منى إليك..أيُها الغائب الحاضر فى روحى وتفاصيلى..عندما تقرأ هذه الرسالة سأكونُ قد غادرتُ هذا العالم..كُنتَ ولازلتَ النبتةَ الخضراء الصغيرة التى أهدتنى إياها الحياة..وغرستُها فى نفسى لكى تُزهر وتُلون الكون ولكنها وللأسف ذَبُلت قبل أن تُزهر ولم يبقى من أثرِها سوى الجذور التى حاولتُ وبإستماته أن أُحافظ عليها مدفونةً فى داخلى..ولكننى لم أستطع..لقد نَفِدَت كُلُ قُوتى؛ولذلك اخترتُ الرحيل..اخترتُ الرحيل وأنا أحمل بقايا نبتتِكَ بداخلى...أعلم أنك ستُعاتبَنى وتلوُمَنى على ضعفى وإستسلامى ولكننى لم أقدر،لم أستطع!!أن أحمى نفسى فى هذه الدنيا،لم أستطع أن أحفظ القيم فى صُندوُقٍ محكم الغلق فى سردابِ أعماقى..جعلتنى هذه الدنيا الكاذبة والموحشة والمُخيفة أتخلى عن كُلِ شئ حتى البراءة...لاأعلم من تخلى فينا عن الأخر ولكننى لم أراها ولم أسمع عنها منذ زمن حتى أننى لم أعد أعرفها مُنذُ عَلمتُ عن أشياءٍ لم يكن يجب أن أعرفها..شوهت كُل معلمٍ جمالىٍ داخلى وقتلت الطفولة فى نفسى حد النخاع بل طمستها ومحتها..لذلك لا تلومنى لأننى قررتُ الرحيل..أُرسل لكَ سلامى ومحبتى إلى أن نلتقى فى عالمٍ أفضل حيثُ لا غش ولا نفاق ولا خداع ولا كذب ولا ألم ولا خيانة ولا نقد للعهود...عالمٌ حيثُ لا وقت ولا زمان...عالمٌ حيثُ الورودَ والألوان..عالمٌ حيثُ المكان ليس كالمكان..عالمٌ حيثُ لا وجودَ للأحزان..عالمٌ حيثُ لا حدودَ بيننا سوى أجسادنا..عالمٌ حيثُ تتعانقُ فيهِ أرواحنا...عالمٌ حيثُ الكلامُ فيهِ لا يشبه الكلام..عالمٌ حيثُ الخيال والأحلام..عالمٌ حيثُ التصورُ فيهِ لا يكفى لوصفِه..عالمٌ حيثُ تحدثُ المعجزات..عالمٌ حيثُ أنا وأنت تجمعُنا الجنة.......