قديمًا تحديدًا في صِغري كُنتُ أُفضّلُ الصيف على الشتاء، رُّبما لكثرةِ تناولِ المُثلّجات إذ أنَّهُ الفصل الرسمي للمُثلّجات والعصائر المُثلّجة، أو رُّبما للاستحمامِ بالماءِ البارد، أو رُّبما لسطوعِ الشَّمس الشديد عن غيرهِ مِن فصول السنة لرُّبما.
حديثًا وبعد مرورِ الأعوام وظاهرة الاحتباس الحراري وما سبّبَهُ مِن ارتفاعِ درجة الحرارة أصبحتُ أُفضّلُ الشتاء على الصيفِ؛ لتناولي مشروب الكاكاو الساخن اللذيذ، والذي يُساعد على صفاء الذهن، وهدوء الأعصاب، ويزيد من التركيز، كذلك لا أنسى مشروب الشتاء الرسمي الحلبة _خصوصًا إن كانت حَصى_ ذلك المشروب الذي يَمُدّ الجسم بالطاقة اللازمة لتدفئتهِ وجعل الدّم يتدفق في أواصله.
كما أنَّ أجواء الشتاء لها طابعٌ خاصّ؛ إذ تتميّز بالدفء والهدوء، وبعض الأكلات الخاصّة كالبليلة باللبن، وحُمّص الشام (الحلبسة).. أذكُرُ حينَ كُنتُ طفلةً وقبل توافر الموقد الغازي، كانت الشتاء لا تمضي إلَّا وقد خبزنا عِدّة خبزات من عيش الذرة (البتاو)، ولذلك اليوم ذِكرى خاصّة؛ إذ كانت نساء العائلة يجتمعنَّ ببيتٍ واحدٍ لمُساعدةِ مَن تخبز منهنَّ، كما كانَ أطفال العائلة يلهون ويمرحون معًا طيلة اليوم، وكانَ الفرح والسرور والضحك هو السائد، كما كانوا يُعِدّونَ ذلك اليوم عيدًا بالنسبةِ لهم ولسائرِ العائلة.
لم يَكُن يومًا بالحُسبانِ أن نُعاني الحرَّ كما نُعانيهِ الآن، ولكنَّهُ حَدَثَ فماذا نَحنُ فاعلون؟
حينَ نذكُر الاحتباس الحراري فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الأسباب التي أدّتْ إلى الاحتباس الحراري؟
هُناكَ أسباب عِدّة ساعدتْ على ظهورهِ أذكُرُ منها: توليد الطاقة؛ حيثُ يتم توليد الكهرُباء والحرارة عن طريقِ حرقِ الوقود الأحفوري، مِثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، ممّا يُسبب جزءً كبيرًا من الانبعاثات العالمية والتي تؤدي بطبيعةِ الحال إلى الاحتباس الحراري عن طريق حَبس حرارة الشَّمس وبالتالي تَغيُر المناخ.
كذلك قطع الغابات من الأسباب المؤدية إلى الاحتباس الحراري؛ لأنَ الأشجار تطلق الكربون المُخزّن بعد قطعها، ونظراً لأنَّ الغابات تمتص ثاني أُكسيد الكربون، فإنَّ إتلافها يحدّ أيضاً من قدرة الطبيعة على حمايةِ الغُلاف الجوي من الانبعاثات.
ما أجمل الماء البارد على الظمأ هذهِ الأيَّام، كُلّما ارتفعتْ درجة الحرارة كُلّما احتاجَ الجسد إلى ما يُرطبه من الداخلِ والخارج؛ من الخارج كوضعِ الماء البارد بحوضِ الاستحمام والجلوس بهِ بعض الوقت، أمَّا من الداخلِ فيتم ذلك عن طريقِ تناول العصائر الطبيعية المُبرّدة، والفاكهة التي تحتوي على كمياتٍ كبيرة من الماء مِثل البطّيخ؛ حيثُ يحتوي البطّيخ الأحمر على ما بينَ 90 و95% من الماء، وهو يُساعد على إبقاء الجسم مرتوياً في درجات الحرارة المُرتفعة خلال فصل الصيف؛ ولهذا السبب كانَ الكشّافة قديماً يأخذونهُ معهم بدلاً من قواريرِ المياه.
