كثر الحديث والكلام عن الظواهر السلبية التي طرأت على المجتمع الإسلامي والتي تتخفى أسبابها الرئيسية وراء حقد الكارهين لهذا الدين الذي يدعو إلى الخير والمحبة والسلام لكي تعيش شعوب العالم في أمن وأمان وتقدم، فحاولوا بشتى الطرق أن يغيروا هذه القواعد وابتكروا الكثير من الوسائل والسبل للنجاح في مهمتهم، وحشدوا طاقاتهم المادية والذهنية في محاولة منهم لإبراز إيجابيات مخترعاتهم وابتكاراتهم وإخفاء سلبياتها أو على الأقل التقليل من مخاطرها، رغم يقين الأغلبية بمشاكلها الكثيرة على الإسلام كدين محافظ يدعو إلى التمسك بالقيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية.
وإذا تحدثنا عن أهم هذه الوسائل والسبل التي ساعدت على انتشار تلك الظواهر، نجد أن أصابع الاتهام تشير تلقائيا إلى بعض وسائل التكنولوجيا المعاصرة والاستخدامات السيئة لها من قبل البعض ممن يجهلون أو يتجاهلون هذه السلبيات وأخطارها على المستوى القريب أو البعيد على الفرد وعلى المجتمع ككل، فمن المعروف أن الغرب يسعى بكل ما يملك من قدرات علمية وإمكانات بشرية ومادية إلى تطور التكنولوجيا بأشكالها المختلفة أملا في الاستمرار في تقدمه وتقدم شعوبه على كافة المستويات العلمية والثقافية والاقتصادية، وفي الوقت نفسه نرى العالم الإسلامي مازال يحاول ويسعى جاهدا لمجارات تقدم الغرب في المجال نفسه واللحاق بهم. إلا أن مجتمعنا الإسلامي انشغل في البحث عن حلول جذرية لمعالجة تلك المخاطر والسلبيات الناتجة عن الثورة التكنولوجية بكافة أنواعها، والتي أصبحت تحاصرنا وتلاحقنا من كل جانب، بل وقفت عائقا في طريق تقدمنا، لتكون حاجزا قويا أمامنا وسببا رئيسيا في تأخرنا، وبالتالي ساهمت في إدراج مجتمعاتنا تحت مسمى العالم النامي المتأخر.
فإذا أردنا الخروج من النفق الضيق الذي نحن فيه الآن، والانضمام إلى الدول المتقدمة في كافة المجالات، لابد أن نستثمر ايجابيات تلك الآليات والاستفادة منها ومن خبرات علمائنا في تطويرها ومن ثم تهيئة كافة الإمكانيات الممكنة والاستمرار في الدعم المادي اللازم للنهوض بالبحث العلمي كما تفعل الدول المتقدمة حاليا.
ومن العوامل الرئيسية التي تساعد أيضا في تنمية قدرات المجتمع والسعي وراء تقدمه وتطوره الدور المؤثر والفعال للأسرة وعلمائنا ومشايخنا الإجلاء في التوعية والإرشاد للحد من سلبيات الآليات الحديثة وتجاهلها لكي يتم تجنب عواقبها ومردودها العكسي على مستخدميها، وبالتالي تظهر صورتنا الأصلية المتطلعة بكل جدية للتطور والرقي أمام العالم، كما أن الغرب ينظر إلى التطور التكنولوجي واستخداماته المختلفة من منظوره الخاص، منظور يناسب عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم ومبادئهم، وبالتالي لا يعملون حساباً لسلبيات تلك الآليات وتأثيراتها المنافية للقيم الأخلاقية والإنسانية، ولا يضعون في اعتباراتهم المبادئ الإسلامية التي نعيش عليها، حيث إن اهتمامهم يصب في العائد المادي وكيفية انتشارها وتسويقها.
لذلك كله يجب علينا أن نسعى ونجاري العصر الحديث وتطلعاته من انفتاح اقتصادي وثقافي وحضاري كما نريد ونتمنى نحن المسلمون وكما أراده لنا المولى عز وجل مبيّناً لنا في القرآن الكريم، ولابد أن نلتزم بشريعة الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ونحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله كما جاء في قول الله سبحانه وتعالى في سورة يونس- الآية 61:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ* وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.