هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • بونبونايه بدون الكتاب
  • ظاهرة القبلات بين الرجال و النساء!
  • أمي القوية
  • ذكرينــي
  • شكرا لسيدنا يوسف
  • المهر كان غالي 
  • نختلف، ولا نحتد
  • قماصين وقماصات
  • بين العمل والنتائج،، مقال
  • ما بال هذا الهيام..
  • مَواسم الفُراق
  • التسويق في مصر بعافية ١
  • حسان و السمان
  • تداعيات إشكالية
  • عندما يكون الإسهال عرضا جانبيا لدواء ..
  • كتابي السِفر
  • لغة البتاع
  • وطأت قدم
  • أتدري أنها فانية؟!
  • كلمتي الختامية من ندوة مناقشة رواية حيوات الكائن الأخير في مختبر السرديات 
  1. الرئيسية
  2. مدونة غادة سيد
  3. البعد الخامس ( قصة قصيرة.. ماورائيات )

أبدعت ريشته لوحة شديدة الاتقان. وجها ملائكيا بريئا يطل من خلف أشجار البونسيانا الملكية والتي يعشق زهورها الحمراء المعبأة برائحة الربيع المنعشة فهو مدين بالفضل للمهندس جان بيير باريليت دي شامب الذي جلب تلك الشجرة من الهند  واستراليا وغيرهما من البلاد الاستوائية في عهد الخديوي اسماعيل فمكنت ريشته من ابداعات عديدة كانت البونسيانا اكثر عنصر تكرر بها. . كان المتنزه خاليا إلا من ثنائيات المحبين البعض يجلس على المقاعد الخشبية و آخرون يستندون إلى الأغصان المعمرة السميكة الضاربة بجذورها في عقود مرت وهي لا تزال صامدة و  تزداد كل يوم تجذرا و بسوقا. هناك على طرف البحيرة الكبيرة يجلسان وهما عابسي الوجه لا يثير انتباههما أصوات سرب البط  بصغاره العائمة خلف أمها. تشاركهما أغصان الصفصاف المتدلية أحزانهم هامسة إليهما: كل شيء سيكون بخير.

لم هذه الحسناء تقف وحيدة خلف الأشجار؟ يا لعينيها الرائعتين لا تكونان إلا على ظبية متمردة يافعة.
أراد إكمال الصورة واخراجها من خلف الأشجار لكن  الأغصان المتشابكة أبت إلا أن تعانقها و تخفيها عن الأنظار. شغله كثيرا كيف السبيل إلى التواصل معها
ليته في عالمها ثنائي الأبعاد كي يتحدث إليها فقد ابهرته بجمالها الساحر الذي لم يرسم مثيلا له من قبل بينما هاجس يسيطر عليه أنه رآها من قبل. كانت ريشته ترسمها تلقائيا دون إرادة منه. قد يحاول يوما نحت تمثالا لها لتشاركه عالمه بأبعاده الثلاثة. ستكون ممشوقة القوام نحيلة الخصر متفجرة الأنوثة. سترتدي الشفوف الهفّاف. 
كان نقيق ذكور الضفادع في الحديقة الخلفية لمنزله و قد خرجت من مكامنها  معلنة عن رغباتها الملحة ومشيرة إلى أن الوقت قد تأخر و أقبل الليل ببرودته و قد أسدل ستره  فمنحهم الجو المثالي للتلاقي.
قام متثاقلا رغم شروده ليطفئ المصباح استعدادا للنوم. منحها نظرة اخيرة ولوح إليها يودعها فكان ظل يده يخفي وجهها تارة و يظهره تارة تاركا المجال لنور المصباح ليصل إلى تلك العينين اللامعتين فيزيدهما بريقا.
