هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • الزوجة .. إختاري من تكونين
  • طش يا بابا
  • ايهاب نافع لم يكن طيار الرئيس !
  • مع الأيام نتعلم
  • بالحق أقول مرارة الحياة بسيناء وأزمّة الضمير 
  • درسي ترامب
  • ردود الأفعال!
  • اليوم العالمي للذين لمسهم السرطان
  • تدي حب
  • تغريد الكروان: الرحيل
  • رساله مفتوحه للشعب الفلسطيني
  • معرض الكتاب جميل هذا العام
  • أبو الأجيال
  • عيد ميلادي
  • البراقع
  • مُصوَّراتي الجِن 
  • تعال
  • بالحق أقول كارثة المياه المفلترة 
  • السرقة عيني عينك
  • جدارا مائلا للداخل
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة انجي مطاوع
  5. ظل البحر

"حين يسقط الضوء على الموج، تتماوج أسرارنا بين التيه والانكشاف.

القلوب شراع ممزق، والبحر يمضي بطيئًا في خيانته."

 الشاعر أحمد نصر الله

 

 خذلني... والبحر الذي راهنت عليه باعني بصمت.

 

جلس راشد جوار نافذته يطالع سقف الليل الوليد وهو يتسحب ليتنشر، وأخرى يحدق في النهر الرمادي ومياهه تنساب ببطء، كأنها تحتضر من عبء الظلام الأتي، الريح تصفع النافذة بلا رحمة، صوتها ممتزج بهمس عقارب الساعة القاسية، كأنها تحصي لحظاته المريرة واحدة تلو الأخرى.

 

عاد بنظره جواره إلى فأسه المكسور ، شاحب اللون، كأنه قطعة من ذاكرة مهشمة، تذكارًا لمعركة خسرها، تمتم بصوت خافت:

"حتى الفأس خذلني... والبحر الذي راهنت عليه باعني بصمت."

 

عاد ببصره للسماء، الأفق يحترق بوهج غروب شاحب، الشمس تتوارى بدت كعجوز منهكة، تجر ظلال خيباتها الطويلة من البشر خلفها. انعكاس الضوء البرتقالي على المياه أعاد إلى ذهنه صورة طائر كان يراه في أحلامه، طائر ضائع بين السماء والأرض.

 

أمامه على الطاولة دفتر أوراقه بالية، لا يذكر هل أكلتها السنين أم إهماله، لم يفتحه منذ زمن طويل، صراخ الريح بدا وكأنها تستحثه ليأخذه، مد يده أخيرًا وفتحه، قرأ ما خطته يده:

"إلى من يجد هذه الكلمات... كنت أبحث عن طائر ضائع، لكنه لم يكن سوى ظل في ذاكرتي."

 

قرأ الجملة مرارًا شعر أنها تستدرجه إلى شيء أعمق. عيناه تجمدتا على الكلمات، فيما كان الصوت الوحيد في الغرفة هو زحف الريح عبر النافذة وصوت أنفاسه المتسارعة.

 

فجأة، قطع الصمت طرق خفيف على الباب.

 

"من هنا؟"

سأل بتردد، قلبه ينبض محذراً من شيء مجهول. وقف ببطء، واقترب من الباب بخطوات ثقيلة. فتحه على مهل ليجد أمامه شابًا غريبًا، يرتدي معطفًا ممزقًا، يحمل حقيبة قديمة، ونظراته توحي بالحيرة والثقة معاً.

 

"آسف على الإزعاج..."

 

قالها الشاب بابتسامة باهتة مضيفاً وهو واقف على العتبة:

 

 "ضعت في الطريق أثناء العاصفة، ورأيت الضوء من نافذتك."

 

تردد راشد للحظة، لكن ملامح الشاب دفعته إلى السماح له بالدخول. أشار له بيده، ودون التفوه بكلمة، عاد إلى مكانه.

 جلس الشاب على الكرسي الوحيد في الغرفة، بينما ظل راشد واقفًا أمام نافذته يراقبه بعيون مشبعة بالشك والفضول.

 

أخرج الشاب من حقيبته ساعة جيب قديمة ووضعها على الطاولة بينهما. صوتها كان يتردد في الغرفة كأنه نبض قلب شغوف بالحياة.

"هذه تخصك."

 

تجمدت عينا راشد على الساعة. إختطفها، قلبها بين يديه بحذر، تمتم:

"كانت لوالدي... اختفت معه يوم رحل."

بخوف سأله: "كيف وصلت إليك؟ من أنت؟"

 

ابتسم الشاب بغموض وبصوت هادئ:

"أنا ما كنت تهرب منه، أنا الماضي الذي تركته... وعدت لأذكّرك بما فقدته."

 

سقطت الكلمات على راشد كالصاعقة. تراجع خطوة للخلف، بينما الضوء الشاحب من النافذة يغمر الغرفة، يُلقي بظلال غريبة على ملامحه وملامح الشاب. حاول أن يتحدث، لكن الكلمات خذلته. أمسك بالساعة، كأنها مفتاح لذكرى ضائعة، تمتم بصوت مرتعش:

"كنت أبحث عن طائر ضائع... لكنه لم يكن سوى ظل لفراغ ينهش روحي."

 

جلس الشاب بصمت، بينما كانت الريح تعصف بالخارج وكأنها تريد اقتلاع الجدران. الغرفة كانت ممتلئة بثقل كلمات لم تُقال بعد. النهر الرمادي في الخارج كان لا يزال يتحرك ببطء، ولكن هذه المرة، بدا كأنه يعكس صورة الطائر... طائر كان يحلق بعيدًا عن متناول اليد ثم حط فجأة على يد راشد.

 

أغمض عينه وفتحهما ليجد نفسه نائم أسفل شجرة جميز عجوز وسط أرض والده الراحل منذ سنين طوال لتبور وتجرف.

...

-----------

من وحي قصيدة الشاعر احمد نصر الله و التي قال فيها : 

 

تحت سقف اللاشيء

حيث الزمن خرقه المواعيد

المختنقة بالسراب

وقلبي 

          شراع ممزق في عاصفة غاضبة

يصارع أمواج الحزن والفوات.

وحيد كجنين لفظته رحم الحياة

 يوم الحشر 

الشمس 

         تلك العجوز المتهاكلة

تجر وراءها خيبات العمر السخيفة

ترمق فأسي المكسور بشيء من التهكم

تخبرني أن البحر الذي

راهنت عليه

باع الغنوة الأخيرة

بملح الصمت وحنطة الخنوع.

أفتح نافذة روحي

التي أنهكتها الريح 

فلا أجد أمام النهر

غير الاحتضار على 

خاصرة غيمة قاتمة

عيناي بحران من الحبر الأسود

تعكسان سماءً محشوة بالغرابة

حيث شبح الموت الرحيم

أكثر ما يُستجدي جنونه.

وسط كل تلك الفوضى التي تغرق فيها

رئتي وأبجديتي

أشعر بأنني كوكب محتضر

يتجول في كهف من الأشباح

أبحث عن عصفورة ضائعة في متاهات الذاكرة.

كل خطوة أخطوها

تمكن هذا المستنقع اليائس

من جذوري الغارقة في تيه تاريخ

مفخخ بالفراغ.

كل كلمة أنطقها

سكين في فضاء لا نهائي

هو روحي المتعبة.

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

928 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع