إلى من يقرأ رسالتي
أنا امرأة من شمال غزة، وإن كنت لا تعرف الكثير عن غزة فدعني أخبرك، هي تاريخ طويل من النضال والكفاح، هي يوسف الذي تخلى عنه إخوته ورموه في غيابات الجب دون ذرة ندم واحدة.
لكننا لم نجد العزيز لنتربى في قصره بل، وجدنا في بيوت الله ملاذنا فربينا أبناءنا فيها وعلمناهم العزة والكرامة والاعتماد على النفس، لم يكسرنا احتلال ولا حصار وظلت هاماتنا عالية، نزود عن وطننا وأقصانا بالغالي والنفيس.
نسينا العالم ونسي قضيتنا وحصارنا وتجويعنا وسرقة الاحتلال لمواردنا وخيراتنا حتى أفاق على عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣، وعندها عدنا إلى صدارة الأخبار لا كشعب مُحتل يطالب بحقوقه في الحياة الكريمة ولكن كإرهابيين يجب على العالم كله أن ينتزعهم من جذورهم ويرميهم في البحر للتخلص من شرورهم، فشن مُدعي الحرية والديموقراطية علينا حربًا شعواء يساندون فيها المحتل الغاشم الذي هدم البيوت والمستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس وقتل آلاف الأبرياء، ودفع الناس لترك بيوتهم من شدة القصف الوحشي الذي لم يرحم أحدًا.
لم أترك بيتي رغم قصفه عدة مرات وقتل زوجي ووالده ووالدته وإخوته واثنين من أبنائي، كانت تلك جريمتي أني تمسكت ببيتي؛ فهدموه، ولكني نصبت خيمة بقيت فيها أنا وطفلي الرضيع وأخي واثنان من أبنائه، أصيبنا عدة مرات لكننا كنا نتحامل على أنفسنا من أجل الصغار الذين كنا نجد لهم الطعام بالكاد، وكان أخي يمشي مسافة طويلة ويقضي الساعات حتى يحصل لنا على ماء لنشربه.
مضت أيام كثيرة ونحن على تلك الحال ولم يحرك العرب ولا المسلمون كل مشاهد القتل والدمار حتى يخلصونا مما نلاقيه، بل تجاهلونا فمنهم من اتهمنا بالإرهاب وأننا فرطنا في الأرض سابقًا، ومنهم من انشغل عنا بحياته وقوت يومه، ومنهم من استمتع بالحفلات ومباريات كرة القدم، وقليل منهم من تعاطف معنا بالدعاء والتبرعات.
واليوم بعد أربعة أشهر كاملة من القصف والعنف والتدمير ورعب لا نهاية له نواجه شبح الموت بعد أن شح الدواء والماء والغذاء، وصار الأطفال يموتون من الجوع، منذ أسبوعين مات ابن أخي بسبب الماء الملوث ونقص الدواء، وبالأمس ماتت طفلتي الرضيعة من الجوع.
لن نموت وحدنا فقد ماتت معنا شعاراتكم البراقة من حقوق المرأة والطفل، لحقوق الإنسان بل وحتى الحيوان، ماتت قبلنا إنسانيتكم التي تتعاطف مع السلاحف والقطط والكلاب الضالة ولا تتعاطف مع البشر المُطالبين بحقهم في الحياة بكرامة في وطنهم.
لكن تذكروا إن متنا نحن فغزة لن تموت، هكذا تقول كتب التاريخ التي لم تقرأوها، وهكذا يعدنا الله -عز وجل- في كتابه الكريم وهو لن يخلف وعده، إنما سيقتص لنا من كل من قتلنا أو شارك في الإبادة التي نتعرض لها، أو خذلنا.
نحن لن نموت بل سنعيش عند رب كريم في جنات النعيم وستكونون أنتم الأموات، وستظل لعنة الخذلان تلاحقكم حتى تواجهون نفس مصيرنا أو تنتفضوا لنصرة الحق والدفاع عن الأقصى.
نحن ننتظر الموت برضا ويقين بالله وأنتم تظنون أنكم أحياء في حين أنكم أموات فقد ماتت قلوبكم وضمائركم ولم يبقَ لكم إلا أجساد فانية.
لا سامحكم الله.
امرأة غزاوية.