جلست على شاطئ البحر لأشكو له فهو الوحيد الذي يفهمني ويشعر بما في قلبي، فكل البشر يرونني خاطئة وآثمة ولا أحد يشعر بما في قلبي وما أعانيه فقلت له :
-يابحر أخذت قلبي وروحي معك، حملته أمواجك ليغادر ويتركني جسد بلا روح، هل كنت رفيقًا به يا بحر؟ هل امتزجت دموعه بموجاتك؟ هل بثك أشواقه وآلامه؟هل شكا لك من قسوتي وغدري؟هل طيبت جراحه و واسيته؟ هلا أرسلت له سلامي وأشواقي؟ وأخبرته أن قلبي ملتاع لفراق الروح ولكن أحيانًا تفرض علينا الحياة أن نخذل من نعشقهم رغمًا عنا. نعم خذلته وتركته يغادر بدوني ولم أمنحه حتى ذرة أمل فأنا لا أعلم متى تتغير ظروفي.
هل تعلم يا بحر أنه كان النسمة الرقيقة في قيظ حياتي، كان قطرات المطر التي روت أرضي القاحلة، وكنت أنا الوجع في حياته؟ سأحكي لك حكايتي من البداية لتلتمس لي العذر وتفهمني ،فقد تزوجت وأنا طالبة في الجامعة من أول عريس مناسب بعد وفاة والدي ،حيث كانت رغبة أمي أن أجد من يسترني وأعيش في ظله،فزواج البنت (سُترة)كما تقول أمي وكأن البنت عار وفضيحة.
بالطبع لم أختره إنما فُرض علي فالفقراء أمثالنا لا يحق لهم الاختيار فعلي أن أقبل بما تمنحه لي الحياة بامتنان وشكر، فقبلت بقريب جارتنا الذي يمتلك شقة في حي راقي مقارنةً بحينا الشعبي الفقير، ويعمل كمهندس كهرباء في إحدى الشركات براتب كبير،فكانت جاراتي يحسدنني عليه فقد نلت ما لم تنله أية واحدة منهن.
تزوجني بعد أن تكفل بكل النفقات وأقام عرس كبير في قاعة كبيرة وانتقلت إلى شقته الفخمة التي أثثها على ذوقه ولم يهتم بسؤالي أو يترك لي حرية اختيار أي شئ فهو يراني أفتقر للذوق الراقي، ومنعتني أمي من الاعتراض على ديكتاتوريته وقالت لي:
-احمدي ربنا وبلاش بطر الراجل متكفل بكل حاجه وجايب لك الغالي كله وأنت بتتأمري عاوزاه يطفش وتقعدي جنبي عانس؟!
بعد الزواج جاء الأقارب والجيران لتهنئتي وانبهرت صديقاتي بالبيت وأثاثه ومعاملة زوجي لي ،لم تعلم أي منهن كم كان قاسيًا متبلد المشاعر، و مغرور بنفسه لأقصى درجة، فقد كان يظن أنه اشتراني بماله فكان يُعايرني دائما بفقري وأنه انتشلني من القاع ورفعني للقمة فعلي أن أحمد الله على أنه رضي بمثلي رغم أن الكثيرات كن يرغبن فيه وهن أكثر مني جمالًا وثراءً. حقا كنت أعيش في مستوى مادي جيد لم أحلم به لكني كنت أعيش في مستوى عاطفي وإنساني مُتدني وربما قد أكون تجاوزت خط الفقر العاطفي بمراحل ولكن لا مجال للشكوى فزوجي العزيز كان يرى احتياجاتي للمشاعر( مجرد تفاهة ستات فارغة وأني أحمد ربنا إنه راضي بيه رغم برودي) وعندما فاض بي الكيل شكوت لأمي التي كانت تقول لي كلمتها المكررة:
-عيشي واحمدي ربنا وما تتبطريش وتخربي على نفسك، هو مش هيرضى يطلقك وإن رضي مين هياخدك وانتي مطلقة ومعاكي عيل؟ هم يعني العرسان كانوا بيترموا عليكي وانت بنت؟!
أحبطتني كلمات أمي لكنها كانت الواقع فمن سيرضى بمطلقة فقيرة وليست ذات حسب أو نسب أو جمال؟ استمعت لنصيحة أمي و واريت مشاعري الثرى، وعشت مجرد جسد وكنت أكتفي بالمشاعر التي أراها في الأفلام أو أعيشها مع أبطال الروايات الخيالية .
