كنت وعدتني في يوم كانت فيه اوراق الشجر المتساقطة تتراقص على انغام الرياح؛ بنشوة كراقصة إسبانية مخمورة على أنغام الفلامنغو، أنك لن تتخلى عن حبي مهما بلغ بي الجنون مبلغه، و أنك ستغفر كل زلاتي وهفواتي مادمت لم أخن او اكذب.
لقد كنتَ حينها منتشيًا مثلها وأكثر، فقط بفكرة حضوري غارقا تنظر بهيام في بحر عيناي السود تتبسم في بلاهة لكل حركة من شفتاي، وها أنت الآن تشتكي من غرابة أطواري ومن تقلباتي المزاجية ممتعضا من تناقضاتي.
قالت ذلك وهي تعض على شفتها محاولة كتم صوت أنين كان يمزق قلبها، و في آخر محاولة لحبس دموعها خانتها الجفون لينفجر شلال من الدموع، وبينما مد يده محاولا تهدئتها دفعته بعيدا، وركضت بعيدا لتتفادى اكثر موقف تكرهه وهو أن تكون محط شفقة.
مر خريف آخر دون أن أراها أو أعرف عنها شيئا، تبا لهذا الخريف الذي أحبته كم هو مؤلم بدونها.
كان جالسا في نفس المكان الذي دارت فيه كل الأحداث منذ أن رآها أول مرة، كانت الريح تراقص خصلات شعرها؛ فيما الشمس تختلس النظر من وراء السحاب لترسل بعض من أشعتها لتغازل جفونها، حين سقطت ورقة فلامست خدها برقة كأنما قبلته فتبسمت، حينها دق قلبه بقوة.
تبسم لكن ابتسامته لم تكتمل لتنزل دمعة أحرقت خده، فتناقضت مشاعره وذكرياته، فكان السجال بين حلاوة اللقاء وجرح الفراق.
نهض متثاقلا تعبا من شدة الحزن، مشى خطوتين ثم استدار على أمل ان يراها جالسة على مقعدها المفضل منتظرة إياه كما اعتادها دائما أو حتى يلمح طيف لها،
لكنه خسرها بالفعل لانه لم يتقبل أنها ليست كاملة رغم أنها اخبرته آلاف المرات أنها بشر وليست ملاك، كما أخبرته أنها لن تترك يده أبدا لكن إن فعل هو، فلن يجدها بعدها أبدا.
وقد صدقت الوعد فها هو منذ اكثر من خريف يبحث عنها في كل الوجوه الحزينة وبين مقاعد الحدائق العامة، وفي كل شعاع نور وهبة نسيم، كبحثه عن قلبه وروحه التائهين في غياهب عشقها.