هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • بونبونايه بدون الكتاب
  • ظاهرة القبلات بين الرجال و النساء!
  • أمي القوية
  • ذكرينــي
  • شكرا لسيدنا يوسف
  • المهر كان غالي 
  • نختلف، ولا نحتد
  • قماصين وقماصات
  • بين العمل والنتائج،، مقال
  • ما بال هذا الهيام..
  • مَواسم الفُراق
  • التسويق في مصر بعافية ١
  • حسان و السمان
  • تداعيات إشكالية
  • عندما يكون الإسهال عرضا جانبيا لدواء ..
  • كتابي السِفر
  • لغة البتاع
  • وطأت قدم
  • أتدري أنها فانية؟!
  • كلمتي الختامية من ندوة مناقشة رواية حيوات الكائن الأخير في مختبر السرديات 
  1. الرئيسية
  2. مدونة مريم توركان
  3. قصّة قصيرة (نور شان) 

عاشتْ حياة حياةً سعيدة ببيتِ أبيها، حتّى تقدّمَ لها أشرف رغبًة في الزواجِ منها، ورغم أنَّها رفضتْ قبلهُ الكثيرينَ إلَّا أنَّها وافقتْ عليهِ.

تعجبَ أبيها وإخوتها من موافقتها، لكنَّ أُمّها كانتْ راضية؛ إذ أنَّ أشرفَ يقرُبها من درجةٍ بعيدة، لكنَّهُ يقرُبها! 

أخبرها أخيها الذي يكبرها بعدمِ رغبتهِ في مُصاهرةِ شخصيةٍ كَأشرف، مُتواكل، غير مُجتهد، لا يتوافق معهم فِكريًا واجتماعيًا؛ فهم أغنى وأفضل منهم، لكنَّها أصّرتْ دونَ حتّى أنْ تعرفَ ماهية دافع إصرارها، ولأجلها نزلتْ أخيها عن رغبتهِ وباركَ زواجها على مَضضٍ. 

مَرّتْ الأيَّام وحملتْ حياة بطفلتها الأُولى، أسمتها باسمٍ أعجميٍ أعجبها حينَ سمعتهُ من إحداهُنَّ، سألتها عن معناه، فأجابتها بأنَّ معناهُ هو إشراق الهداية. 

ظَلّتْ تُكافحُ مع زوجها المُتواكل حتّى أنجبتْ طفليها الآخرَين، أحمد ومحمود، لتُصبحَ عائلتها الصغيرة مكوّنة من خمسةِ أفراد، هي وأشرف، ونورشان وعمرو ومُصطفى. 

رضيتْ بشظفِ العَيشِ مع أشرف، وضِيقِ الحال الذي أوهنَ أجساد براعمها الصِغار. 

فتحتْ معهُ أمر السفر خارج البلاد؛ كي يأتي لهم بما يقتاتونَ به، فأبناء إخوتهِ يعملونَ هُناكَ وقد أضحوا من الأغنياء، كما أنَّ إخوتها طِيلة حياتهم يعملونَ هُناكَ لذا لا يحتاجونَ إلى أحد.

رفضَ السفر وأرادَ أنْ يُنجبها أطفال آخرين لكنَّها أبتْ؛ فكيفَ تحملُ بعد أنْ أنجبتْ ثلاثة براعم لا تَقوى على تأسيسهم حتّى بدنيًا، فهُم يأكلون وجبة واحدة طِيلة اليوم، ورُّبما لم يجدوها فذهبوا لبيتِ جدّهم لأُمّهم كي يقتاتوا، بينما هو يأكل ما يحلو لهُ عندَ إخوتهِ ثُمَّ يأتي ليُفرِغَ طاقتهُ بجسدِها وينام، وهكذا يَفنى العُمر. 

كانتْ تستعير من جاراتها بعض الأعشاب، لتقومَ بغليها ومن ثَمَّ تضع بها بعض كُسر الخُبز، لتُقدّمها لبراعمها كَوجبةٍ تَسُدّ بِها رَمقهم. 

مَرّتْ ثماني سنوات على زواجها، فأضحتْ نورشان ذاتْ ستةِ أعوام، بينما عمرو أربعة أعوام، وأخيرًا مُصطفى عامين، وهُنا بدأتْ تظهر في البيتِ أشياء غريبة؛ إذ كانتْ نورشان تسمعُ صوتًا يُناديها من تحتِ الأرضِ حينَ تذهب للنوم، ظلّتْ هكذا حتّى تطورَ الأمر فأضحى الصوت مسموعًا لدى أخويها اللذَينِ ينامانِ بجوارها، بذاتِ الغُرفة التي ينام بها أبيها وأُمّها. 

لم تُخبر أحدًا لشدّةِ خوفها، لكنَّها كانتْ تخشى الليل وبخاصّةٍ وقت النوم، فذاكَ الصوت كانَ ينتظرها حتّى تأتي لتنام فتسمعهُ يُناديها بهمسٍ يُرجِفُ قلبها الصغير. 