جاء ابني نور إلى العالم فملأ الكون بنور ضحكته ، وحضنه الصغير كان يغمرني بحب العالم ويعوضني عن مشاعر حرمتني الدنيا منها فظننت أنه كفاية لي وسيعوضني عما أفتقده.
عشت حياتي يا بحر من أجل نور وحده وتحملت جفاء والده وكلماته السخيفة من أجل عيون نور،تحملت حياة بلا مشاعر ولا كلمة تقدير واحدة، و رجل يعاملني كأني جاريته لا زوجته، تحملت كل ذلك من أجل ابني ونور حياتي.
رفض زوجي الإنجاب مرة أخرى وقال:
-عايز أعيش نور في مستوى مادي عالي يدخل مدرسة شيك ويروح نادي محترم عشان نحافظ على مستوانا وما يطلعش زيكم إخوات كتير بس مش لاقيين ياكلوا ولا عارفين يعيشوا زي البني أدمين.
ابتلعت إهانته كعادتي واستجبت لرغبته وحمدت الله على وجود نور ورضيت بقسمتي، حتى جاء يوم وقرر زوجي أن يمارس نور السباحة في النادي الفخم المُشترك فيه هو وأسرته على أن أصاحب نور في التدريبات لأن زوجي منشغل بعمله.
كانت تلك فرصتي لأخرج للعالم فلم يكن زوجي يسمح لي بالخروج إلا بصحبته مرة كل شهر ولزيارة أهلي مرة كل أسبوعين ويرفض أن أصطحب نور معي حتى لا يتأثر ببيئتهم وحيهم الشعبي، فكنت أذهب لزيارة أهلي وحدي وتأتي أمي لزيارتي في غياب زوجي حتى لا تُغضبه فهي تشعر بخجله من تواجدها في بيتنا وأن يراها الجيران معنا.
انتظمت مع نور في التدريبات وسرعان ما اندمج نور مع زملاؤه لأنه كان يذهب للحضانة واعتاد على اللعب مع الصغار ، كما اعتاد على مدربه كابتن أحمد ذلك الشاب الذي لم يتجاوز الثلاثين ، ذو البشرة البيضاء الشعر البني والعيون بلون البندق ، ابتسامة تسحر قلوب الصغار وتُعلقهم به مما يجعلهم يُطيعونه ولا يخافون الماء ماداموا معه.
سحرني يا بحر بابتسامته الخلابة التي لم أر مثلها على وجه زوجي بعد زواج دام خمس سنوات فأنا لم أر منه سوى التكشيرة ونظرة التكبر و الازدراء ، أما أحمد فكانت ابتسامتة تجعل قلبي يخفق بقوة رغمًا عني . حاولت أن أغض بصري عنه حتى لا يزداد تعلقي به فأنا متزوجة ولا يجوز أن أتعلق بغير زوجي مهما كانت مساوئه فالخيانة ليست جزء من طبعي. لكن القلب لا يخضع لقواعد العقل والمجتمع بل يتمرد على كل شئ، ويخفق لمن يريد وقتما يريد ولا ينتظر الإذن من أحد . حاولت كثيرا مقاومة تأثيره على نفسي وخاصة حينما يتحدث معي بمنتهى الرقة والذوق فيما يتعلق بتدريبات نور أو تعليمات الطعام والنوم الواجب اتباعها، فكنت أقارن دائما طريقته في الكلام وابتسامته ونظراته التي تُشعرني بأني شئ ثمين، مع طريقة كلام زوجي الجافة ونظراته المتعجرفة وتحقيره الدائم لي ولأهلي فكنت أشعر بالأسى على حالي.
حاولت أن أجبر نفسي على الامتناع عن التفكير فيه لكني فشلت خاصة مع قسوة زوجي وإهاناته المستمرة، وكنت أضعف أمام رقة أحمد في تعامله مع نور و الأطفال وتعامله معي. وحتى لا تفضحني مشاعري وعيناي كنت أتجنب الحديث معه إلا في الضرورة القصوى وكان حديثًا مُقتضبًا. ربما ظنني مغرورة أو قليلة الذوق بسبب ذلك ، لكن ذلك أفضل من أن يدرك أني معجبة به وأن قلبي يخفق كطبول الحرب عندما أراه وأني أحلم أن تظل عيناي مُعلقة بعينيه وأغرق في بحور عسلهما لأخر عمري.
