عزيزي سَليم.. كُنتُ قد لقبّتك في رسائلي السابقة بالأسمر، ولم أفصِح عن اسمك بَعد، أخفيته مع اشتياقي، وطويته داخل ذاكرتي بجوار حنيني ولم أُخبر بِهما أحدًا.. ثَمَّة هزائم يصعب علىٰ المرء الاعتراف بِها يا سليم، وثَمَّة خيبات لا تُحكىٰ،
قُل لي أيُّها الأسمر إذًا.. كيف يُخبر المرء البقيَّة أنَّ منبع أذاه مِن داخله، بفعل يداه وبكامل إرادته؟!، قُل لي!
وها أنا الآن بعد أعوامٍ مِن الانتظار، وفي محاولة أخرىٰ لاستعادتي منك، أكتُب إليكَ مُجدَّدًا بنفسِ الأبجديّة الَّتي شهدت شوقي وشيخوخة رسائلي المُلقاة داخل الصندوق...
في ظُلمةٍ الليل أتسلل مِن سريري أتحسس الجدران.. الطريق إلىٰ صندوق الرسائل طويل كأيَّام غيابَك، أقاوم الألم الّذي يسري بساقيَّ، وخطواتي المتماوجة وأُكمِل،
ضوضاء تقطنني، لا شيء مسموع بالغرفة سِوىٰ صوت أنفاسي اللاهثة،
أجلس أُفتِش في صِوَرَك.. وأبدأ كتابة: "إنِّي أكرهك أيُّها الأسمر،
لِماذا رحلت؟ لِماذا تآمرت مع الفراق وتركتني ومَضيت؟"،
إنَّني أتماسك، لن أصرخ هذه المَرَّة يا سليم، لن أبوح بحاجتي إليك، وأودُ مِن قلبي كُلَّه أن أقول لَك أنَّني أكرهك، لكِنَّني أُدرِك بأسف حقيقة أنَّني عاجزة عن الانسلاخ بعيدًا عن حُبك!
عبثًا أرسلُ صرخاتي إلىٰ الورق، وأستغيثُ بالمحبرة؛ كي أهجوك.. أناملي تلذعها نيران الشوق، وتتمرغ حروفي في الحنين كِتابةً إليك.. أُقاوم شعوري.. أمحو تِلك الكلمات وأبدأ مِن جديد كتابة: "إنِّي أكرهك أيُّها الأسمر!".
الساعة تدُق، يلذُ لي جوعي لرؤياك، أحبُّ النظر إلىٰ وجهك.. أحسُ فيه بجرعةٍ مِن الأمان الّذي فقدته، وأستسلم للكتابة عنك،
الساعة عادت تدق، أعودُ لإدراكي أصرخ "أكرهك، أكرهك أيُّها الأسمر".
أتماسك وأُكفكِف دموعي، وأكتب: "يومان يا سليم، يومان فقط وسوف أنتهي مِن مأساة حُبَّك، يومان وستقطلعك الحروف مِن داخلي،
أكرهك.. سأكتبها دومًا، سأنزفك قطرة قطرة مِن داخلي، وستكُف الأبجديّة عن وصف الشوق، لا شوق بعد أن ينتهي حُب سليم، لا شوق إذا كَفت عن حُبه ضَيّ!"