أخبرتْ أُمّها ذاتَ مرّة إلَّا أنَّها لم تهتم، وأمرتها بقراءةِ المُعوذتينِ التي حفّظتها إيَّاهُما سابقًا، فعلتْ ما أمرتها بهِ، لكنَّ الصوتَ لم يختفي، اِعتادتْ عليهِ فلم تَعُد تخشاه. 

تمضي الأيَّام ويكبُر البراعم، بينما أشرف على حالهِ الذي لا يتغيّر، وأخلاقهِ الدنيئة، التي يُخفيها عن النّاس ويُظهرها لحياة وبراعمها. 

ذهبَ الأبناء الثلاثة إلى بيتِ جدّهم ذاتَ نهار، مرحوا بعض الوقت مع جدّتهم ثُمَّ عادوا، طرقوا الباب، فتحتْ لهم حياة، ثُمَّ دلفوا غُرفتهم، والتي هي الغُرفة الوحيدة بالبيتِ الضيّق الذي يعيشون فيه، اِنهالَ عليهم أشرف بالسُبابِ حتّى بَكوا جميعًا، أخذتْ حياة تجبر خاطرهم حتّى رضوا، لكنَّ أشرفَ لم يَرضى إلَّا أنْ يُقبِّلَها أمامهم، بل ويُكملَ ما كانَ يفعلهُ بجسدِها حالَ غيابهم، زجرتهُ حياة ولملمتْ ما شَّقهُ من ثوبها، ثُمَّ أخذتْ براعمها وجلستْ بهم في صالةِ البيت. 

لم تستطع حياة العَيشَ معهُ بعد أنْ ساءتْ أخلاقهُ أو قُلْ ظهر على حقيقته، فلسانه لا ينطق إلَّا بأقبحِ الألفاظ، وحياءهُ معدوم لا وجودَ له، حتّى أنَّهُ كانَ يُحدّثها بأحاديث خاصّة بينَ الرَجُل وامرأته أمامَ ابنتها البالغة من العُمر تسع سنوات، حاولتْ حياة أنْ تمنعهُ عن أفعالهِ الدنيئة، وألفاظهِ البذيئة إلَّا أنَّهُ لم يمتنع، فطلبتْ منهُ الطلاق. 

رفضَ طلاقها وأخذَ ذهبها وباعهُ، ثُمَّ اِشترى بثمنهِ عقدًا للعملِ في إحدى الدول العربية، وسافرَ لترتاحَ من وجودهِ حياة، ويهنأ الأولاد في غيابه، فغيابهِ عن البيت جعلهم يطمئنونَ بعض الشيء. 

كَبُرتْ نورشان وها هي قد أكملتْ عامها الرابع عشر، لتزدان بجمالِ حيائها ونُضجِ أنوثتها، وسمّو أخلاقها، وحُسنِ سيرتها، ونُبلها وشهامتها، ممّا جعلَ أبناء المدينة يتسابقونَ في طلبِ الزواجِ منها، إلَّا أنَّها رفضتْ الزواج؛ خوفًا من أنْ تكونَ تِكرارًا لأُمّها المظلومة من أبيها خالي الرجولة. 

ظلَّ عمرو يجتهد في دراستهِ حتّى اِحتلَّ المركز الأوّل على مُستوى المدينة في الشهادةِ الإبتدائية، بينما مُصطفى حازَ مركزًا مُتقدّمًا في الصفِّ الخامس الإبتدائي، ولم ينسيا التقدُّم في حفظِ القرآن العظيم بجانبِ دراستهما هُم ونورشان. 

رغم مرور بضعة أعوامٍ على سفرِ أشرف إلَّا أنَّهُ لم يأتِ ولو اِجازة، ومع ذلكَ لم يُرسل لها ما يكفيها من النقود، فما يُرسلهُ بالكادِ يكفي دفع الفواتير الشهرية، كَالغاز والكهرُباء والماء، أمَّا الطعام والتعليم والمرض وغيرهِ من الأساسيات، فكانتْ أُمّها تُساعدها فيهِ من معاشِ أبيها _رَحِمَهُ اللَّه_ وبجانبِ هذهِ المصاعب فقد تخلّى إخوة زوجها عن أبناءِ أخيهم، بل وراحوا ليُلّسنوا عليهم؛ فقط لأنَّهم تفوّقوا على أبنائهم في الخُلقِ والأخلاق، والتعليمِ والقرآن الكريم. 

نجحتْ نورشان بتفوّقٍ في الشهادةِ الإعدادية، ودلفتْ الثانويةَ العامّة بمجموعٍ كبير، ممّا أثارَ الغَيرةَ في نفوسِ إخوة أبيها، فراحوا يَدِّسونَ لها الدسائسَ عندَ أبيها الذي حرمها الأُبؤةَ من قبل، حتّى أنَّهُ قد عادَ من سفرهِ الغير مُفيد، ليُنَّغصَ على حياة وأبنائها حياتهم. 

