قصّة قصيرة
-----
فتحت عيناها بصعوبةٍ لتَرى نفسها مُستلقية على الرمال، تحت أشَّعة الشَّمس الصباحية، حولها جَمعٌ غفير من الفتيانِ والفتيات، هُم يعرفونها جيّدًا لكنَّها لا تعرفهم!
نهضتْ فإذ بها ترتدي لباسها الخاصّ بالخروج، نفضتْ عنها الغُبار، وخطتْ بعض الخطوات لتُفاجأ بأنَّها على شاطئ البحر، أغراها مَشهدهُ الأخَّاذ لكنَّ شيئًا ما أخافها، تراجعتْ وأخذتْ تسأل مَن حولها لكنَّ أحدًا لم يُجبها.
أخذتْ حقيبة سفرها التي كانتْ بجوارها حالَ اِفاقتها، وهَمّتْ عائدة إلى البيت، لكنْ لا يوجد مَخرج، فكُلَّما سَلَكَتْ طريقًا أودى بِها لداخلِ المكان لا خارجه، كما أنَّ البحرَ يُحيط بِها من جميعِ الإتجاهات.. إذًا كيفَ السبيلُ إلى الخروج؟
اِقتربتْ من إحداهُنَّ لتسألها عن ماهيةِ هذا المكان، فأخذتْ تضحك وذهبتْ، سألتْ أحدهم ففعلَ كما فَعَلتْ تلك الفتاة، تقدّمتْ من مجموعة لا تدري إنْ كانوا فتيان أم فتيات!
فظاهرهم مُتشابهٌ إلى حَدٍّ كبير، ألقتْ عليهم السلام فلم يُجيبوا، عادتْ لحقيبتها التي تركتها من لحظاتٍ فلم تَجدْها، سألتْ مَن كانوا قريبينَ منها فأخذوا يضحكون، تركتهم وراحتْ تبحث عنها حتّى وصلتْ لحافّةِ البحر، ليُعطيها أحدهم حقيبتهُ كَأمانةٍ تحفظها لهُ إلى أنْ يأتي ويأخذها بعد دقائق.
جلستْ على الشاطئ ومعها الحقيبة، أغراها موج البحر فشردَ ذهنها لثوانٍ فلم تَجدْ الأمانة، أخذتْ تبحث عنها ولكنْ لا أثرَ لها، أتى صاحب الأمانةَ ليوبّخها وذهب.
أخذتْ تبكي على ما هي فيه، فلا هذا المكان مكانها، ولا هؤلاءِ النَّاس يُشبهونها، حتّى المَخرج لم تَجده، نَظَرَتْ إلى السماءِ ورفعتْ أكُفَّ الضراعة للَّهِ ربّ العالمين، لحظاتٍ وجاءها شابٌّ وسيم ليُلهيها عن تضرعها، لكنَّها لم تنتبه له، وأخذتْ تُناجي رَبّها بأسمائهِ الحُسنى، فتحوّل صوت الشابّ إلى ضوضاءَ مُخيفة، نَظَرَتْ إليهِ فإذ بشبحٍ مُرعب قد تمثّلَ لها.
هرولتْ من أمامهِ فوجدتهُ أمامها، وقفتْ مكانها لتَسألهُ ماذا يُريد؟
ليُجيبها بغرور: لم أنتظركِ حتّى تأتي وتسأليني، فما أُريدهُ آخُذهُ متى أردته، وأنظري حولكِ لتَري بأُمِّ عينكِ ما أخذته، حوّلتْ بصرها ثُمَّ أضافتْ: لم أرى سوى أبناءك، أليسوا كذلك؟
سَخِرَ منها قبلَ أنْ يُردف: ومَن أنتِ حتّى أُريكِ أبنائي؟
هؤلاءِ بشرٌ مِثلكِ، لكنَّهم ليسوا مِثلكِ، فقد اِختفتْ أشياءهم ولم يبحثوا عنها، غيركِ أنتِ نوال، فأنتِ تبحثينَ عن حقيبةٍ مُجرد حقيبة اِختفتْ منك، أمَّا هُم فقد اِختفى منهم ما هو أعظم وأثمن.
أخذتْ نوال تُفكّر لكنَّ تفكيرها لم يُسعِفها، فطلبَ منها أنْ تُدّققَ النظرَ فيهم، فعلتْ فراعها ما هُم فيه، أسرعتْ إليهم لتُخبرهم أنَّ الشَّيطانَ قد فتنهم وسرقَ دينهم، لكنَّهم يتضاحكونَ من حديثها، ويتراقصونَ فيما بينهم، تركتهم وحاولتْ الخروجَ من فَخِّ الشَّيطان لكنَّها لم تُفلِح، خارتْ قواها فخانتها قدماها لتسقط على الأرض، دمعها يذرف دونَ توّقُف، وقلبها يلهج بالدُعاءِ قبلَ لسانها أنْ يحفظَ اللَّهُ دينها ولا يَبتليها فيه.
فتحتْ السماء أبوابها بأمرِ رَبِّها، فهطلَ المطر، تساقطَ المطر على وجهها لتعودَ وضاءتهُ من جديد، نهضتْ لتَرى حقيبتها المُختفية قد ظهرتْ، سارتْ فوجدتَ مَخرجًا، أخذتْ تُهلل وتُكبّر فجاءها الشبح ثانيةً ومعهُ ألوف الأشباح، ليُخيفها لكنَّها ما خافتْ، بل وقفتْ أمامهُ بجسارةِ عبّاس، وأخذتْ تقرأ ما جالَ بخاطرها من آي الذكر الحكيم، فكانتْ آية الكُرسي، اِختفتْ الأشباح في غمضةِ عَين، أخذتْ حقيبتها وأثناء عودتها فُوجئتْ ب.....
نوال، نوااااااااال ابنتي الحبيبة، ما الذي رأيتيهِ في منامكِ جعلكِ تصرخينَ هكذا؟
فاقتْ نوال من نومها، نَظَرَتْ حولها فرأتْ نفسها في غُرفتها، وأُمّها تحتضنها لتُذهبَ عنها الروع، أخبرتْ أُمّها بخبرِ الجزيرة التي تختفي فيها الأشياء.
تعجبتْ الأُمّ من خبرِ تلكَ الجزيرة وعقّبتْ: حتّى الدّين يُسرق إنْ لم يُحفَظ.