هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • بونبونايه بدون الكتاب
  • ظاهرة القبلات بين الرجال و النساء!
  • أمي القوية
  • ذكرينــي
  • شكرا لسيدنا يوسف
  • المهر كان غالي 
  • نختلف، ولا نحتد
  • قماصين وقماصات
  • بين العمل والنتائج،، مقال
  • ما بال هذا الهيام..
  • مَواسم الفُراق
  • التسويق في مصر بعافية ١
  • حسان و السمان
  • تداعيات إشكالية
  • عندما يكون الإسهال عرضا جانبيا لدواء ..
  • كتابي السِفر
  • لغة البتاع
  • وطأت قدم
  • أتدري أنها فانية؟!
  • كلمتي الختامية من ندوة مناقشة رواية حيوات الكائن الأخير في مختبر السرديات 
  1. الرئيسية
  2. مدونة جهاد غازي
  3. بلا هوية
  • المشاركة في المسابقات:
  • الجوائز: حاصل علي المركز الثامن - جائزة الجمهور الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024, حاصل علي المركز الأول - جائزة لجنة التحكيم الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024, حاصل علي المركز الرابع - جائزة المنصة الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024

لماذا يظنون أنه كان خيرًا لي أنني مت ولم أعرف ما يدور حولي؟! هم جاهلون جدًّا، فأنا كنت مدركةً لكل ما يحصل، كنت جنينًا عاديًّا سعيدًا ودافئًا داخل رحم أمي، إن جعت أهدأ وتسكن حركتي فتشعر بي وتذهب لتناول الطعام من فورها، وحالما أسمع صوتها أشعر بالسعادة فأتراقص داخل رحابة دفئها الغامر، رغم ضيق المكان إلا أن دفأه كان يسعدني، ويشعرني كم أنا محبوبة، كانت أمي مرحة على الدوام، تحب الشكولاتة وأنا أحبها، حينما تضحك كنت أتراقص على لحن ضحكاتها، كم كنت أشعر أنني محبوبة وهي تحضر الأشياء لولادتي، سعادتها بكل قطعةٍ تشتريها لأجلي كانت تغمرني بشعورٍ مذهلٍ، كنت أسمعها وهي تداعب أخوتي بحنانٍ وأتمنى أن أكبر وأولد سريعًا؛ لكي أرى وجهها، كنت أتخيل كل يومٍ كم سأكون سعيدةً داخل ذراعيها وهي تضمني إلى صدرها وتهدهدني بصوتها الجميل وأنا أطالع ملامحها، كانت أحيانًا تقرأ لي آيات من القرآن عندما تشعر أنني أشعر بالضيق من كثرة حركتي، فأهدأ من فوري، وأحيانًا أخرى تحادثني وكأنني أمامها وتقصّ عليّ القصص، كانت ساعات الليل هي أجمل الأوقات بالنسبة لي، وخاصةً حينما أغفو على صوت نبضات خافق أمي.

ولكن ما بين ليلةٍ وضحاها انقلب عالمي رأسًا على عقب، صحوت من غفوتي على صوت انفجارٍ مرعبٍ، لم أكن أعرف ماذا تعني كلمة انفجار، ولكنني سمعت والدتي تصرخ وتئن من الألم، شعرت بدمائها تغلي وتفور غضبًا وخوفًا، كانت تركض في كل اتجاه وهي ناسيةً أنها تحملني بين أحشائها وأن عليها أن تخفف سرعتها لأجلي، شعرت بالغثيان وأنا أتقافز داخلها، كنت أسمع صوتها وهي تنادي: ليال! أين أنت؟ محمد هل أنت بخير؟ وسمعت صوت طقطقاتٍ عاليةً وصريرًا مزعجًا جعل قلبي يخفق بقوةٍ، وسمعتها وهي تدعو: يا الله ليس لدي سواهما، لا تختبرني بهما يا الله، كانت تزيح الرمال والحجارة بيديها العاريتين محاولةً انتشال ما تبقى من أشلاء عائلتي من تحت الأنقاض، لم تستطع الاحتمال أكثر وسقطت مغشيًّا عليها، رفست كثيرًا محاولةً إيقاظها ولكنها لم تصحُ، فجأة شعرت بالدوار، أحدهم رفع جسد أمي عن الأرض، صرخات بصوتٍ غير مألوف تناهت إلى سمعي: لسا فيها نفس، ودوها عالمستشفى بسرعة، هات الكارة يا ولد هي حامل ديروا بالكم شوي شوي عليها.

غبت عن الوعي بعدها ولم أسمع ما حصل، بمرور الوقت أخذ حزن أمي يتسرب إليّ عبر دمائها، أصبحت وجباتنا أقل فأقل، لم أستطع الاعتراض، أصبحت أنام كثيرًا ولم تعد أمي تهتم، أو ربما هي لم تكن تجد ما يقيم أودها أصلًا، وإن تناولت شيئًا كنت بالكاد أتحرك لأخبرها أنني ما زلت صامدةً مثلها، مرّ شهر وشهر، ما زلت صغيرة الحجم كما أنا ولكن حان موعد ولادتي، والدتي كانت قد فقدت قوتها من قلة الطعام، لم تستطع دفعي للخارج، في المشفى لا يتوفر أيّ نوعٍ من المخدر، حاولوا إخراجي بعمليةٍ قيصريةٍ، شقوا بطن أمي وهي لا تزال واعيةً، فهم لا يملكون من أمرهم شيئًا، بجميع الأحوال هي ستموت إن لم أولد، وإن قاموا بالعملية ربما ستنجو وأنا أيضًا، كان عليهم المجازفة وفعلوها، علت صرخاتها حتى ملأت فضاء المكان وصمّت سمعي، كنت أتمنى لو أنني لم أكن موجودة لكي لا أعذبها، ليتني لم أخلق أصلًا.

بدلًا من أن أولد وأستقبل بالاحتفالات والزغاريد، ويغمرني دفء حضن أمي، أخرجوني ليستقبلني الموت بابتسامةٍ فاتحًا ذراعيه المتجمدتين على أقصاهما، احتضنني ورحل، دثروني بمنديلٍ ورقيٍ كبيرٍ لم يكن يدفئني، تركوني داخل خيمةٍ فارغةٍ، جمدني البرد، شعرت بالخوف والوحدة، بعد عدّة ساعاتٍ سمعت صوت خطواتٍ مثقلةٍ، ظننت أن وحدتي انتهت وأنني سأشعر بدفء حضن أحدهم، وسيأتي شخصٌ ما لكي يسأل عني، ويمنحني ضمةً أخيرة قبل أن يودعونني التراب، لكن الأجساد التي توافدت إلى الخيمة أجسادٌ غادرتها أرواح أصحابها، تكدسنا فوق بعضنا البعض، ولكن لم أشعر بالدفء، فجميعها أجسادٌ اجتاحتها برودة الموت القارسة، لم تكن بدفء جسد أمي، لماذا أخرجوني لهذا العالم الظالم؟ كان عليهم تركي داخل شرنقتي دافئةً آمنةً، ها أنا قد ولدت كما أرادوا ومتُّ ودفنت بلا هوية، ودون أن يطالب بي أحد، رحلت وحيدةً كما جئت وحيدةً.

  • تم اجراء التدقيق اللغوي لهذا العمل بواسطة : عبد الرحمن محمد عبد الصبور محمد
التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1055 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع