كنت أجلس على شاطئ البحر مع زوجي فاليوم يوم أجازته ولأننا نسكن مدينة ساحلية فكنت أرجوه دائمًا أن يأخذنا أنا وابني الصغير لنقضي اليوم على الشاطئ فكان يستجيب حينًا ويرفض أحيانًا. كان يفضل أن يقضي يومه نائمًا وعندما يستيقظ يخرج مع أصحابه ولا يبالي بنا ولا باحتياجنا لوجوده معنا أو للتنزه ككل الناس. لقد اعتدت طبعه فهو لا يهتم إلا بنفسه وبمظهره الاجتماعي فقط، فلم يشترك لنا في هذا الشاطئ الفاخر الخاص الذي يرتاده علية القوم لولا أن دفعته غيرته من زميل عمله الذي يتعالى عليه إلى ذلك.
اليوم بعد أن رجوته عدة مرات استجاب لي أخيرًا متأففًا فهو لا يحب تحمل مسئولية الصغير الذي لم يتجاوز ثلاثة سنوات ولا يحب أن نزعجه بمطالبنا التي لا تنتهي كما يقول. لم أهتم بكل هذا إنما قررت أن أستمتع بوقتي فأنا لا أعلم متى ستتكرر تلك النزهة مرة أخرى. ارتديت ملابس بسيطة وعملية لتناسب حركتي مع ابني الصغير مكونة من بنطلون جينز وبلوزة بيضاء بورود صغيرة ملونة وغطاء رأس أبيض. لم أستخدم مساحيق الزينة فبشرتي البيضاء مع الشمس تتحول للون الوردي واكتفيت بالكحل البني ليظهر جمال عيوني الملونة. نظر إلي زوجي قبل خروجنا باستياء فيبدو أن شكلي لم يعجبه كالعادة فقد كان يراني دائمًا أقل من العادية ولولا إصرار أمه على زواجه بي لأننا أقارب ما كان تزوجني. لكن ما لم يقله أنه تزوجني لأني يتيمة الأب ولن أكلفه الكثير وليس لي رجل ليتصدى له إن تجبر علي.
وصلنا إلى الشاطئ وبدأ ابني ينطلق في مرح كعادته وكان دوري كالعادة أن أجري خلفه لأحميه من تهوره بينما زوجي يجلس كعادته دون أن يشاركنا أي شيء وكأننا لا نعنيه في أي شيء بل يظل متأففًا حتى يحين موعد انصرافنا. لكنه اليوم غير عاداته وصار أكثر انتعاشًا ونفض رداء الكسل عندما دخلت تلك الحسناء بثوبها الأحمر القصير الذي يكشف بسخاء عن ساقيها الناعمتين ، وعن كتفيها وذراعيها ، وشعرها الأسود الناعم يتطاير حول كتفيها فتطير معه قلوب كل الرجال على الشاطئ. لم تكن الحسناء العشرينية ذات القوام الممشوق بمفردها إنما كانت بجوار زوجها ذلك الأصلع ذو الكرش والبشرة الخمرية الذي لا تفارق السيجارة يده الذي تجاوز الأربعين عامًا. كان كل الرجال على الشاطئ يحسدونه على تلك الحسناء ويبدو سعيدًا بذلك فهو يتباهى بجمالها الذي يمتلكه وحده والذي يبدو أنه دفع ثمنه باهظًا.
