل نطت من السرير وخرجت بره في الطرقة اللي ما بين الأوض، شافت الكيانات تاني، بس المرة دي مكنتش مجسمة، كانت ظلال والظلال اتسللت من تحت عقب باب جدها ودخلت عنده.
غمضت عينيها، عصرتهم جامد، كان نفسها، نفسها تكون بتحلم ولما تفتح عيونها تلاقي إنها صحيت وتكمل يومها وحياتها عادي، لكن ده محصلش، "حُسن" مصحيتش، عشان مكانتش نايمة من الأساس، ده كان بيحصل فعلًا..
مجتلهاش الجرأة تفتح الباب وتدخل تطمن عليه، إيه اللي يطمن يعني؟ هتشوف عصافير الجنة جوه؟ أيًا كان اللي بيحصل فهو أكيد بشع، حتى إنها متجرأتش تروح تصحي أبوها وأمها وتستنجد بيهم عشان ينقذوا جدها، هتقول إيه؟ هتعترف بالمصيبة اللي عملتها؟
أظن وصولًا للمرحلة دي مش محتاجة أوضحلك يا "قاسم" وأوضح للجمهور إن اللي "حُسن" استدعته مكنش روح صاحبتها "نشوى" ده كان عدد من الشياطين، قوة مظلمة جبارة بتتلكك عشان تأذي البشر، شايلة حقد رهيب ليهم..
=أكيد، وهي نفسها استوعبت ده ليلتها، اللعب بقى عالمكشوف.
-هي "حُسن" غلطت إنها خبت على أبوها وأمها وإخواتها اللي حصل، خصوصًا إن جدها بقى ف دايرة الخطر، لكن للأمانة معرفش إذا كان ده كان هيفرق ولا لأ، كده كده لما بقى عندهم علم ف مرحلة تانية، مقدروش يوقفوا الشر..
الجد محكاش على حاجة، محسش بأي تغيير ولا شاف الكيانات إياها، لكن بعد يومين بالظبط وقع من طوله، اتعملتله تحاليل وطلع عنده نقص في الحديد وأنيميا حادة والوضع كان بيسوء على مدار اليوم، كإنه مثلًا كان بينزف باستمرار بس هو مكنش بينزف ومفيش أي تفسير للي بيحصل، مع العلم إنه برغم سنه الكبير إلا إنه كانت صحته كويسة ومش بيشتكي من حاجة قبلها.
=توصل لكده، للمرض؟ معقول الشيطانين والجن والكيانات التانية والعياذ بالله عندهم قدرة زي دي، إنهم يمرضوا حد؟
-بص يا "قاسم" هو كله في الأول والآخر بأمر الله، أقدارنا كلنا ف إيده، لكن تعالى نقيس على حاجة تانية، الحسد وقوته، الحسد ممكن يقتل بني آدم، أهي قوة لحد دلوقتي مش ملموسة، مش عارفين ندركها بالحواس المادية أو الأبحاث العلمية، ليه لأ بقى الواحد ميمرضش ويموت بسبب قوى تانية خفية؟ المهم إن حالة الجد اتدهورت بسرعة أوي ودخل العناية المركزة والباقي إنت عارفه و"حُسن" فهمت علطول لما كانت لوحدها معاه إن الكيانات الشيطانية كانت اتمكنت منه وسكنت جسمه وهي اللي هددتها قبل ما يموت، وبرضه فضلت ساكتة.
في العزا الكل كان ف حالة حزن، بس "حُسن" بالذات حالتها كانت بشعة، حزينة بشكل الكل كان مستغربه، اللي هو ياه للدرجة دي كانت بتحبه وإحنا منعرفش، لكن الحقيقة إن ضميرها مكنش راحمها، هي المسؤولة عن موته وعذابه، هي اللي جابت الشر هنا، وفجأة وف عز الحزن اللي هي فيه انطلقت في الضحك، وشها ارتخى وفضلت تضحك بصوت عالي، نبرة الضحك كانت رفيعة وحادة جدًا تأذي أي حد يسمعها، الناس كلها وقفت وردود الأفعال ما بين ناس بتحط إيديها على ودنها، وناس بتحاول تمسكها وناس بتزعق وبتسأل عن اللي بيحصل، محدش فاهم حاجة ومع ذلك الكل مرعوب، اللي جه ف دماغ أهلها إن دي صورة من صور الانهيار العصبي، عقلها مبقاش فيها من الزعل، أبوها قرب عليها وحاول يمسكها لكن "حُسن" زقته بإيدها وخلته يطيح في الأرض وبعدها عملت نفس التصرف مع الأعداد اللي حاولوا يقربولها، قوة عجيبة، مش ممكن تطلع من واحدة ست ومن حد ف سنها ومن أي بني آدم اساسًا.
