الكيمياء هو علم معروف يبحث في بنية المواد وسلوكها وتفاعلاتها، وله رجاله وأدواته ومراجعة وثمراته.

ولكني أثناء البحث لاحظت أنَّ هناك جملة من المؤلفات تحمل اسم الكيمياء رغم أنها بعيدة المحتوى تمامًا عن الكيمياء التي نعرفها اليوم، على سبيل المثال: 

👈كتاب «كيمياء السعادة» تأليف: الإمام حُجة الإسلام أبو حامد الغزالي. 

👈كتاب «كيمياء السعادة في إبطال كيمياء العادة» تأليف: زين العابدين محمد سبط المرصفي.

👈كتاب «كيمياء السعادة الربانية وسيمياء السيادة الروحانية» تأليف: الشيخ عبد الرحمن البسطامي.

👈 كتاب «كيمياء السعادة في شرح البخاري» تأليف: محمد راسم الملاطيه.

👈كتاب «كيمياء اليقين» تأليف: السيد أحمد بن إدريس المقري.

👈كتاب «كيمياء السعادة لمن أراد الحسنى وزيادة» تأليف: يحيى بن عبد الرحمن المقدسي.

 مـفهـوم الكيميــاء عنـد الصوفيـة

♦️ والحقيفة أنَّ هذه الكتب لا تمت للكيمياء - العلم المعروف - بصلة، بل تتحدث تلك الكتب عن التربية والروحانيات وتزكية النفوس والأخلاق.!

فما العلاقة بين الكيمياء وبين هذا المحتوى؟

💡 وبعد البحث في التراث الإسلامي، وخاصة في الأدب الصوفي والفلسفي، يتبين لنا أنَّ كلمة "كيمياء" تم استخدامها هنا مجازًا للدلالة على التحول الداخلي، أو التغيير الروحي العميق، وليس بالمعنى العلمي التطبيقي المعروف اليوم.

حيث لما كان علم الكيمياء في القديم (الخيمياء) يُنظر إليه على أنه علم يسعى إلى تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب؛ فقد اُستعير في الدلالة على تحويل النفس البشرية من حال النقص والزلل والمرض إلى حال الصفاء والتقوى والأخلاق الصحيحة.

👈 ويتأكد لنا هذا المعنى ويتضح جليًا عند تصفح تلك الكتب، كالتالي: 

1- كتاب «كيمياء السعادة» للغزالي: يقصد بها الغزالي أن السعادة الحقيقية لا تتحقق إلا بتحول داخلي روحي، مثل "الكيمياء" التي تحول الشيء إلى ما هو أثمن.

2- كتاب «كيمياء السعادة في إبطال كيمياء العادة»: يشير فيه المؤلف إلى أن العادات قد تمنعنا من بلوغ السعادة، وأن هناك "كيمياء" روحية يجب اتباعها لكسر تلك العادات.

3- كتاب «كيمياء السعادة الربانية وسيمياء السيادة الروحانية»: يمزج بين "الكيمياء" (التحول الداخلي) و"السيمياء" (العلامات الروحية)، وهو أسلوب صوفي يرمز إلى الارتقاء في المقامات الروحية.

4- كتاب «كيمياء السعادة في شرح البخاري»: توظيف رمزي يعكس كيف أن تعاليم النبي (عبر أحاديث البخاري) هي طريق السعادة والتحول الروحي.

5- «كيمياء اليقين»: يشير إلى أن بلوغ "اليقين" (أعلى درجات الإيمان) يحتاج إلى عملية روحية دقيقة كأنها "كيمياء" للنفس.

وهكذا يتضح لنا أن مفهوم الكيمياء في التراث الصوفي هو المفهوم الرمزي واللغوي فقط وليس العلمي.

كما يتضح لنا أيضًا مدى حضور علم الكيمياء - ولو بمفهومه السطحي - في أذهان العلماء الأوائل حتى ممن ليسوا على شغل بالعلوم التجريبة، وفي ذلك دعوة للموسوعية وتوسيع المدارك الفكرية... والله أعلم.