اِتفقَ مع إخوتهِ ليُزوّجو نورشان لشخصٍ لا يُوجد بينها وبينهُ أدنى تكافؤ، فقط ليقطعوا عليها مسيرتها التعليمية، ومُحاولتها في عملِ شيءٍ من شأنهِ أنْ يَرقى بها، بعيدًا عن المُستنقع الذي اِبتلاها اللَّهُ بهِ فكانتْ البيئة التي وُضِعتْ فيها. 

حاولوا وحاولوا وحاولوا، لكنَّ مُحاولاتهم باءتْ بالفشل، فقد تصّدتْ لهم حياة، وكسرتْ شوكتهم، وأفسدتْ عليهم خُططهم. 

زجرَ الإخوة أخيهم أشرف، ممّا جعلهُ يتوّعد حياة وأبنائها، خصوصًا نورشان التي وعدها بأنَّ عامها الدراسي هذا سيكون آخر عهدها بالتعليم، ثُمَّ عادَ إلى حيثُ جاء. 

وصلتْ نورشان للصفِّ الثاني من الثانويةِ العامّة، وهُنا كانَ الإبتلاء؛ حيثُ قامَ أشرف بعملٍ سِّحرٍ يُفقدها صحتها وعافيتها، ومن ثَمَّ لا تَقوى على طلبِ العِلم. 

أصابها السِّحر فأتعبَ جهازها الهضمي حتّى أنَّها لم تَعُد تأكل كما كانتْ سابقًا، ظَلّتْ هكذا حتّى فقدتْ جسدها في وقتٍ وجيز، رأها مُعلّميها فأصابهم الذهول وسألوها عن جسدها المفقود، لكنَّها لم تستطع إجابتهم! 

لم تَكُن تعلم الزهرة أنَّ أباها هو مَن سيتسبب في ذبولها، بل وقطفها من بُستانِ الحياة، حتّى هاتفهم بعد أنْ كادتْ رَّوح نورشان تخرج من جسدها، ليُخبرهم أنَّها قد سُّحِرَتْ وسيتولّى هو فَك سّحرها، فقد تعلّمَ كيفَ يفُك الأسحار من أحدِ شيوخِ الطُرق الصوفية (الضلالية). 

زادَ ألمها بعد ما أخبرهم أشرف، ظَلّتْ تذهب من طبيبٍ إلى طبيبٍ حتّى سئمتْ زيارة الأطبّاء، فكلّهم قد أجمعوا على أنَّها بخيرٍ ولا عِلَّةَ فيها، وهي تُشوَى كَالعجلِ الحنيذِ دونَ أنْ تصدرَ عنها رائحة الشِواء، نعم، تُشوَى بالسِّحرِ الذي أذابَ لحمها أمامَ عينها، تُشوَى بنارٍ لا دُخانَ لها، تُشوَى بلهبٍ لا جمرَ فيه. 

جاهدتْ نورشان حتّى أكملتْ تعليمها الثانوي بأعجوبة، فقد شَهِدَ مُعلّميها وصاحباتها، وزُملائها وكذا العاملينَ بالمدرسة، جميعهم شَهِدَ التغيُّر الذي أصابها، ووزنها المفقود، وضعفها حدَّ الوهن بعد أنْ كانتْ فتيّة قوية، ذَبُلَتْ الزهرة بفِعلِ فاعل، لكنَّ الأمرَ كُلّهُ للَّهِ. 

حاولَ أُمّها وإخوتها وأخوالها مُساعدتها لكنْ دونَ جدوى، فكيفَ سيُساعدونها فيما حَدَثَ لها من غدر، وما فُعِلَ بها من سّحر، وما طالها من أذى دونَ وجهِ حقّ. 

اِقترحَ أحد أخوالها الذهابَ بِها إلى أحدِ الشيوخِ بإحدى القُرى بوسطِ الصعيد، بعد أنْ سَمِعَ عن خِبرتهِ في فَكِّ الأسحار، لكنَّها أبتْ؛ خوفًا على شرفها وطهارتها من أنْ يُدّنسها دّجالٌ من الدجاجلة. 

فوّضتْ أمرها لخالقها، وأقامتْ على قراءةِ القرآن العظيم حتّى أذهبَ اللَّهُ عنها ما كانتْ تَجِدْ. 

تبرأتْ حياة وأبنائها من أشرف أمامَ اللَّه، ثُمَّ أكملوا حياتهم بدونه، بعدما دعوهُ للعودةِ عن طريقِ الشرّ إلَّا أنَّهُ رفض، بينما إخوتهِ يُفاخرونَ بقُدرتهِ على فَكِّ الأسحار، بل ويُدافعونَ عنهُ إنْ نعتهُ أحدهم بالسائرِ على طريقِ الضلال. 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع