لم تكن تبحث عن شعرة شقراء على بذته، أو عن أحمر شفاه على ياقة قميصه.
بل بحثت عن نظرة عينه الباحثة عنها المتأملة فيها وفي تفاصيلها، أحضانه الدافئة الحانية،
أنفاسه المتهدجة المتعطشة لأنفاسها،
مشاعره الظمأى، لأن تبثها شوقه للقائها.
كل هذا تغير.
الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو حبه لأولاده، ولكنه لم يعد لديه الوقت الكافي لهم.
هي فقط من افتقدت هذا منذ فترة.
حل محلها الفتور، برود المشاعر، فجوة تتسع يوماً بعد يوم، تساءلت:
ربما ليست الخيانة، ربما كان هذا بفعل الوقت، الهموم، ضغوط الحياة.
أرادت أن تطمئن نفسها ولو كذباً:
لا توجد أخرى، زوجي يحبني ولا يستطيع أن يكون مع غيري، أنا نصفه الوحيد، نصف لا يتجزأ. ربما يكون متعباً مريضاً، نعم، ربما كان مريضاً ولا يريد إخباري، يشفق علي ويتحمل آلامه بمفرده، لأنه لا يتحمل رؤية حزني.
رددت تلك الكلمات كثيراً، ربما يومياً، حتى أتى ذلك اليوم.
سمعت صوت الهاتف فأجابت.
_ حرم الأستاذ حازم
= نعم، أنا
_ لقد ظهرت نتيجة تحاليلك منذ فترة، نرجو منك الحضور لاستلامها.
= أي تحاليل؟
_ لقد أجريت تحاليل الحمل وصورة الدم الكاملة منذ أسبوع، نرجو منك الحضور لاستلامها ودفع باقي المبلغ.
طلبت منه العنوان، استغرب لطلبها لكنه في النهاية لا يريد سوى نقوده.
ذهبت من فورها واستلمت التحاليل، قرأت اسم غريمتها فوقه، كانت هي من أعطتهم رقم هاتفها، أرادت توصيل رسالتها بشكل مختلف،
رسالة مفادها: (عزيزتي، أنا حامل من زوجك).
لا تدري كيف عادت إلى منزلها، سحابة من الدموع تجمدت في عينيها.
انتظرت حضوره في المساء، بعد تناوله لطعامه، أحضرت له التحاليل.
اتسعت عيناه عندما قرأ الاسم.
_ من أين حصلتِ على هذا؟
= منحتهم صاحبته رقمي، أرادت أن تؤكد إحساساً كذبته طويلاً.
لم أتفاجأ أبداً، لكن يهمني أن أعرف ماذا تكون لك؟ زوجة أم عشيقة؟!
أجاب سريعاً وكأنه يطمئنها:
_ بيننا عقد عرفي، سأمزقه وينتهي الأمر.
= اتقِ الله، كيف تقول هذا ولديك ابنة؟ تخاف مني ولا تخاف الله؟!! من أنت؟ أنا لم أعد أعرفك.
أخذت خطوة ولم تأبه بخسارتي وخسارة بيتك،
والآن لا تأبه بغضب الله.
هي زوجتك وحامل في ابنك، اذهب إليها فهي تعاني ضعفا عاماً، تحمل مسؤوليتك وإلا انسني وانس هذا البيت.
= أنتِ من تقولين هذا؟ لقد أخذتني منك.
_ لم تأخذك، ذهبت بمليء إرادتك، لست طفلاً
ولست ضحية، بل كلنا ضحاياك، نحن وهي وطفلك القادم.
اذهب، سامحك الله.
اعتصر الألم صدرها، ولكنها كانت تعلم أن ما تفعله هو الصواب، فقبل أن تخاف على نفسها، تخاف على أبنائها وبناتها. لم تكن حزينة لأنه ذهب لأخرى، كانت حزينة لأنه استطاع أن يقسُ ويهجر ويبتعد.
تركها وذهب.
فأفسحت مجالاً لسحب عينيها أن تمطر لتزيح عن قلبها حملاً ثقيلاً من الأحزان.