آخر الموثقات

  • تاج من النجاة
  • بردة جمال
  • كفانا ببغاوات
  • مـفهـوم الكيميــاء عنـد الصوفيـة
  • صوته
  • يوم خرجت من دمشق
  • المظهرة بالملابس
  • صورتي و خواطر
  • نعمة الإحساس 
  • المعادله لازم تكون واضحه في الأذهان
  • هل قلة الأدب من حسن الخلق ؟
  • وماذا لو جاء معتذرًا؟
  • رواية الهودو - الفصل العاشر
  • رواية الهودو - الفصل التاسع
  • هياكل النجوم -1
  • ما أنا إلا جزء من الكون يسبح
  • مقايضة لا مرئية - قصة قصيرة 
  • يا آسري
  • شخص من عالمي 
  • المخ ... هو المطبخ
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة د حنان طنطاوي
  5. أخرجتني إلى الشرفة أم أدخلتني إلى قبوي؟!

 

كان هذا السؤال الذي فرض نفسه على وجداني، بعد أن انتهيت من قراءة المجموعة القصصية " الخروج إلى الشرفة

للكاتبة حنان عزيز، إصدار: "دار المصري للنشر والتوزيع"

من الصفحات الأولى وقبل أن أبدأ في طرق باب شرفتها، عرفت من إهدائها الذي كتبته للسندريلا، أني في صحبة كاتبة تقرأ طالع الأرواح وتكشف ودعها، وخزائن أسرارها!

كان لحبرها قدرة فائقة على ملء الصور ببراعة تتعدى قدرة القلم والمحبرة، حتى تكاد تصل لقدرة كاميرا، يحملها على كتفه أبرع مصور سينمائي.

تعددت أنماط الحياة، والمراحل في حياة بطلات القصص، لكنهن –في رأيي- أطللن من خلف نفس النافذة، وصبون نحو نفس الشرفة، أملا في التحرر.

افتقدت أثناء القراءة ذلك النموذج الأكثر شيوعا من النساء في مجتمعنا، أولئك اللاتي يتطلعن للحياة من خلف فتحات ضيقة، لا تسمح المشربيات بسواها.

فليس كل الفتيات بمقدورهن الذهاب للكافيه، ليلفظن الوجع، بينما ينفثن دخان الشيشة في وجه رجل يقف خارج الكادر!

لكن.. ربما كان في هذه القصص، شيئا ما يستطيع النفاذ لباطن كل أنثى، ليكشف لها ما تواريه من اعتزاز بأنوثتها، ورغبة غير معلنة -دوما- في إبراز مفاتنها، دون اكتراث لمن سيحكم عليها، أمنية تداعب الخيال، وتتجمد عند حائط الضجر؛ الذي يعتبرالأنوثة –في كثير من الأحيان- عارا لابد أن نخفيه.

ورغم أن معظم بطلات القصص، كن على قدر كبير من نضج التجربة وجرأة الخوض فيها، إلا أنهن لم يخرجن منها دون دفع ضريبة ثقيلة ، يسحبها منهن مجتمع لا يثمن الحب ولا الإخلاص. فأصبحن في بعض مواطن السرد يُشهرن أنوثتهن في وجه العالم الخارجي، لكنهن يوقفن التنفيذ في باطن الحقيقة، تماما كسلاح فارغ بلا ذخيرة؛ ولا يعمره سوى بضع طلقات صوت، خصبة في بث الرعب..عقيمة في خلق النزف!

سيتبادر لذهنك الآن، أوربما في مطلع القراءة؛ ذلك الجدل المتجدد حول أدب الكاتبات، أو الأدب النسوي –خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية- وكونه لا يبتعد كثيرا عن إطار التجارب الشخصية، في الوقت الذي تتميز فيه كتابة الرجال برؤية ومقدرة سردية أكثر شمولية، وربما كانوا في بعض الأحيان يكتبون عن المرأة أعمق ممَّا تكتب هي عن نفسها؛ وذلك لانفتاح تجاربهم في مقابل كل ما يحاصر النساء، والكاتبات من ضمنهن.

لكن هذا الخاطر سيتلاشى تدريجيا؛ عندما تلمس براعة الكاتبة في وصف ما لا تستطع كل امرأة رؤيته في امرأة أخرى مثلها؛ إما لأنها لا تلتفت له، أو ربما لأن المرأة تميل بطبيعتها للانغلاق عن نفسها، ولا تنفتح إلا على رؤية الرجل لها، فهي -كما تلقنت- لم تتعلم أن ترى نفسها إلا من خلاله.

يزداد ذلك التجلي في قدرة الكاتبة؛ عندما تلمس ترَفُّع قصصهاعن جعل المرأة ضحية للرجل بشكل مطلق، وتنأى بسطورها عن إدانة الرجل بشكل مرسل، فتجدها نجحت -برشاقة بالغة- أن توزع حمل الصراع وتداعياته على قاربيهما دون الكثير من التحيز.

كانت هناك لحظات من القراءة، احتجت فيها أن أكثف شهيقي؛ رأيت بها درجة من خيال مظلم خطف أنفاسي وأنا أقرأ قصة الزوجة التي تنتظر انتهاء زوجها من خيانتها، على فراشها، وذلك فقط حتى تستطيع معاودة النوم! مشهد مجازي أو واقعي؟ ليس ذلك مهما، المهم هو ما يجسده من صورة زوج ممعن في البلادة، وزوجة مدمنة للرضوخ!

 ارتعدت أيضا وأنا أتابع ركض زوجة أخرى، تأمل في الفرار من فتك سجان، برتبة زوج!

 ونلت من الغصة قسطا لا يستهان به وأنا أقرأ في قصة ثالثة رسالة زوج لزوجته، تكتشف بعدها كيف استباح سرقتها واستنزافها، والخروج من حياتها دون تفسير، كنصل سكين بارد ينسحب من الأحشاء التي مزقها غير عابئ بالدماء!

برغم معاناة كل هؤلاء الزوجات، إلا أن الكاتبة -في أكثر من موضع- كانت تجدد عهدها للقارئ بالموضوعية، فلم تُخلِ مسؤولية المرأة عما يحدث لها، تتأكد من ذلك وأنت تقرأ في حوار الراوية الباطني ما تشير فيه لاستهتارها، وإطلاق ثقتها العمياء حين تقع في الحب، ويزيد يقينك بقدرة الكاتبة على رصد زوايا المشاهد بشفافية إنسانيتها، وليس فقط أنوثتها، حين تصور لك خذلان المرأة لنفسها واستسلامها للنفاق، أمام إغراء الأمان المادي، وحين تسمح لنفسها بالتسلط على امرأة مثلها؛ لمجرد أنها لا تتوافق مع كتالوج المجتمع، فتمنع أخاها من الزواج بها، برغم علمها بحبهما.

وعندما تقرأ قصة "بنصف قلب" سيكتمل في قلبك الاطمئنان والتسليم لقدرة #حنان_عزيز على الحياد في السرد، رغم أن البطلة لازالت أنثى، لكنها نجحت دون مبالغة أو تكلف، في تجسيد كم لا يستهان به من الشر، يعتمل في سريرتها التي تستتر حينا خلف برقع الحب، وحينا آخرخلف ستار الرغبة في الأمان المادي، فترى في بضع سطور بروز ملامحها، ووصف بليغ لتصوير قدرتها على خيانة زوجها وحبيبها في آن معا، وهو ما يجعلني أعتقد أن أجلّ الروايات ما كانت لتستطيع وصفها بكل هذا الإيجاز وتلك الدقة!!

بين سطور القصص ستسمع مناجاة هامسة في بوحها صاخبة في أثرها، تتحدث عن تلك العلاقة المركبة بين الأم وابنتها، وبالأخص عندما تكون الأم وحيدة، تعاني من وضع عاطفي معقد، فتغدو الفتاة حينها كرقيب لأمها حتى لو لم تشاهدها، وجلاد لها وإن لم تحاكمها..

 طرح يسلط الضوء على التناقض -الذي يعتري الباطن أحيانا- بين الأمومة والأنوثة، وكأنهما جبهتي نزاع، في حين أن الحقيقة تؤكد: أن رأس رجاء الأمومة السوية، لا ينبع إلا من محيط الأنوثة المشبعة.

عودة للمجموعة وللحديث عن العلاقة المركبة بين الأم وابنتها، حيث تعرضها الكاتبة في المرة الثانية من منظور جديد، تعاني فيه الأم المكافحة هذه المرة من تآكل معالم أنوثتها، بينما يغدق الزمن على فتاتها بالنضارة والتوهج، وهو ما يجعل القارئ يقف قليلا ليتأمل ذلك الشعور المليء بالتضارب!

كان ذلك في قصة "زيارات ليلية" التي أراها تمرينا محفزا للمخيلة، فالجمال والتفصيل في وصف زهور البنفسج، ولحظات اللقاء بالحبيب الليلي، سيرغمان خيالك على أن تتصور بطلتها امرأة تتمرد على أمومتها وعلى المجتمع، وتترك نفسها مستسلمة –مع الكثير من الأرق- لاحتياجها للزيارات الليلية، وما تفرضه عليها من ضرورة الخفاء والتستر، لتكتمل الدهشة في ختام القصة باحتمالات لا نهائية تبرئ فيها هذه الزيارات، وتكتشف أنها لا تتعدى خيال امرأة أضنتها الوحدة وأعياها طول الانتظار.

في ختام المجموعة تبدأ المشاهد في تجسيد لحظات بثقل وطول أعمار كاملة، تنحي فيها الكاتبة قدرتها المتميزة على اكتناز الأحداث، وتسارع الإيقاعات، وتبرز عوضا عن ذلك صوت تراكيبها الشعرية، والحس المتعمق في المعاني، تظن لبرهة أن المشاهد منفصلة عن القصص، لكنها في الحقيقة بدت لي كقطع البازل الذي يكمل بعض الفراغات فيها، والتي ربما أغفلتها الكاتبة عمدا.

أتى آخر مشهد" لحظات التحليق"، ليبرز توحد الكاتبة مع روح السندريلا في لحظاتها الأخيرة، وجدت فيه أيضا استكمالا لقصة الخروج إلى الشرفة، والزوجة التي لاذت بالشرفة فرارا من زوجها، لكن خيالي حينها توقف على مشهد سقوط ينتهي سريعا، مخلفا سكونا أبديا لا ينتهي، ليأتي بعد ذلك مشهد "لحظات التحليق" ويجدد شحذ خيالي بكم مهول من الصور والمشاعر، زاد من ذلك ارتباطه بالسيندريلا، بالفراشة المتوهجة كما وصفتها الكاتبة، وكم من فراشة تتمنى التحليق في زمن لم يخلق للفراشات.

برغم كل ما فاضت به المجموعة من زخم في الأفكار ونضج في التأملات، وحبكة في التسلسل وصنعة في الصياغة، إلا أن حدسا قويا ينبئني أنه لازال في جعبة حنان عزيز الكثير، وهي فقط في "الخروج إلى الشرفة" تلتقط بعض الأنفاس، لتتأهب للغمر في تجربة الرواية، والأمانة تقتضي أن أنوه: أنه لا ضمانة كافية من الغرق في بحر إبداعها!

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

780 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع