تقابل شخصا ما ... تتحدث معه و يحدثك ... يقول لك كلاما و تقول له كلمات .... ثم تقطب حاجبيك بعدم الرضا او الفهم او كلاهما .... ثم تمضي في حال سبيلك و نفسك تمتم معك "يا لهذا الشخص من شخص عديم المنطق!!! ... انه علي خطأ بالتأكيد "... و تمضي سعيدا باستنتاجك العبقري
في الحقيقه ... انت في حاجة الي حكم- كحكم كرة اليد- ليضبط من منكما دخل منطقة المنطق و من منكما لم يدخلها ... من منكما كان مسحوذا علي كرة المنطق ؟... و من كان عديمه ؟...
تتشابه الجماجم و مقاييس رسم الانسان ... الا ان لكل جمجمةٍ منطقها .... و كل جمجمه تنظر الي اخري علي انها اقل منها في المنطق و الفهم ... للاسف
و من تلك الجماجم جمجتي العزيزه ... و التي اتجاذب معها اطراف حوارٍ و صراعٍ دائمين... فقديما في قاعات الدرس عندما استمع لشئ "غير منطقي" لأول وهله ... تتأهب الجمجمه و تتحفز لافتراس ذلك الاستاذ الذي يهذي!! .... و مع مرور الوقت و لحسن الحظ ... يبدأ الاستاذ في قشع الغيوم و ايضاح الصوره ... فتبدأ جمجمتي في "اكتشاف" جزرٍ جديدة من المنطق لم تطأها من قبل... و مع كثرة الجزر و مسيره الاستكشافات اصبح منطق المنطق هو المسيطر علي هذه الجمجمه ... ..
بعد مرور سنوات و سنوات من تلك الاستكشافات في جزر المنطق .... اصيبت جمجمتي بحاله من النفور من كل ما يدور ... بعيدا عن فلك المنطق .. و اصبحت اتأزم بشده عندما اري محدثي و كأنه لا يري بوضوح او ان تلافيف مخه قد تلاشت فاصبحت ملساء ... و اصبح بدوره عديم الفهم ... عديم النظر
عندما ادخل نقاش ما حول قضيه ما ... و انا اثق ان مركز القضيه و محور النقاش هو تلك النقطه و التي اراها بوضوح و من المفترض انها واضحه كوكب المشتري ... و اذا بالطرف الآخر من النقاش يدور حول النقطه و لا يقترب منها و كأنهما الارض و الشمس في فلكيهما !!!!...
يا اخي ... يا صديقي ... يا زميلي ...يا من تناقشني .... لماذا تلف ؟ .... لماذا تدور؟ ... لماذا تبتعد عن مركز النقاش و محور القضيه .... انها امامك ... علي بعد خطوات ... في طريق مستقيم ... فلماذا تفضل الدوائر ... و تبتعد اميال ؟!!!!
من حظي الجميل او العاثر ... ان وظيفتي اتاحت لي مساحة تعامل مع مختلف انواع الجماجم ... و التي تحمل منطقا و التي تحمل هباءا منثورا .... "فتدربت جيدا" علي ارغام محدثي ان يضطر ان يسير في خط مستقيم نحو محور النقاش ... و ان ينظر مباشرةً الي مركز القضيه
بعض الحالات تكون مستعصيه ... و تأبي ان تسير في الخط المستقيم و تفضل عليها دوائر الافلاك ... و اميال الدوران .... هذه الحالات دربتني جيدا علي "الصبر" المحدود و محاولة ايجاد سبل جديده لانارة طريق المنطق لهم ... فمرة انجح و مراات افشل
لماذا لم تحضر الي عملك اليوم يا اخي و لم تستأذن في الغياب ؟ .... فيرد عليك انه كان في المكان الفلاني ؟ .... فتكرر عليه السؤال : لماذا لم تستأذن ؟ .... فيرد بنفس الاجابه : كنت في المشوار الفلاني !!!
و لا علاقه بين السؤال و الاجابه .... فالسائل يتسائل عن سبب عدم الاستأذان و المجيب يبرر الغياب و لم يعطي اجابه لسبب عدم الاسئذان ..
يتطور الموقف .. و يعاقب مدير العمل ذلك الغائب ... و المشكله تكمن في ان ذلك الشخص الذي غاب عن عمله و لم يستأذن يخرج من باب مكتب مديره متهما اياه بالظلم و عدم المنطق :D و يكون مقتنعا انه علي حق ... و هذه هي الكارثه
الكارثه اننا نظن اننا علي حق ... و اننا محقون ... و اننا في ركب الحق سائرون ... و الحقيقه اننا لسنا من الحق في شئ ... لان عقولنا و منطقنا الفاسد ... افسد علينا تفكيرنا و اوقفنا عند حد عدم الاستيعاب و عدم تقدير الموقف بالمنطق ...
فلنترك الفلسفه و لنذهب الي حديقة الدعاء و لنتقط منها زهرة من بستان المنطق ... :)
من دعاء رسولنا الكريم صلوات الله و سلامه عليه " اللهم ارنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه ... و ارنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه "
انه دعاء بديع .... يحمل فلسفةً منطقيةً جباره ... دعونا نستكشفها :
اللهم ارنا الحق حقا ... يعني ببساطه هو دعاء لله ان يجعلك تري الحق حقا و لا تراه باطلا بمعني انك يمكن ان تري العمل السليم عملا خاطئا و العكس ... لهذا فمقطع الدعاء "اللهم ارنا الحق حقا" هو مقطع بديع لانه من يمنحه الله القدره علي تمييز الحق و رؤيته علي انه حق و تمييز الباطل و رؤيته علي انه باطل فقد نال قسطا كبيرا من الحكمه ... و يؤتي الحكمة مي يشاء
"و ارزقنا اتباعه" ... هنا في المقطع التالي البديع نري ان بعد ان تطلب من الله ان يجعلك ذا حكمة و قادرا علي رؤية الحق حقا و الباطل باطلا ... فانك تطلب ان تتبع ذلك الحق و هذا رزق من الله ....
و علي نفس المنطق ... يأتي تفسير بقية الدعاء " و ارنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه " ...
من عيوب جمجمتي - الخطيره - انها ما ان تتأكد و تؤمن و تركن الي أن ذلك الشخص الذي يتحدث من فصيلة اللفافين و الدوارين ... تبدأ بالتعامل معه -بشئ لا ارادي - علي انه "طفل" ... و الطفل مسموح له ان يكون قليل الذكاء ... قليل الفهم ... عديم المنطق ... مع الاعتذار للاطفال
في هذه اللحظه الفارقه التي تصنف فيها جمجمتي ... شخصا ما علي انه طفل .... تبدأ حاله تلقائيه من التعامل الفوقي بين ناضج و طفل ... فيبدأ الشخص باستقبال الاشارات الجديده علي انها اشارات اهانه ... و اشارات اثبات الغباء ... فتبدأ فواصل اخري من النزاعات يسودها ايضا منطق عدم المنطق او بالاحري منطق الاطفال ...
و الحقيقه ان جمجمتي لا تقصد ابدا و لم يت تكليفها ابدا ابدا من مركز العقل لديّ ان توجه اشارات بمعاني الغباء و عدم الاستيعاب او الاستخفاف ... و لكنها - رغماً عنها - تعدل طريقة تعاملها مع الوضع الجديد للطفل الجديد فيفسر "الطفل" تغيير الوضع و تغيير المعامله و تغير الاسلوب بانها اشارات تحمل معاني الاستخفاف ... و هو و الله لشئ غير مقصود ... لكنه يحدث للاسف
تسألني ... الا يمكن ان تواجه مصيرا معكوسا ... و ينظر اليك شخصا ما علي انك طفل ؟... لانك - طبعا- لم تؤتي الحكمه جميعها فمن المؤكد ان جمجتك ستخرج عن نطاق المنطق كثيرا شئت ام ابيت ...
اجيبك بنعم ....... فكثيرا جدا جدا ... اري نفسي طفلا امام شخص ما ... و استقبل اشاراتٍ تدل علي ان محدثي بدأ يصنفني بين الاطفال ... و اوقن اني في نظره الآن احد الاغبياء عديمي المنطق ...
نعم يحدث هذا كثيرا ... و كان ذلك يصيب جمجمتي بحالة من التعصب الاعمي و محاولة الدفاع بلا منطق ... فيزيد تصنيفي كطفلٍ تعمقا و ثباتا .... و مع مرور التجارب و مع كثرة الاشارات ... و عدم خروجي من خانة الاطفال لفترات تطول ... بدأت استجيب الي نداء المنطق الذي يأمرني بان اقاوم تصنيفي كطفل بان "أكبر" و انضج فكريا و اجبر من وضعني في حضانة الاطفال .... ان يعيدني الي قاعة الرجال .... في كلية المنطق
" اللهم ارنا الحق حقا و ارزقنا اتباعه ... و ارنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه "
الله ما آ مين ...
The absence of logic... and the logic of absence