كما يحتوي البطّيخ على فيتاميناتٍ عديدة مِثل فيتامين ك، والنياسين، والثيامين، وفيتامين ب 12، وحِمض البانتوثنيك، كذلك يحتوي على المعادن الأُخرى كالمغنيسيوم، والمنجنيز، والبوتاسيوم، والفسفور، والزنك، والفلورايد، والسلينيوم، وهو خالٍ من الصوديومِ تقريبًا.
أحببتُ البطّيخَ كثيراً درجةَ أنّي لم أكتفي بتناولهِ وحسبْ، بل جعلتُ أقرأ عنهُ حتّى توصلتُ لنظريتهِ المُميّزة وهي أنَّ الأصل في البطّيخ أنَّهُ فاكهة كما هو معلوم، في حين أنَّ بعض خُبراء الزراعة قالوا بأنَّهُ ينتمي للخضراوات، وبينَ هذا وذاك جاء الرد الوسط وهو أنَّ البطّيخ فاكهة نباتية؛ إذ تتم زراعته بنفس طُرق زراعة الخضروات، وهذا يجعلهُ يقع في منطقةٍ رمادية بينَ الفواكه والخضروات!
ومن نظرية البطّيخ نستنتج أنَّ سبب حُبِّ النّاس لكَ يأتي من اِنشغالك بحالك لا بأحوالهم، فالبطّيخ يؤدي عمله ولا ينظر لغيره، أيضاً كُن واثقاً بنفسكَ يَثق بك غيرُكَ من النَّاسِ، حينَ وثقَ البطّيخ بنفسهِ دونَ النظرِ إلى أي نوعٍ ينتمي أحبّهُ الجميع دونَ تحيُّزٍ لنوعٍ بعينه.
وأخيرًا ضع نصب عينيكَ أنَّ تجعلَ عملكَ هو الذي يتحدّث عنكَ كالبطّيخِ يتحدّثونَ عن تأثيرهِ على الجسد وعمله في تلطيف درجة حرارتهِ واِبقائهِ رطبًا دونَ أن يُحدّثَ هو بذلك (أعلمُ أنَّ البطّيخ لن يتحدّث لعدم اِمتلاكهِ أداة الحديث ألا وهي اللسان لكنَّني ذكرتُ ذلك من بابِ المجاز).
كما أرى أنَّ بعض الدول قد اِستخدمتْ نظرية البطّيخ في مجالِ أمنِها القومي كالمُخابرات؛ فحينَ تقوم دولةٌ ما بزرعِ جاسوسٍ لها في أرضِ العدو تستخدم حِيلة التجنيس، كأنْ تُصدر لهُ اسماً جديداً مُناسباً لتلك البلد التي سيتجسس عليها، مع وضعِ بعض العلامات التي تدُل بالضرورة على أنَّهُ من أبنائها، حينها يتحوّل ذلك الشخص من شخصٍ عادي إلى شخصٍ بطّيخي أصيل؛ حيثُ يكون في أرض العدو عدواً لبلدهِ فتراهُ مُنهالاً عليها سبًّا وطعنًا وقذفًا، أمَّا في أرضهِ هو يكون ذلك الشخص الناقم والمُتعطش لسفكِ الدِماء لا سيّما وإن كانت رَّوحه هي الوسيلة لتحقيقِ ذلك.. والبطّيخ حينَ يكون بحضرةِ الخضراوات يتعامل كالخضراوات لا أكثر ولا أقل، وحينَ يكون بحضرةِ الفاكهة يتعامل كفاكهةٍ لا أكثر ولا أقل.. وفي الحالتينِ هو ذاته الموصوف بقولِ البائع: "حَمَار وحَلَاَ وع السكين يا بطّيخ".