أما المرحلة الثانية التي ظهر فيها عاملٌ جديدٌ ساعدَ على توطيد الصلة الروحية والفكرية بيني وبين الإمام عبد الحليم محمود؛ فكانت في المرحلة الإعدادية من رحلتي التعليمية، وكنتُ يومها تلميذًا جديدًا لأحد كبار علماء مصر وشوامخ رموزها الدينية المعروفة بالسماحة والوسطية والسَمت الحَسن وهو (الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم).
ذلكم العالم الجليل، سليل دوحة العلم الأزهري الوسطي المستنير، الذي اكتشفتهُ - بالصُدفة - منذ كنتُ طالبا صغيرًا في المعهد الأزهري، فما إن سمعتهُ حتى انجذبت له انجذابًا، فكريا وروحيا وقلبيا.
ومن يومها وإلى هذه اللحظة وأنا أرتشـفُ من رحيقه وشَذاهُ وأستقي من علمه وهُداه؛ لِمـا لَمستُ فيه من صدقٍ وإخلاصٍ ومحبةٍ وحالة روحية عَـزَّ ما نجدها عند أدعياء اليوم.
وأثناء هذه التَلمذة والمتابعة الجيدة لرصيد وتراث الدكتور عمر هاشم؛ اكتشفتُ أنه من أبرز تلاميذ الإمام عبد الحليم محمود المقربين منه والمحبين له.
ذلك ما لاحظتهُ من كثرة أحاديثه عنه، وثناءهِ عليه، وتَردادِ حكاياته معه، واغتنامِ كُلِّ مَحفَـلٍ وكُلِّ مناسبةٍ للإشادة بتراث وعلم ومكانة هذا الإمام الكبير، الذي كانت له جهودٌ تُذكر فتُشكر، في النهضة بالمعاهد الأزهرية، ومناهضة الملحدين والمُشككين في ثوابت ورموز الدين الإسلامي، وما كان له من دور مشهود يوم حرب العبور مع القادة والجيش وتعبئة الروح المعنوية، ونداء كل الشعوب للاصطفاف وراء مصر في هذه الحرب.
من هنا بدأ اسم الشيخ يَلمـعُ من جديد بين عَينـيَّ، وزاد إعجابي بتلك الشخصية المدهشة، بما تَكـوَّنَ عندي من المعلومات الكثيرة حول هذا الإمام الكبير عبد الحليم محمود.
ثم بعد ذلك جاءت المرحلة الثالثة في بناء هذا الجسر الروحي الذي نشأ بيني وبين هذا الإمام الكبير، والتي نادتني فيها هواتف الحقيقة بوجوب النزول إلى الساحة العلمية؛ لاستقرأ بنفسي ما تَركـهُ لنا هذا الشيخ من تراث علمي حافل؛ لأرى بنفسي - لا بعين غيري ومَن رأى ليس كمَن سَمِـع - هل يستحقُ الرجل فعلا كل هذا الثناء، أم أنه سيلُ من الوفاء والولاء من تلميذ حَيالَ أستاذه ومن مُحـبٍ لا يرى في حبيبهِ عَيبًـا ولا نقصًـا، فكانت مرحلة القراءة والتفتيش في تراث هذا الإمام الكبير.
ماذا قرأتُ من تراثه؟ وماذا وجدتُ فيه؟ وماذا استنتجت منه؟ وما الذي رأيته في كتاباته وما رأيتها عند غيره؟
كل هذه أسألة سوف أجيبُ عنها في المقال التالي إن شاء الله.