رسالة
عزيزي البعيد:
هل افتقدت حروفي؟
أتعلم؟ أنا أيضا افتقدتها، نعمة كبيرة من الرب هذه الحروف، أتعلم حينما أكتب وأجد شخصا واحدا يخبرني بأني قد عبرت عما بداخله، كم أكون سعيدة! وحينما يجف الحبر كم أكون عصبية!!
لا زال هناك متسع من الوقت، كي أكتب لي وأكتب إليك، لا زلت أرغب أن أعبر عن أناس أكثر، وقبلهم أعبر عما يعتمل بصدري، والأغرب أنني دائما أشعر أنك تقرأ وتجيبني، تقرأ بصوتي وانفعالاتي...
أستطيع أن أتنفس الحروف من رئة ثالثة حينما أخطها عنك، حتى وإن ظن الجميع فى كلماتي شرا فلن أكف عن تسطيرها...
وإن رموني بعهر الفكر، سأرميهم بأناقة حرفي، وفلسفة معناه، وسرعة تجليه فى أنفسهم...
أأخبرك سرا؟ حينما تراودني فكرة ولا أكتبها تجري الحروف خلف بعضها داخل رأسي وكانها فى "ماراثون"، لا تضحك هكذا، هذه هي الحقيقة، وخصوصا فى أثناء تحضير الطعام، فالأرز حباته يخيل إلي أنها حروف الهجاء، والخضار قصة قصيرة خفيفة، واللحم رواية فلسفية عميقة، هذا الهذيان يدور برأسي يوميا ولن أخبرك قصة الأسماك...
منذ يومين سألتني صديقة عن مصدر قوة شخصيتي، لا تتعجب أنها تراني هكذا؛ فالضعف يظهر لمن نعزهم فقط، قلت لها:
القوة التى تتحدثين عنها هى فى الأصل عقلانية، ولن تجدي إنسانا قويا دون ماض مؤلم تعلم منه وداوى جراحه وتجاهل ندبات على جدار قلبه حتى أنه دمر شيئا ما فى داخله...
سأكتب حتى تتساقط من روحي كما تتساقط هذه الحروف على الأوراق عزيزي...