كنت عندما أعود إلى بيتي ألوم نفسي كثيرا وأرى أني خائنة لزوجي، فالخيانة في نظري ليست بالجسد فقط فنظرة الإعجاب ، واللمسة ، والتفكير في شخص أخر وأنا متزوجة خيانة. حاولت كثيرا أن أصلح علاقتي بزوجي لعله يكون حائط صد أمام مشاعري المتدفقة بقوة تجاه أحمد، لكنه لم يفهم احتياجاتي واستمر يُسفه من كلامي ورغبتي في أن يغمرني بمشاعره وأن ذلك حقي و كان كعهدي به جامد المشاعر ، قاسي القلب لا يبالي بأي شئ سوى احتياجاته التي يحصل عليها بكل قسوة وبرود دون مراعاة لي ولمشاعري واحتياجاتي فهو محور الكون هو وما يريده وكل ما سواه عدم.
سارت بنا الحياة في طريقها المعتاد وأنا أبذل كل جهدي ألا أسقط في الهاوية دون أن يساعدني أحد بل كل الظروف تكاتفت ضدي.
ذات يوم يابحر أصيب نور في ذراعه أثناء خروجه من حمام السباحة فأسرع أحمد بحمله للعيادة فطلب الطبيب إجراء أشعة على يده ، فاتصلت بزوجي فقال لي بمنتهى الجفاء:
-اتصرفي لوحدك ولا أنت مالكيش أي لازمة؟ أنا في مأمورية في اسكندرية وهارجع بكرة
لم أهتم ببروده وتجريحه فكل ما يهمني الأن هو ابني،أخذت نور إلى المستشفى وأصر أحمد على الحضور معي حتى يطمئن عليه ولا يتركني بمفردي.كان الرعب على نور يتملكني ولكني اطمأننت لوجوده معي فأنا لم أواجه موقف مشابه ولا أعرف كيفية التصرف وحدي، وعند دخولنا الطوارئ في المستشفى التابعة لشركة زوجي سألت الممرضة أحمد:
-أنت أبوه؟
فقلت لها بحرج:
-لأ أبوه مسافر من فضلك نادي الدكتور بسرعة الولد بيتألم
فقالت ببرود:
-بس فيه ورق لازم تمليه
فقال أحمد بحدة:
-نطمن على الولد الأول والورق مش هيجري
جاء الطبيب وطلب عمل أشعه وعندما رأها قال:
-ما تخافيش ده كسر بسيط وهيتجبس لمدة شهر
فكدت أصرخ هلعًا فقال أحمد مستفسرًا من الطبيب:
-ياترى حاجة خطيرة أو هتأثر عليه؟
-لا أبدًا ده صغير وعضمه بيلحم أسرع من الكبار وبعد كده هيعيش حياته عادي
وُضعت يد نور في جبيرة ولم يتركه أحمد إنما ظل بجواره يمزح معه حتى يطمئن ويكف عن البكاء، و خرجنا من المستشفى وشكرته على تواجده معي فقال:
-أنا ما عملتش غير الواجب أنت ما تعرفيش بحب نور أد إيه
خفق قلبي بشدة واعتراني الارتباك فقد شعرت أن كلماته تصريح بحبي أنا وكم تمنيت لو كانت اعترافًا بحبي ،عندها كنت سأترك الكون كله وأخذ نور فقط معي وأذهب مع إلى أخر العالم.
أفقت من أوهامي وأحلام يقظتي على صوته يقول بدفء:
-اسمحي لي أوصلكم للبيت الوقت متأخر وما ينفعش ترجعوا لوحدكم
-مش هينفع الناس عارفيني وعارفين جوزي وهيبقى شكلي وحش وأنا راجعة متأخر مع راجل غريب
-طيب على الأقل هاركب معاكم لأقرب مكان وأنزل أنا قبلكم عشان أكون مطمن عليكم
-برضه ما ينفعش ممكن حد يشوفنا وكلام الناس ما بيرحمش، كتر خيرك أنا هاتصرف
-خلاص هاقولك على حل أحسن هاطلب لك أوبر من عندي يوصلك وبكده أقدر أتابعكم ولما توصلوا هاكلمك على موبايل نور اطمن عليكم ممكن؟
-ممكن
كنت في السيارة أضم نور لقلبي وأتذكر شهامة أحمد وخوفه علي وعلى نور بعكس زوجي الذي لم يتصل ويسأل عنا، أو حتى عن ابنه وماذا حدث لنا أو كيف عدنا إلى البيت أو إن كنا بخير أو نحتاج إلى شئ. لم يبالِ وكأننا لا شيء.