تسمر في مكانه. فرك عينيه بظهر كفيه بشده. لم يصدق في البداية: لعلها تخاريف ما قبل النوم.
ابتسمت ابتسامة خفيفة و اغمضت عينيها  ثم فتحتهما.
لوح إليها مرة أخرى ببطئ  وعلى وجهه علامات التشكك. كررت ما فعلت.  لا لم تكن تخاريف أبدا. 
عاد إلى مكانه واقترب من اللوحة كثيرا يتحسس النسيج  المشدود على الإطار الخشبي، ذابت أصابعه في النسيج المتشابك. سحبته بلطف يد رقيقة ناعمة. تشابكت أصابعها مع أصابعه وسرت برودة منها ارتجفت لها يده. ليجد نفسه أمام أميرة أحلامه التي رسمتها تلك الأصابع وشكلت كل تفاصيل وجهها فأكملت روحه الصورة. صارت رمزا للكمال الإغريقي لكن بعيون عربية. أخذت لنفسها من كل شعب أميز ما فيه.
ابتسمت ابتسامتها التي سحرته وجذبته إليها.
كان عالمها يحجبها عن التواصل معه بينما هي تراقبه على مدار الساعة والشوق يقتلها. انتظرت طويلا. حتى قررت أن تلتقيه بطريقتها الخاصة. لم تكن تعلم مدى فاعلية هذه الطريقة حتى تحقق لها ما أرادت في النهاية.  زارته كثيرا في أحلامه لكنه كعادته عندما يستيقظ يكون قد نسى كل شيء. كان كلما خطت ريشته الجميلات يشتد بها الحزن أنها ليست واحدة من بينهن. إلى أن تلاقت الأرواح فرسم تفاصيلها دون إرادة منه. تشبثت بمكانها خلف الأشجار المزهرة التي شغلت جانب اللوحة.  أثار جمالها فضوله. كان ظل يده هو وسيلته الوحيدة للتواصل معها. حتى التقت اليدان.
ارتضت عالما أدنى يكبل امكاناتها الطاقية الكبيرة  حتى تفوز بلقائه فلقائه هو كل أمانيها. أنصت إليها بكل فضول وشغف و حاول ربط الأحداث أملا أن ينقشع ضباب جهله و يعي حديثها غير المفهوم لكن ذلك لم يحدث فقد كان حديثا بالغ التعقيد أبعد بكثير عن إدراكه. زادت حيرته و فضوله. سألها.: _هل أنت جنية؟ هل أنت مخلوق سفلي؟
_بل قدِمت إليك من عالم علوي خماسي الأبعاد.
_ربما تكونين ملاكا؟
_لا لست أيا من ذلك و لكني مخلوق مثلك غير أني قادمة من بعد خامس في ذلك الكون الغامض الذي يتكون من أحد عشر بعدا كما أثبتت معادلات الفيزياء الحديثة. انتظرتُ التواصل معك كثيرا.
_ فلماذا لم تأت مباشرة إلى؟
حاولت ذلك بالطبع من خلال زيارتك في أحلامك.  فهي الوسيلة الوحيدة لتواصلنا في كونين مختلفي الأبعاد و لو كنت أنت من هؤلاء القلة المدربين على التحكم في أحلامهم لكنتُ استطعت النفاذ إلي عالمك. لكنك ما أن تستيقظ حتى  تنسى الحلم و تنساني. بلغ اليأس مني مبلغه إلى أن واتتني فكرة اللقاء بك في عالم ثنائي الأبعاد فأنت فنان و ريشتك تبدع عوالما ساحرة جميلة  وها نحن نتحدث في احدها كما ترى.                             _ نعم نعم  بدأت أفهم الآن فقد كنت على يقين أني رأيتك. بالفعل هي تلك الأحلام لقد تذكرت أجزاء منها. هل تعلمين أني حاولت أن أنحتك تمثالا رقيقا؟  وتخيلتك كما أراك حاليا.

