أخرج البخاري ومسلم عَنْ السيدة عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أنَّ النَّبِيِّ ﷺ قال: «التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ».
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ السيدة عَائِشَةَ أيضًا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا قِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا وَجِعٌ لَا يَطْعَمُ الطَّعَامَ، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالتَّلْبِينَةِ، فَحَسُّوهُ إِيَّاهَا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَغْسِلُ بَطْنَ أَحَدِكُمْ، كَمَا يَغْسِلُ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ مِنَ الْوَسَخِ». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
والتلبينة: هي طعام كالحساء يُصنع من دقيق الشعير ونخالته.
وسميت بذلك (تلبينة)؛ لأنها تشبه اللبن في بياضها ورقتها.
وقوله (مَجَمَّة) من الإجمام وهو الراحة، بمعنى أنها تُرِيحُ فُؤَاد المريض.
ومعنى الحديث الشريف أنَّ (التلبينة) لها من الأهمية والفوائد ما يجعلها تطرح الأحزان والهموم عن فؤاد المريض وتُدخل عليه الراحة والشفاء، وتغسل المعدة وتطهرها وتنظفها مما عساه أن يوجد فيه من أوساخ وعفن وميكروبات.
والسؤال الذي يتبادر: ماذا يوجد في التلبينة حتى تجعلها تمتلك هذه الخواص من الإراحة وإذهاب الحزن وتطهير البطن؟
والحقيقة أنه - بعد البحث - يتبين لنا أنَّ سر فوائد التلبينة يرجع إلى مصدرها الأساسي التي تُصنع منه وهو (الشعير).
والشعير من النباتات التي توافد عليها الباحثون قديما وحديثا بالبحث والفحص؛ لما أودعه الله فيه من عناصر ومواد غذائية مفيدة لها خواص علاجية لكثير من الأمراض.
فمنذ القرن الحادي عشر الميلادي نرى واحدًا كالإمام ابن سينا يذكر في كتابه (القانون في الطب) الكثير من الخلطات والوصفات القائمة على الشعير، ذاكرًا له الكثير من التأثيرات العلاجية للعديد من الأمراض.
وكذلك الإمام محمد بن زكريا الرازي في كتابه (الحاوي) ذكر الكثير من فوائد الشعير في علاج الأمراض.
أما عن العصر الحديث، فحدِّث ولا حَرَج عن كمية الأبحاث التي تناولت الشعير من كل جانب.
ونذكر منها - على سبيل المثال - تلك الدراسة التي قام بها كل من الدكتور ماهر مهران محمد، والمهندسة سحر مصطفى كامل، والمهندس عبد الكريم التاجوري - من وزارة الزراعة المصرية وكلية الزراعة جامعة القاهرة - والسيدة زينيا هاوريش Zenia Hawrysh - من جامعة ألبرتا كندا - حيث أثبتوا بالتجارب أنَّ الشعير يحتوى على:
1- عدد من المركبات الكيميائية التي تساعد على خفض نسبة الكوليسترول في الدم، مثل: مادة بيتا جلوكان Bita - Glucan.
2- الفيتامينات (أ) و (ب) و (جـ) و(د)، وأشباه فيتامين (هـ) (Tocotriends).
3- المواد الضابطة لضغط الدم والمانعة للاضطراب مثل مركبات كل من البوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم والفوسفور والناتريوم والحديد والنحاس والكوبالت والزنك.
4- المضادات للعوامل المؤكسدة في جسم الإنسان.
وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن لهذه المركبات الكيميائية - منفردة ومجتمعة - تأثير إيجابي على الموصلِّات بين الخلايا العصبية مما يُعين على التخفيف من حالات الاكتئاب، والميل إلى الرضا وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب.
والتعبير الطبي (تخفيف حالات الاكتئاب) يكاد يكون مطابقا لما جاء في حديث رسول الله ﷺ من قوله (يذهب ببعض الحزن).
وحالات الاكتئاب تشخص اليوم بالخلل الكيميائي في جسم الإنسان، وعلاجه أساسًا يكون بالغذاء المعالج لهذا الخَلل من مثل حساء الشعير الغني بالمواد النافعة في مثل تلك الحالات.
فمن أين علم رسول الله ﷺ بهذه الأمور حتى جعله يُشخِّص الشعير للمريض النفسي والجسدي، إلا أن يكون متصلا بوحي السماء، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.