بمجرد وصولنا اتصل أحمد ليطمئن علينا وكلماته تفيض رقة وحنان فشكرته مرة أخرى وحرصت أن تكون ردودي رسمية حتى لا يظن بي الظنون. رغم حزني على ما أصاب نور وشدة خوفي عليه إلا أني كنت سعيدة بالاقتراب من أحمد و إدراك أنه رجل يُعتمد عليه وليس إنسان أناني، وأن قلبه يفيض بالمشاعر تجاه الأخرين. كما سعدت بتحطيم أحمد للجدار الحائل بيننا ولم تعد لدي رغبة أو قدرة على مقاومة تلك المشاعر رغم رفض عقلي لها وتحذيره لي ولكن ما جدوى كل ذلك التعقل وأنا كسائر في الصحراء يكاد يموت عطشا ويجد أمامه ماء عذب ولكن مُحرم عليه أن يروي عطشه.
كان أحمد يتصل يوميًا للاطمئنان على نور ويتطرق الحديث بنا إلى أي شيء وكل شيء لكننا لم نتجاوز الحدود أبدًا فقد كان مازال باقيًا في ذرة من تعقل تحد من اندفاعي بكل جنون لأروي ظمأ قلبي. أدمنت صوته وكلامه واعترفت لنفسي ألف مرة أني مخطئة بحق نفسي قبل زوجي وقررت مليون مرة ألا أحدثه وبمجرد سماعي لرنين الهاتف أجري مسرعة وأنسى كل وعودي وعهودي وتعقلي بل وأنسى كل العالم معه ولا أتذكر سوى أني أحبه وأحب الحديث معه وأشعر مع بالألفة والتقدير وهو ما أفتقده بشدة مع زوجي.
كم تمنيت أن يستمع زوجي لحديثنا لعله يفيق من غفوته ويرى نتيجة سوء معاملته لي، أو لعله على الأقل يوقفني عند حدي .لكن بلا فائدة فلم يكن لدى زوجي أي ذرة شك في أني سأفضل أي رجل عليه فهو في نظر نفسه رجل لا مثيل له، وهو كما يقول لي باستمرار اختارني لأنه واثق أني لن أحظى بإعجاب أي رجل لأنني أقل من العادية في نظره. بينما أحمد كان يراني إنسانة لا مثيل لها وأنه محظوظ أنه يحظى بالقرب مني وينال ثقتي،فكنت أحلق مع أحمد في سماوات العشق رغم أننا لم نبح لبعضنا بشئ ما تجيش به صدورنا.
لم أعد أطيق زوجي وكلامه ولمساته وعلاقته الباردة معي ، بل وكنت أفتعل معه المشاجرات لعله يطلقني لأنال حريتي وعندها سأعترف لأحمد بعشقي له،لكن زوجي قابل غضبي وثورتي ببروده المعتاد بل كان يزيد في قسوة كلماته ويتعمد التحقير من شأني باستمرار حتى أني صرخت في وجهه لأول مرة وطلبت منه الطلاق مادام يراني لا أليق به فأخبرني أني مجنونة وتركني وأنصرف. كنت أتمزق بين شعوري بالخيانة وبين رفض زوجي للطلاق،و عندما يأست ذهبت لأمي وأخبرتها أني أكرهه وأرغب في الطلاق لأني أحب رجل أخر وأرغب في الزواج منه فصفعتني لأول مرة في حياتي وقالت بغضب وحدة:
-ما عندناش بنات تطلق وعيشي عشان ابنك وأنسي إن فيه حاجه اسمها حب ده كلام فارغ لما هينتهي هيفضل يعايرك إنك سبتي جوزك عشانه وهيفضل يشك فيكي العمر كله،أرضي بقسمتك وعيشي ولو عملتي اللي في دماغك ما تورنيش وشك ولا أنت بنتي و لاأعرفك.
عدت إلى بيتي مهزومة ، مكسورة فمن يجب أن تفهمني وتدعم موقفي تتنصل من مسئوليتها عن تلك الزيجة الفاشلة وتصر على أن أرتبط بذلك البغيض لباقي عمري.هي لم تعرف الحب في حياتها وتحكم علي أن أحيا بلا قلب ولا مشاعر مثلها وإلا أصبحت في نظرها ونظر المجتمع امرأة مُنحلة .كأن المرأة يجب أن تدفن مشاعرها واحتياجاتها الإنسانية طوال العمر مادامت أصبحت أم، لكنهم لا يدركون أن من لم يجد الحب لن يستطيع أن يمنحه. أمي والمجتمع حكموا علي أن أعيش بلا مشاعر حتى أصبح في نظرهم المرأة الفاضلة.
استسلمت للحزن والقهر وقررت أن أبتعد عن أحمد تماما وأعود لسجني في بيتي لعلي أنسى،ولم أعد أجيب على اتصالاته بل وأغلقت هاتفي و رفضت بعدها أن يعود نور للتدريبات كمحاولة مني لأقاوم نفسي وحبي الجارف لأحمد. فأصر زوجي على ذهابي فرفضت ولما أصر طالبته أن يذهب هو أو أن يأتي معي فقال بتعجب::
-أنا مش فاهم مالك فيه إيه؟
-فيه ناس بتعاكسني؟
ضحك وقال بسخرية:
-بتعاكسك ؟ لازم ماعندهمش نظر
-ليه هو أنا وحشة؟
-لأ عادية لكن مش ملفته للنظر وده سبب جوازي منك إنك ما تلفتيش نظر أي راجل
-مش يمكن لفت نظر حد فعلا
فقال ساخرًا:
-تلاقيه البواب ولا الفراش دول بس اللي يمكن يبصوا لك، قومي رجعي ابنك لتدريبه و بلاش هبل
-صح انت معاك حق هارجع أروح تاني وأبطل هبل
عدت إلى النادي بلا أدنى شعور بالذنب فمثل زوجي لا يستحقه فهو لا يكتفي بحرماني من حبه وتقديره بل لا يغار علي ولا يراني أستحق الغيرة فلم أهتم أنا بمشاعره؟
قابلني أحمد بلهفة وقال وهو يرحب بنا:
-كنت فين يا نور وحشتنا أوي
فقال نور ببراءة:
-كانت ماما مش عاوزة تجيبني تاني
-ليه يا مدام؟ حد ضايقك؟
-لا أبدًا ظروف شخصية
قلتها بجفاء لأغلق باب الحديث فأنا أخشى أن أنجرف معه في طريق لا عودة منه فمازال عقلي يحذرني من عواقب ذلك العشق المُدمر، وحتى إن لم يكن لي رجل يصونني أو يغار علي فعلى الأقل سأصون نفسي من الانزلاق إلى الهاوية من أجل نور.
عدت إلى طبيعتي المتحفظة في التعامل معه وقلبي يتمزق كلما صددته، لكنه الحل الأمثل لكلينا فأنا أخشى على قلبه من التحطم على صخرة الواقع كما أخشى على قلبي وأتساءل باستمرار لماذا لم أقابله من قبل أن أتزوج؟ لماذا التقيته بعد أن فات الأوان؟ لماذا يتعمد القدر تعذيبنا ويضع في طريقنا الشخص المناسب في الوقت الخاطئ؟ هل كان يجب أن أتذوق قسوة زوجي لأدرك قيمة شخص حنون مثل أحمد؟ يالقسوة القدر الذي يضعني في اختبار يفوق قدرتي.
فاجئني أحمد ذات يوم بإرسال رسالة على هاتفي على الواتس أب يعترف لي فيها بحبه ويقول إنه يعرف أنه مخطئ لأني متزوجة لكنه لا حيلة له مع قلبه ولو كنت أحبه كما يظن فسينتظر حصولي على الطلاق لنتزوج وسيحب نور كابنه. كدت أموت قهرًا وفرحًا في آن واحد فمن أحبه يبادلني حبًا بحب، لكنه حب محكوم عليه بالإعدام . حب في الوقت الضائع ، فهل أستطيع حقا تنفيذ ما يقول؟ أمي سترفض طلاقي وستقف هي وإخوتي ضدي، وهل سيقبل زوجي أن يطلقني؟ إنه لا يحبني فلم يرفض؟سأتحدث مع زوجي مباشرة وأخبره بفشل زواجنا وأنه من الأفضل لنا أن ننفصل باحترام على أن نعيش مع بعضنا ونحن نكره حياتنا مما سينعكس بالسلب على نور، لكنه رفض طلاقي وقال ساخرًا:
-أوعي تفتكري إني بحبك وباموت فيكي، لأ خالص أنا جايبك خدامة ليه ولابني مش أكتر وحتى لو رفعتي قضية هتخسريها عشان ما فيش سبب للطلاق وكمان ما أظنش معاكي فلوس للمحامي وحتى لو طلقتك تفتكري هاسيب لك نور؟ طبعا لأ هالبسك ميت مصيبة وأخد حضانته منك ومش هتشوفيه تاني أبدًا، فوقي من تخاريفك واعرفي حجمك واحمدي ربنا إني عارف إنك عيلة عبيطة ومخك تافه وإلا كان هيبقى لك حساب تاني معايا.