حرصت تلك الحسناء على إمالة رؤوس كل الرجال بضحكاتها الصاخبة ، أو بحركاتها التي تُظهر جمال جسدها المُفعم بالأنوثة. نسينا زوجي تمامًا وظلت أنظاره مُعلقة بها أينما تحركت وكان يرسل لها ابتساماته وهو لا يهتم بوجودي أو يراعي مشاعري فأنا بالنسبة له مجرد (جوازة والسلام) كما يخبرني باستمرار. كنت أنا في أشد الاحتياج لتلك الابتسامات ولذلك الاهتمام و لكنه لا يراني سوى وسيلة لتلبية احتياجاته وخدمته فقط، ولم يكن يدري أنه بالنسبة لي أيضًا مجرد جوازة والسلام لأهرب من عيون وألسنة الناس المتربصين بأرملة وبناتها وينتظرون أية لحظة مناسبة للانقضاض عليهن. فكان الزواج بالنسبة لي مجرد ستر وهروب من واقع لم يكن لي يد فيه، وبالطبع رفاهية الاختيار لم تكن مُتاحة لي.
بعد أن أنهى ابني لعبه جلس بجواري لأطعمه ونهض زوجي العزيز لينزل البحر ويلحق بالحسناء التي خلعت ثوبها الذي لا يستر واكتفت برداء للبحر يكشف مفاتنها بكل وضوح مما أثار كل الرجال ،وقرر معظمهم أن ينالوا فرصة الاقتراب منها. شعرت بالاشمئزاز من تفاهة هؤلاء الرجال الذين يبدون كالكلاب يلهثون خلف أي قطعة لحم. نظرت تجاه زوجها الذي يجلس منتفخًا على كرسيه أسفل المظلة وهو لا ينظر حتى تجاه زوجته بل تركها وحدها وسط كل هؤلاء الطامعون. لفت نظري أنه ينظر تجاهي ويبتسم بسماجة فتعجبت من حاله فأنا مقارنة بجمال زوجته الطاغي عادية جدًا فماذا لفت نظره في؟ هل يظن أن كل النساء كزوجته سيخضعن له بسبب الثراء؟ أشحت بوجهي عنه غاضبة وأنا أتساءل أي رجل هذا الذي يعرض جسد زوجته لعيون الغرباء؟ ألا يغار عليها؟ هل يعوض نقص لديه بالتباهي بجسدها؟ يبدو أن النقص في رجولته.
نظرت إليها وتساءلت تراها سعيدة؟ لقد وصلت إلى ماله ونفوذه وحقق لها ما تريد فهل استطاع تحقيق السعادة لها؟ هل عوضها عن فارق السن بينهما؟ أم اكتفى بامتصاص رحيق شبابها وتركها تنعي شبابها الذي أُُهدر على أبوابه؟
لم يحد زوجي عنها بنظراته و لم يحد زوجها عني بنظراته وابتساماته حتى أنه لحقني عندما ذهبت إلى حمام السيدات مع ابني وعندما خرجت وجدته يقف أمامي بابتسامته اللزجة ويقول بغرور:
-ممكن نتعرف؟
فقلت بحدة:
- بدل ما تتعرف روح لم لحمك اللي عيون الناس بتنهشه
فقال بصفاقة:
-بيئة بس عاجباني
فانصرفت بغضب وقلت بصوت مسموع:
-نطع
ذهبت بزوبعتي تجاه زوجي الهائم في نظراته فقلت له بحدة:
-يالا عاوزة أمشي
فقال بتعجب:
-بتقعدي تزني خرجني ولما أخرجك والقعدة تبقى حلوة عاوزة تمشي؟
فقلت وقد تمالكت نفسي:
-تعبت والولد هدني بشقاوته، وكمان عشان تلحق قعدة أصحابك على القهوة
لم أنتظر كلماته إنما بدأت في جمع أشيائنا فقال بسخط وهو يرتدي ملابسه:
-ست نكدية
انصرفنا وهو مستاء لأنه سيترك الحسناء خلفه وأنا مشمئزة منه ومن زوجها فكلاهما لديهما ما يكفيهما ولكنهما يتطلعان إلى ما في أيدي الأخرين حتى لو كان أسوأ، لكنهما لا يدريان أن ما سيفعلانه سيُرد لهما في أقرب الناس. لا يدرك البعض أن كله سلف ودين كما تقول أمي وكام تُدين تُدان.
تمت