                                  عندي سؤال أتمنى لو كانت إجابته كما أتمنى. هل   أستطيع أن آتي معك إلى عالمك ولو زائرا خفيفا لبعض الوقت ثم أعود؟
_ من حسن تدبير الخالق أنه جعل ثَم تواصلا بطريقة ما بين كل مكونات الكون وأفراده و أبعاده و كذلك بين الأكوان المختلفة. ألم تقرأ قوله تعالى: " و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا "؟ فما دامت سنة الله
في كونه هي التعارف بين الشعوب، فعلينا أن نوجد السبيل والوسيلة إلى ذلك.  
سآخذك في رحلة لعالمي خماسي الأبعاد..و قبل أن تتم جملتها شعر بأنه أصبح أخف وزنا. صار  في كون يبدو مختلفا عن الكون المعروف.

هناك أمور لا يستطيع تفسيرها.  مشاهدات  لا يعلم كيف يصفها إلا بأنها لا توصف. اختلافها مختلف عن كل اختلاف سمع عنه. كيف يستطيع أن يتجول في الزمن ذهابا و ايابا بين أزمنته الثلاثة؟ كيف يدخل في أعماق كل شيء ويخرج و كأنه يدخل غرفة ويخرج منها بكل بساطة؟ الارتفاعات قد تصير منخفضات وهي في حركة دائمة.  هو ينفذ من خلال الأشياء و الأشياء تنفذ من خلاله فلا معنى للتزاحم هنا. يرى غرفته وكأنها لوحة  مرسومة يستطيع لمسها  إلا أنه لا يستطيع النفاذ إليها رغم كفاءة هذا الكون بأبعاده الخمسة  مما أثار فضوله و اضطربت التساؤلات داخل عقله.  التفتَ إليها عندما قاطعه صوتها: _التواصل داخل أفراد الكون خماسي الابعاد متاح كما هو الحال في باقي الأكوان. لكن تواصل الأكوان المختلفة فيما بينها له تقنياته الخاصة التي قد نعلمها او قد يجب علبنا تعلمها إن جهلناها.
_ لكن كيف أتيتِ بي إلى هنا؟
_ بالاسقاط النجمي. انه  أشبه بالتنويم المغناطيسي ثم  من خلاله تستطيع أن تتنتقل عن طريق المزج بين العقل اللاواعي والوعي المحسوس.
_ سمعت كثيرا من علماء الدين يفتون بأن هذا الأمر محرم شرعا وهو من قبيل الشعوذة فلا دليل علمي واضح يفسره كما أنه قد يؤدي إلى الهلاوس والاختلال العقلي بالإضافة إلى أن انفصال الجسم الأثيري عن الجسد ولو مؤقتا قد يجعل المرء لا يستطيع العودة إلى جسده مرة أخرى حتى من خلال الخيط الفضي الذي يربطهما كما يدعي المنظرون المؤيدون لهذه الظاهرة  فيبقى في غيبوبة مدى الحياة و كلها أمور خطيرة.
كانت تنصت إليه باهتمام وكأنها على علم مسبق بما يقول حتى قاطعته بحماس:
_اسمح لي.. هنا نحن نقدر العلم بشدة والدين بالنسبة لنا من أهم العلوم التي أوليناها بالاهتمام والدراسة و منه خرجنا بكل النظريات والاكتشافات والتطبيقات المعقدة. ومن اسم الله " العليم " فطنا إلى أن الله يحثنا على العلم.
قد يكون من السهل أن نُحرم كل جديد بالاعتماد على الفتاوى الجاهزة. دون النظر إلى التقدم العلمي الذي يضعه الله بين أيدينا ليسخر كل إمكانات الكون الهائلة لخدمتنا وفق مراده  جل و علا.. ألم تحرَم زراعة الاعضاء من قبل؟ ثم أبيح التبرع بها من أجل أنه " من أحياها فقد أحيا الناس جميعا "؟  ألم يحرم الاستنساخ بدعوة التشبه بالإله؟ ثم أبيح بعد اكتشاف الخلايا الجذعية و امكانية تخليق أعضاء بديلا عن الأعضاء غير الصالحة لإنقاذ أرواح كثيرة والتي حفظها من ضروريات الدين الخمس؟ ومن قبل حرم التلفاز والتصوير ثم ثبت عدم الاستغناء عن كل ذلك.  قد يؤدي  الاسقاط النجمي أو غيره من الظواهر إلى أضرار لعدم توافر كل المعلومات عنه لذلك وجب التوصية بمزيد من الدراسة  حول كل ما نجهل ماهيته لنقرر بعدها حله من حرمته و تقنن طريقة استخدامها بما يفيد البشرية دون ضرر أو ضرار إن لم يشوبها ما يحرمها.
قد بعث الله إلينا رسلا كما بعث إليكم و أخبرونا عن الأمم السابقة وعن المخلوقات في العوالم الأخرى كما أخبروكم عن الشياطين والجن والملائكة. 

نظر إليها مليا فهو لايعلم أي مخلوق هي. لا فرق بينها وبينه إلا في  تلك  الإمكانيات التي يوفرها البعد الخامس.
_ آسفة أن أخبرك أنه حان وقت الرحيل لكن سألتقي بك في أحلامك.  عدني ألا تنساني.
_أعدك أني لن أنساك. سأنتظرك في أحلامي. سنتحدث كثيرا عن الجديد في عالمك و عالمي.  سنتواصل دائما.
بل سنجد الطريقة المثلى للتواصل مع كل ما خلقه الله من أكوان.  إلى اللقاء في وقت أعلم أنه قريب إن شاء الله.
عاد ليكتب قصته على صفحته الشخصية التي تضم آلاف المتابعين من محبي فنه الراقي و سرعان ما تطاير الخبر في كل مكان. تناقلته وسائل الإعلام و أصبح حديث مواقع التواصل الاجتماعي. أصبح  الشخصية الأبرز و قصته  تُحكى على شاشات الفضائيات.
ذات ليلة زاره فريق من علماء متخصصين وعلماء دين و أفراد من جهات  رسمية و سيادية على أعلى مستوى. دونوا كل كلمة قالها و استفسروا عن مزيد من المعلومات المفصلة. أخبروه أنهم يقدرون تجربته و أنهم سيولونها اهتماما بالغا و ستكون محل دراسة متأنية وأبحاث معمقة. . استأذنوه في تكليف حراسة مدربة بحمايته دون التسبب في  ازعاجه فهو يعد ثروة قومية  الآن و سيكون في الفترة القادمة  محط انظار كل العالم و مطلوب في جميع الأوساط العلمية مما قد يشكل خطرا عليه
شكرهم كثيرا و كانت سعادته بالغة بهذا الاهتمام الراقي وقبل أن يودعهم أبدى استعداده التام للتعاون في أي وقت من أجل العلم والتواصل.
أغلق الباب و زفر زفرة  أحرقت فؤاده  وهو يحدث نفسه:
_ قد يكون تأخرنا في الاتصال بالأكوان الأخرى حتى نصلح ما بيننا أولا. ليس من الحكمة أن نصدر مساوءنا للآخرين. متى يسود العدل العالم؟ متى يسود الحب ؟

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

912 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع