لتكن المدينة بأكملها لهم.. أمَا جوارك! فأود أن يكون لي.
كنت اجلس بفناء المدرسة الواسع شاردة، أمامي علبة طعامي البلاستيكية كما هي لم افتحها، فقط أحتسي من الماء زجاجتي خاصتي فقط.
انظر في الفضاء أمامي لا اسمع احد ولا أنتبه لأحد، حتى شعرت به دنى مني وجلس بجانبي وأردف
_حبيبي سرحان ف إيه؟
رمشت ب أهدابي مرتين ونظرت له قائلة
_إياد.. ينفع تسيبني لوحدي شوية؟
عقد حاجبيه وقال لي في تساؤل
_ليه يا نايا؟ هو أنا عملتلك حاجه؟
عُدت ثانية انظر أمامي إثر تحدثي إليه
_لاء، انت معملتش حاجة، انا بس الل فعلاً حاسة اني مش فاهمة حاجه خالص
أمسك بذقني ولفت وجههي إليه وأردف
_طب ما تتكلمِ معايا، قوليلي كل الل شاغلك كل الل تعبك فضفضي بصوت عالِ ونفكر سوا
تنهدت وكأنني أحاول إزاحة صخر من فوق صدري وأردفت له
_معرفش من يوم حفلة عيد ميلادي وانا حالي مشقلب، مش فاهمة ولا عارفة حاجة ولا عارفة اركز
فيه حجات كتير بتحصل ماليش يد فيها ومطلوب مني إني احلها، وانا اضعف من اني احلها
حكّ إياد في رأسه وأردف
_مش فاهم حاجة ي نايا، انتِ بتقولي طلاسم؟
أردت تغيير مجرى الحديث، فهو لن يفهمني قط، ليس لأنه غير متفهم لي.. بل لأن الموضوع معقد وانا لا أستطيع إيصال مشكلتي بطريقة مفهومة.
اردفت له مبتسمة
_قولي صحيح، انت قولتلي ان الهدية بتاعتك ليها حكاية، ايه هي بقا؟
ابتسم هو وحكّ برأسه طريقته المعتادة وأردف لي بنبرة تتخللها السعادة
_بصي يا ستي.. الساعة لوحدها كانت تخص كاهن فالعصور السابقة، الكاهن دا كان بيحب يسخر الأرواح لأمره
والكاهن دا كان العراف لأسرة مالكه في عصره، ففيوم ارتكب خطأ فقرر يدفع تمن غلطته ب إهداءه الساعة ك أحد ممتلكاته الخاصة ل أميرة واحدة من الاسرة المالكة، الملك اخد الساعة وطلب من النحات ينحت ملاك ويخليه حاضن الساعة، وبعدين بقت تتنقل ك أنتيكة من عصر ل عصر، لحد م وصلت لشخص قرر يطلب من كهربائي يضيف ليها لمبة وشكل كدا زي الاباجورة يهدي بيها شخص عزيز عليه..
إيه الل حصل وخلاها تتباع في مزاد للانتيكات وانا اشتريها؟ معرفش هي وقفت الحكاية لحد هنا وانا اشتريتهالك لأنها عجبتني، وبس
قمت بهزّ رأسي له أي إنه انني اتابع حديثه بشغف، وأردفت له
_هي هدية قيّمة فعلاً
_إنتِ طول الوقت بتحبي الحجات النادرة، وانا عارف ذوقك.. وبحب ابسطك
ابتسمت له، سمعنا صوت رن الجرس أي ان وقت الراحة قد انتهى ولابد من العودة إلى فصولنا لمتابعة الدراسة،
صعدنا سويا ودلفنا إلى الفصل كل واحدٍ منا على مقعده جلس، بدأت الحصة وبدأ الأستاذ في شرح المادة، وفجأة رأيت أمامي شخصان يقومان بنقل شخص يبدو عليه فقدان الوعي.. ووضعوه داخل _توكتوك_
نفضت رأسي وأنا احاول التركيز مع الشرح، عاد مشهد آخر بنفس ظهر الشخصان يقومان بتفريغ مادة سائلة معهم على التوكتوك ب أكمله في الظلام لا يظهر غير ضوء خافت ل عمود إنارة من بعيد.
وامسك واحد منهم عود ثقاب واشعله وقذفه على التوكتوك لتندلع النيران به في الحال، شهقت بصوت عالِ ف توقف الاستاذ عن الشرح، وانتبه كل من بالفصل لي، نظرت اليهم ولنظراتهم الفضولية إلي.
نهضت وأنا أضع اشيائي في حقيبتي واهرول بسرعة دون إستئذان دون أن يكون لي وجهه محددة.
_______
_هتفضل مبوز كدا كتير، فُكها بقا!
قالتها إيمان إثر جلوسها برفقة عمر ب أحد المقاهي، كانت تريد تخفيف وطأة الموقف على عمر الذي لم يتم قبوله ب أي مكتب عمل من الذين قدم إليهم اوراقه من قبل.
رفع عمر ناظريه لها وتبسم ثغره نصف إبتسامة ومن ثم تنهد قبلما يرتشف رشفة من فنجان قهوته، مطت إيمان شفتيها وقالت له تداعبه
_طب حتى إسألني عاملة إيه فالشغل،عاملة إيه ف كتابة روايتك؟ هتسلمي إمتى؟ اي حاجة حسسني إني قاعدة
إلتفت إليها ووضع رأسه على يده يستند بأحد وجنتيه قائلاً
_طب إحكيلي انتِ، انا بخيل، خليكِ انت كريمة للآخر
إستعدت إيمان وجلست متربعة على المقعد فضحك عمر وبدأت تسرد حكاياتها بدءاً من العمل وانها في الفترة الماضية إجتهدت كثيراً في حل قضية ما شائكة ومتداخلة الاحداث وبفضل الله ثم بمجهودها هي وبعض المحامين تحت التمرين الذين يتمرنون معها في المكتب قانوا بحلّها، لذا.. قدمت لهم الاستاذة راوية صاحبة المكتب مكافأة تشجيعية لهم.
إبتسم عمر قائلاً لها
_برافو برافو اشطر كتكوت ياناس
ضحكت إيمان بخجل حقيقي وهي تتحرك في مكانها على المقعد، ف استطرد عمر حديثه لها
_وبعدين كملي، قولي حاجة تفرح وسط الغم دا
_وبس ياسيدي، ف انا قررت اعزمك بالمكافأة دي كلها وافرتكها عليك
_وتفرتكيها عليا!! هو انا رقاصة وهترمي عليا نقطة
قالها ضاحكاً فضحكت هي بدورها بصوت عالِ حتى تلفتت حولها لأن البعض إنتبه إليها، لكزها عمر بخفة في المقعد بقدمه حتى تنتبه.
ارتشفت بعض الماء وأردفت له
_اما بالنسبة للرواية فهي خلصت، وحالياً انا بظبطها تماماً وبظبط اللغة والتنسيق وكل الحركات
_تخيلي ان دي أول مرة ي إيمان تكتبي حاجة ومعرفهاش ولا تحكيلي عنها
إزدردت إيمان ريقها وتوترت قليلاً، فتناولت كوب العصير الخاص بها احتست القليل ووضعته وهي تردف
_عادي.. قُلت مش مهتم
اومأ عمر برأسه نافياً وأردف لها واضعاً سبابته وإبهامه على ذقنه
_بس انا عمري م قولتلك احكي ي ايمي، كل مرة بتحكي انتِ وتقوليلي وتستفيضي كمان
رمشت ب اهدابها ووجهت بصرها بعيداً عنه قائلة
_يبقى مجاتش مناسبة
_طب م تقوليلي دلوقت إحنا فيها، الرواية ايه موضوعها المرة دي
ابتسمت ايمان ب اصطناع وقالت
_مصمم يعني؟
_جداً، وكمان عشان المرة الل فاتت حضرتك طلعتيني اعرج واخ للبطلة في الرضاعة وشحورتيني
ضحكت ايمان بقهقهة عالية واكمل عمر لها
_المرة دي بقا مين طالع إيه ياست الكاتبات كلهم
عضت ايمان على شفتها السفلى ومن ثم نظرت إلى ساعة اليد خاصتها ونهضت قائلة
_لاااا انا ضيعت وقت جامد هنا وماما عندها ميعاد مع دكتور الأسنان وانا هروح معاها
نهض عمر وهو يقوم بجمع اشياءه من أعلى الطاولة مع قوله
_طب إستني عشان أوصلك
_طب يالا
خرجا معاً، إرتدى عمر خوذته واستقل دراجته البخارية وصعدت خلفه إيمان تحتضن ظهره وانطلق متوجهاً إلى منزلها.
___________
_انتِ بتقولي إيه؟ عاوزانا نقتله؟!
هدرت السيدة بالرجل قائلة بعصبية
_بقولك بدء يشك فيا ويسمع كلام الجيران والناس، استنى إيه لما يطلقني ولا يفضحني ومينوبنيش من المولد حاجة!
