كانت أجمل أوقاتها عندما ترتدي ذلك السوار. لم يكن فقط جميلا و ثمينا و أمنية تحققت لكن الأجمل أنه كان تحديا شبه مستحيلا و بفضل الله ثم عزيمتها وصبرها و قوة تحملها استطاعت أن تحقق المستحيل. فكانت عندما تواجهها صعوبات في الحياة تخرج السوار من خزانتها وتنظر إليه فتتولد لديها قوة روحية خارقة تشحن عزيمتها فتظل متقدة لا تفتر حتى تتخطى كل الصعاب وتتغلب على كل المعوقات حتى تحملها رياح الانتصار لآفاق أبعد و أرحب.
تزوجت بعد تخرجها من الجامعة و كانت حياتها الجديدة جميلة و سعيدة انتظرت منذ بدايتها تحقيق حلم الأمومة الجميل. كانت تنظر إلى نفسها في المرآه: لازِلت رشيقة و جميلة لكن سأكون أجمل إن انتفخت بطني وزاد وزني عندما أحمل في أول مولود لي. كم سأكون جميلة وأنا أمسك بيد طفلتي الصغيرة وأذهب بها إلى محلات بيع ملابس الأطفال. ستكون لاعبة جمباز مميزة إن شاء الله. سينير السوار يدها عندما تكبر. أيقظها رنين جرس الباب من الحلم الجميل. تحسست بطنها وخصرها بابتسامة أمل وتفاؤل وذهبت لتفتح الباب لاستقبال زوجها. فهو معاد عودته من العمل. عاشت أجمل أيامها تعد لليوم الذي تستقبل فيه طفلها الأول، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. تأخر الحمل شهورا وسنوات فكانت تخرج السوار من أَسره و تنظر إليه بحسرة و حزن بالغين ومع ذلك لم يفقد السوار تأثيره كلية فكان لايزال يمدها بالأمل. فتدخله علبته وتمسح الدموع من على وجنتيها وتتنفس بعمق داعية الله أن يحقق حلمها.
كانت زيارات الأم دائما داعما و محفزا لها على مزيد من الصبر والأمل واليقين في كرم الله. لكن هذه الزيارة كانت مختلفة عن سابقاتها فما تحدثت الأم فيه معها كان أمرا غير متوقع. طلبت منها أن تهدي السوار إلى ابنة أختها ما دامت لم ترزق هي بأطفال. انهار الأمل فجأة و خيمت ظلال اليأس الكئيبة على سمائها في لحظات. لم تصدق ما قالته الأم. فمعنى طلبها أن تفقد الأمل نهائيا في الإنجاب. وكيف تطلب منها هذا وقد كانت شاهدة على معاناة وحرمان استمرا سنوات حرمت نفسها من كل شيء حتى الحلوى التي لا غنى لأي طفلة عنها. فلو لم تنجب ستحتفظ به كدليل على قوتها و عزيمتها. كيف نسيت أمي نصائحها لأختي التي تكبرني بخمس سنوات لتتوقف عن التبذير حتى أنها كانت تنفق راتبها الشهري بعد التخرج في أشياء تافهة ولم تتدخر جنيها واحدا. كانت تطالبها بالاقتداء بي انا الأخت الأصغر. والآن تريد أن تأخذ سنين طفولتي من أجل من لم تحرم نفسها يوما في الطفولة أوالشباب. كيف تطلب أن أهدي معاناتي و حرماني لمن أنفقت كل ما تملك على نفسها ولم تهدي أحدا أي شيئ.
قالت والدموع في عينيها لازال عندي أمل في الإنجاب يا أمي فلا تحرميني من ماضييَّ و مستقبلي.
مر عام آخر وتكرر طلب الأم بايعاز من الأخت الكبرى. وكان الطلب يتكرر كل عام باصرار غريب حتى انهارت ذات يوم وانفجرت في البكاء و هي تقول: حرام عليكم اتركوني و شأني لم أطلب من أحد شيئا. اتركوا لي الأمل.لم الاصرار على هذا السوار فلتشتروا ألف سوار غيره لكن هذا لي. لن اهديه لأحد إلا ابنتي أو أموت وترثوه من بعدي. ماذا لو أن إرادة الله منحتني الابنة التي أريدها؟ هل ستعيدون لي السوار حينها؟
تعجبت من رد الأم عندما قالت: إن حدث ذلك ستعيده لك أختك بالطبع.
لم تشعر الا وهي تلقي بالسوار في حجر الأم وتبكي بحرقة. لم تهتم لتربيتات الأم على كتفها حتى عندما احتضنتها كانت في عالم آخر وسنوات طفولتها تمر أمام عينيها ولحظتان تكررتا في مخيلتها كثيرا فانهمرت منها أنهار من الدموع. لحظة حين سمعت سعر السوار لأول مرة و الأخرى حين خرجت من المحل وهي ترتديه. والآن ضاع كل شيء. لم تلحظ أن الأم غادرت وحضر الزوج وهي نائمة مكانها ودموعها جافة على وجنتيها. بكت كثيرا في حضنه ولم تقل شيئا ولم تجب على أي سؤال.
لم يمر على هذا الحدث بضعة أشهر حتى عوضها الله بحمل طالما تمنته و سألت الله كثيرا في جوف الليل أن ينعم عليها به.لم تصدق نفسها أن حدث ذلك بدون أي تدخلات بل تم بفضل وكرم من الله. رزقت بالإبنة التي تمنتها ولم تفقد الأمل يوما في قدومها.
خرجت معها وهي تمسك يدها واشترت لها الملابس من محلات الأطفال. فضَّلت الصغيرة فن الباليه عن رياضة الجمباز وكانت أمها في غاية السعادة والصغيرة تكبر وتتكون شخصيتها وتتشكل ميولها لكن لم يكن هناك السوار لتهديه إليها. فقد انتظرت أن تفي أختها بوعدها وتعيد السوار، لكن لم يحدث ذلك وهي لم تستطع أن تطلبه منها إلا عندما علمت أن ابنتها ستبيع كل مصوغاتها لتجدد شقتها وتنتقل إلى شقة أكبر.
قالت لأختها لا تبيعوا السوار و سأشتريه منكم فكان رد الأخت محبطا حين قالت لها: الآن هو يساوي أكثر من ثلاثين ألف جنيه. قالت لها لا يهم سأشتريه فكان الرد صادما أكثر عندما قالت لها لكنها لن تبيعه.
سوف تهديه لابنتها التي رزقت بها مؤخرا.
و اختفى السوار إلى الأبد ولا تعلم إن كان تم بيعه أم لايزال في حوزة ابنة أختها. فكلا الأمرين بالنسبة لها سواء.
تمت