أمي الحبيبة .....
غلبني الشوق والحنين إليكي فهداني قلبي ونفسي المكلومة أن أرسل إليكي خطاباّ لعل نفسي تهدأ بعض الشيء فأحياناّ ما نجد في الأوهام بعض الشفاء لجراحنا الدامية .
أمي الحبيبة .....
حقيقة .. أن أية أم تمتلك قدراّ كبيراّمن الحنان والدفئ تجاه أولادها كغريزة طبيعية حباها الله بها بالقدر الذي يجعل غيابها خسارة فادحة لا تعوض ، ولكن الفرق بينك وبين أية أم أخرى "كما أحسه أنا" كالفرق بين الصبر والصبر الجميل .. كلاهما صبر ، ولكن الصبر الجميل أعلى درجات وأسمى من الصبر بل أعم وأشمل ، فلم تكوني أمي فقط بل كنتي "على حد قول كل من عاشرك وأقترب منكي" .. أم من لا أم له .. وحبيب من لا حبيب له ..... كان لديك فائض من الحنان والدفئ السرمدي الذي لانهاية له مما جعلك تفيضين به على من حولك مما جعلهم يلينون إليكي بجانبهم ويسرون إليكي ما تثقل به صدورهم ، آمنين مطمئنين أنكي لن تفشي لهم سراّ وأنكي ستشاركينهم بصدق همومهم وأوجاعهم
فإن كنت كذلك مع الغير فمابالك مع أبنائك ومابالك معي أنا تحديداّ .. كنتي أقل ما يقال عنه أنكي فيض من الحنان والدفئ والأمان تلفحت به عمري كله وفاض وزاد حينما خلا المنزل من سوانا فأصبحنا متلازمين أو على حد قولك أصبحنا أنا وأنتي كالتوأم .. كنت اشعر أنكي تشاركينني حتى النفس الذي يخرج من صدري ..
مازلت أحيا في ذكرى الأيام الخوالي التي أجلس فيها بجانبك نتجاذب أطراف الحديث وأنتي تبتسمين لي في طيبة وإن كان في حديثي شكوى خففتها علي ، وإن كانت بي جراح داويتها بدعواتك الحنونة الصادقة .. والآن أجلس أنا وجراحي وحيدتين لا نجد من يربت علينا بل أصبح لنا رفيق ثالث هي دموع ساخنة تسقط في القلب فتلهبه وحشة وغربة
وما زلت أذكر وأنا أجلس معكي نتناول طعامنا وتصرين على أن تعطيني من طبقك أية شيء ، وكأنه طقس من طقوسك معي والتي لا أنكر أنها كان لها مذاق خاص في قلبي .. والآن أجلس على مائدة الطعام لا أنهل سوى الألم ولوعة الفراق
أمي الحبيبة .....
الحياة بدونك صعبة جداّ بل الحياة بدونك هي الموت بعينه والموت أرحم
لقد كنتي عزائي عندما فقدت والدي ، والآن من عزائي فيكي
اللهم لااعتراض على حكمك ولا على ما قدرته علي ولكنها لوعة الفراق التي فاقت الاحتمال فمنذ فارقتني وأنا أشعر وكأنني قد شطرت إلى نصفين .. نصف تحت التراب والنصف الآخر يعيش والألم والفراق يمزقانه ارباّ
أعلم أنني أثقلت عليكم بالحديث المقبض ، ولكن معذرة فقد أثقلني الحزن وليس هناك سوى هذه الساحة التي اعتدنا أن نمنحها أفراحنا وأحزاننا
لم أجد سواها لكي أنعي أمي التي لم تكن تحتفظ في ذاكرتها من جراء اصابتها بمرضها الخير سوى التمتمات الواهنات بذكر الله والاستغفار والحمد والشكر على نعمائه برغم آلامها ، الا أنها كانت دائمة الحمد والشكر ودائمة الخوف والخشية أيضاّ من ظلمة القبر وعذاب الآخرة حتى أن الشيء الوحيد الذي يطمئنني عليها بعض الشيء أنها في سويعات قبل الموت كانت مبتسمة راضية وجهها كالبدر وحينما سألتها : "انتي تعبانة؟" .. ابتسمت في رضا وقالت : بالعكس أنا مرتاحة جدا جدا عمري ماكنت مرتاحة كده ومطمنة جدا ومش خايفة .......... ولفظت آخر أنفاسها بعدها بحوالي ساعة
آآآآآآآآآآآآآآآآه يا أمي أتمنى من الله أن يتغمدك بواسع رحمته وجميل مغفرته بما قدمته في حياتك من كفالة لليتيم واطعام المساكين ومواساتك للحزين والمهموم وبقدر حبك لله وخشيتك له حتى أنك كنتي تتحاملين على نفسك لتتوضأي وتصلي وتستغفري وذلك في جهاد مرير مع المرض
رحمك الله أمي رحمة واسعة ورزقني الله الصبر والسلوان على فراقك أمي الحبيبة