بعد الفقرة اللي عملتها قالت بنفس النبرة المريعة:
-بنتكوا عليها الدور.
وبعدها أُغم عليها.
لما فاقت إعترفت بكل اللي حصل. أهلها مكنوش عارفين يعاقبوها ، يكرهوها ولا يتعاطفوا معاها، النتيجة إنها كانت مشاعر مختلطة، ما بين الغضب والشفقة والخوف عليها، وبس، عينك متشوف إلا النور، من وقتها بقى وعلى مدار الساعة البيت اتحول لسيرك للظواهر العجيبة المرعبة، عندك مثلًا أخت "حُسن" اللي بتشاركها الأوضة شافت "حُسن" بليل طافية على سريرها، طايره وهي واقفة كده ومغيبة تمامًا.
و"حُسن" حكت عن الكيانات اللي بتشوفها علطول، اللي من غير رؤوس، وأصوات تخبيط في الحمام، وباب الحمام يتقفل في مناسبات مختلفة على اللي جواه وميعرفش يفتحه بسهولة، وأصغر ولد وهو قاعد مع والده فجأة يترفع من الأرض ويترمي على الحيطة ويتثبت كإن في حاجة رافعاه وماسكاه وبعدين القوة دي تسيبه فيقع على الأرض ورجله تتكسر، والأنوار ترعش ف ليالي كتير والأم تشوف خلال الرعشة دي ضلال بتزحف عالأرض، لابسة أرواب سودة ومعندهاش رؤوس، وخرابيش تتحفر قصاد عنيهم عالحيطة كإنها من مخالب، وده كله كوم وحالة "حُسن" كوم تاني، مش بس كانت بتتأذي أكتر من أي حد، هي نفسها اتغيرت، بقت شخصية عدوانية، بتزعق ف إخواتها وأبوها وأمها وبتجيلها نوبات غضب خلالها بترمي عليهم أي حاجة إيديها تطولها ولما كانت بتقدر تمسك حد من اخواتها لازم تأذيه، مرة من المرات أهلها شافوا ضوافرها بتطول وبتتحول لشيء يشبه المخالب وهي ماسكة أختها وخربشتها بيهم والأخت نزفت..
=أنا أعصابي تعبت، ونفسي القصة دي تخلص، مش قصدي طبعًا قصتك، قصدي على المشكلة العويصة دي اللي مش شايفلها حل.
-مش معاتباك، أنا كمان نفسي القصة دي كانت تنتهي على خير وكل اللي كانوا طرف فيها أو عرفوها، بس للأسف القصة مكنش ليها نهاية سعيدة، مش لكل الأطراف.. كلهم جواهم كده كانوا بيتمنوا يخلصوا من الكابوس المتجدد اللي مش بيخلص ولو حتى ده معناه إن..إن "حُسن" متبقاش موجودة، لإن زي ما قلتلك "حُسن" اتغيرت ، كانت في البداية تغيب وترجع شخصيتها القديمة الحنونة السوية بس خلاص بعد فترة راحت ومرجعتش، مبقاش في غير "حُسن" العنيفة المؤذية الشتامة..
