حين كنت أجلس كعادتي ذات صباح باكر على شاطئ النيل وأتصفح الجرائد، جاءت لي طفلة لها وجه أبيض كأنها الملاك المنزل من السماء تعتمر قبعة بيضاء ذات وردة حمراء، وتنتعل حذاء أبيض ناصعا به عقدة قرمزية وترتدي بين القبعة والحذاء فستانا أبيض أقنعني أنها ليست بشرا عاديا.
قالت: ماذا تعمل يا عمُ.
قلت: أعمل صحفيا أكتب الأخبار.
قالت: أنا لا أحب الأخبار؛ لأني لا أفهم منها شيئا، خاصة تلك الأخبار الخاصة بلقاء الملوك والرؤساء.
قلت: عذرا يا حبيبتي الصغيرة.. لم أفهم قصدك.
قالت: وهل تفهم يا عمُ أي شيء من خبر يقول "التقى الزعيمان وتباحثا حول القضايا ذات الاهتمام المشترك"؟!
قلت: معك حق يا حبيبتي، فهو خبر لا يفهم منه أي شيء.
قالت: إذن.. لا أطلب منك أن تترك عملك في مجال الأخبار، لكنني لا أريدك أن تكتب أنت الخبر، بل أريدك أن تشرح للناس كلام الأخبار الذي لا يقل غرابة عن الألغاز والأحجيات.. أريدك أن تحل الكلمات المتقاطعة التي تكمن بين سطور الخبر.
ثم مضت الطفلة وأعطتني ظهرها ومنه بدا أن لها شعرا انسيابيا مثل خيوط الفجر.
قلت: يا حُلوتي.. لم تخبريني باسمك!
قالت: الشيء الذي تنتظره بعد رحيل الليل.