كانت كلماته بمثابة الصفعة التي أعادتني لأرض الواقع وأصابت قلبي في الصميم فأدمته، فأنا لا أستطيع الحياة للحظة واحدة بعيده عن نور بل أني قد أموت ان انتزعه من حضني. كما أن زوجي جبار وقادر على أن يفعل أي شئ ليلوث سمعتي وينتقم مني على مجرد جرأتي لطلب الطلاق منه والخروج من عباءة الطاعة والأدهى من ذلك أن سأعلن للناس أن من أكره عيشته، فكل ذلك كفيل بإشعال غضبه وجنونه وعندها لا أضمن ردة فعله.
قررت فورًا أن أضحي بحبي وسعادتي لا خوفًا من زوجي ولكن لأبقى بجوار نور فإن انتزعه مني سأموت في لحظتها فأنا أحيا بنور ولنور ولا حياة لي بدونه. لقد خيرني زوجي بين روحي المُعلقة بنور، وقلبي العاشق لأحمد،فاخترت روحي فأنا لست أنا بدون نور.
قررت أن أوأد حبي وأقسو على أحمد و ألا أرد عليه وكأني غضبت من رسالته، كما امتنعت عن الخروج من غرفة نور إلا لأداء مهامي في البيت ثم أعود لأحبس نفسي بها أصلي وأدعو الله أن يسامحني على ذلك الحب الذي جعلني أعصاه فكان عقابي حرماني منه للأبد . كنت أستحق العقاب لأني أحببت رجلًا غير زوجي ولكني أستحق الرحمة لأني لم أعرف الحب في حياتي سوى معه. زوجي لم يمنحني من المشاعر والتقدير ما يجعلني قوية في مواجهة الفتن بل تركني متلهفة للحب فغرقت في عشق أول من منحني الحب والاحترام وأشعرني بأنوثتي المدفونة. سألت الله كثيرًا أن يغفر لي وله فهو وحده العالم بالقلوب وهو مالكها وهو من يتحكم فيمن تهوى.
اعتزلت الناس والحياة يا بحر فلم تعد لي رغبة في الحياة إنما أحياها فقط لأني مُجبرة، فما قيمة الحياة بلا حب ولا اهتمام أو احترام؟! حتى نور لم أعد معه كما كنت من قبل فقد كنت أؤدي واجباتي كاملة لكن قلبي لم يكن معي إنما قتلته الظروف والواقع والالتزامات. أما زوجي فلم يهتم بي ولا بغضبي ولا حتى بصمتي واعتزالي له وكأني لا وجود لي.
كنت أتمزق إربا من ألام الفراق ولكني لا أملك سوى التماسك حتى جاءتني رسالته التي يودعني فيها قبل سفره ويعتذر لي عن مشاعر ظن أني أبادله إياها ولكنه كان واهم، و أنه لا يلومني لأنه هو المخطئ لأنه طاوع قلبه على حب مُحرم عليه، لذا قرر الهجرة ولن يعود لعله يستطيع نسياني.
تمزق نياط قلبي وأغلقت هاتفي حتى أجبر نفسي على عدم الرد عليه، وتركته يسافر وهو يظن أني لا أحبه حتى لا يظل متعلقًا بحب لا أمل منه وتضيع سنوات عمره في عذاب وأنين وحنين واشتياق، بلا جدوى فأنا لن أمنحه السعادة بل سأفتح عليه أبواب الشقاء وسأحيا معه بنصف قلب لأن النصف الأخر سيكون متعلقا بنور. سافر و أنا أتمنى له السعادة من كل قلبي بقدر ما أسعدني بمشاعره التي أحيتني وأشعرتني أني امرأة وأني إنسانة تستحق الحب.
ترى يابحر هل سنجتمع يوما؟ هل سيعرف أنه كان منتهى أملي في الحياة؟ أنه غادر ومعه قلبي جزء من روحي؟ أرسل له يا بحر سلامي وأشواقي ، لا بل دعه يظن أني لا أحبه لعله ينساني ولا يكتوي مثلي بنيران الشوق والحنين.
تركت البحر وعدت إلى الشالية الذي يستأجره زوجي لقضاء أجازة الصيف فيه جثة بلا روح.
تمت