=يعني يلاقوها منين ولا منين، من الرعب الخارق للطبيعة اللي بيعيشوه ولا من الشخصية المؤذية بتاعة المشاكل اللي زي العيال المدمنين؟
-بالظبط يا "قاسم"، مشكلة مركبة! واللي اتمنوه كلهم ف أوقات مختلفة لاقوه، "حُسن" ف يوم نامت مقامتش، المنظر اللي لاقوها عليه كان بشع، كانت بتنزف من كل الفتحات اللي ف جسمها، مناخيرها، بوقها، عنيها، تحت ضوافرها، ودانها، ده غير كمية الكسور اللي ف جسمها، بس ده مريحهمش زي ما كانوا ف لحظة ضعف متخيلين، شوف يا أخي الإنسان ده كائن معقد اوي، بيتمنى الحاجة وعكسها ف نفس الوقت وبيعض صوابع الندم لما الحاجة اللي كان عايزها تتحقق وبيغضب لما حد يتحداه وينبهه بالغلط اللي بيعمله ومش بيقف غير لما ينفذ اللي ف دماغه ويتمنى بعد كده لو حد وقفه..
غير حالة الاكتئاب اللي كلهم دخلوا فيها لما "حُسن" ماتت الظواهر منتهتش بموتها على عكس المتوقع، حاجة كده زي اللبانة اللي بتلزق ف جزمتك وسوري عالتشبيه وبعدين تدخل بالجزمة لمكان تاني، خلاص اللبانة بقت ف الجزمة منين ما راحت، مبقتش موجودة ومرتبطة بالمكان الأولاني، وكمان حتت صغيرة منها بتفضل ف كل حته الجزمة بتخطيها، شيء رائع! الظواهر فضلت تكتر وتكتر، المستوى بتاع الأذية علي، لحد لقطة الظابط اللي جه ونال من الحب نصيب هو كمان..
اللي حصل بعد كده هو عنصر دخل غير المعادلة كلها، ربنا ألهم الأب إنه يتبع روتين معين مع مراته وولاده، مبدأيًا كده بقى يزعق فيهم ويشد عليهم كلهم لو حد فوت صلاة، ممنوع حد ميصحاش يصلي الفجر ويقرا ورد يومي بصوت عالي، القرآن بقى علطول شغال، والبيت بيتنضف كويس جدًا والبخور بيولع عشان ريحة الشقة تبقى دايمًا حلوة وحاجة أخيرة قلبت الكفة تمامًا، وصى إن مهما حصل ومهما حد شاف أو سمع حاجة يتجاهلها تمامًا! ميجريش يشتكي للباقي ولا يصرخ ولا يغير من حركته وملامحه، كإنه مش مدرك أصلًا باللي بيحصل، ووحدة وحدة الارتجالات دي نجحت، الظواهر قلت لحد ما اختفت.
مش محتاجة أقولك طبعًا إنهم حاولوا بكل الطرق يساعدوا "حُسن" لما كانت عايشة، ودوها لدكاترة وجابوا شيوخ لكن الأمور كانت بره سيطرتهم، وده كان قدرها، وبرضه أكيد إنت عارف وشايف الصورة كاملة دلوقتي، "حُسن" عدت جسر المفروض مكنتش تعديه، مش الجسر اللي ما بين الأحياء والأموات، الجسر التاني اللي ما بين العوالم، العالم الحسي المادي والعالم اللي ساكن فيه الجن والكائنات اللي الله أعلم بيها وباللي جواها وبيدور ف دماغها، واللعبة الزبالة إياها كانت وسيلة من وسايل تخطي الجسر ده، ودي واللعب اللي شبهها مينفعش ابدًا من باب الزهق أو الإثارة والفضول نقرب منها بس، زي اللبانة اللي عالأرض اللي هتلزق ف جزمنا لما ندوس عليها ومش هتسيبنا.
آخر لقطة في صفحة الظواهر اللي ف بيت "حُسن" هو إن صورتها اللي كانت جوه برواز متعلق عالحيطة، فجأة في شعلة نار ظهرت فيها واكلت وشها وبعدين اتطفت من غير ما أي حاجة تحصل للبرواز، وبكده اتقفلت الصفحة دي، بس الصفح اللي ف التاريخ مبتخلصش، التاريخ إياه اللي مليان ألغاز وحاجات هنعيش ونموت مش فاهمنها.
"تمت"
#ممنوع_الاتصال_أو_التصوير
#الجسر
#ياسمين_رحمي