ارتبك الرجل من قولها وأخذ يفكر وهو يعض أنامله، لكزته السيدة بعنف في أحد كتفيه قائلة
_إخص عليك راجل خيخة من دون الرجال.. يعني كان حلو نعشق بعض فالضلمة ودلوقت لما رجلي جت فالخية تخاف وتفكر
_أيوة بس دا قتل، قتل نفس زيه زينا يا ولية
حدقت السيدة في وجه الرجل بنظرة شرسة وقالت
_ماهو لو متغدناش بيه، هيتغشى هو بيا وبيك.. وفلوسه والبيت والمحل مش هينوبني منهم قصقوصة
اردف الرجل بنبرة خائفة مرتعب
_يعني هو لما نقتله هتورثي حاجة؟ ما هيعرفوا الحكومة ويقبضوا علينا
_انت بس تسمع كلامي والموضوع هيخلص وانا وانت برة الحكاية خالص، وهورث.. وهنتجوز
امشي بس ورايا، والل أقولك عليه تعمله، آمين!
صنعت عقارب الساعة صوتاً عالياً هذة المرة دي، اختفى المشهد من أمام عيناي.. وضعت يدي على أذني لم استطع إحتمال الصوت كثيراً.. ظلت العقارب تسير عكساً تصطنع تكتكة جعلت كل جزء في جسدي ينتفض حتى صرخت بصوت عالِ لم أدري إلا ووالداي يدخلان غرفتي مقتحمان خائفان من صراخي العالِ.
انهارت قواي وجثى جسدي أرضاً فقامت والدتي ب إحتضاني بشدة وانا اصرخ واصرخ لم اتوقف عن الصراخ، تهدجت انفاس أمي وهي تحتضنني وتراني هكذا، هدر بيا والدي قائلاً
_نايا فيه إيه؟ أنا مش فاهم حاجة ومش عارف مالك
كنت استمع إليه لكني لا استطيع إجابته.. كل ما عليّ هو الصراخ.. الصراخ فقط وصوت تكتكة عقارب الساعة مازال يدوي، اردفت من بين صراخاتي
_وقفيها يا ماما وقفيهاااا
_أوقف إيه يانايا يا حبيبتي بس
_الساعة... الساعة يا ماما
نظرت والدتي ناحية الساعة، لاشئ غريب يطرأ عليها، لم تكن أمي وأبي في الحالة التي تسمح لهم بفهم مابي، كل ماعليهم هو انهم يحاولا اخراجي من حالتي تلك إلى حالتي الطبيعية كما كنت.
وفجأة!
توقف صوت الساعة، فتوقفت تشنجات جسدي وإرتجافه، فسكنت ب أحضان أمي وهدأت قليلاً، رفعت أمي بصرها إلى والدي وأردفت
_وبعدين يا رفعت، وبعدين نايا هتضيع مننا
سمعتها، سمعت نبرتها المتألمة.. سمعت تنهيدات والدي دون جدوى، لايعلم من أين يبدأ وما السبيل إلى استشفائي مما أنا فيه، وما الذي أنا فيه من الأساس؟!
ساعدتني أمي للنهوض وقام والدي ب إسنادي حتى ساعدوني اصل إلى فراشي، وضعني أبي ورفعت امي ساقيا ف اردف ابي بصوت هادئ
_خلاص انا هسأل عن احسن دكتور صحة نفسية وهحجز لها ونروح مينفعش نصبر اكتر من كدا
جدحته والدتي بنظرة لائمة ف اردف هو
_البنت مش بخير، ويقولوا مجنونة يقولوا المهم نايا ترجع زي م كانت وخلاص انتهى الأمر هعرضها على طبيب نفسي يعني هعرضها..
_________
_جميلة الدُنيا وأنا جنبك يا أطيب رٌكن في الزحمة،فاكر جملتك ليا دي يا إياد!
قُلتها وانا انظر في الفضاء أمامي، تحسست كف يد تربت على كتفي بحنو.. إلتفت ُ نحو الشخص ف وجدتها إيمان.. ابتسمت لها ف اردفت لي
_سألت عليكِ قالولي هلاقيكِ هنا، كُنتِ بتتكلمي ولا أنا بيتهيألي
أومأت برأسي ان لا عليها وامسكت بيديها الدافئتين أجلستها بجانبي على المقعد الخشبي في نهاية الحديقة، اخرجت هي حقيبة صغيرة بلاستيكية بها شطيرة ذات رائحة تدغدغ الشهية ومدتها إلي
_جبتلك سندوتش الشاورما السوري الل بتحبيه، أكيد هنا مش هتجيبيه
تناولت منها الشطيرة وتناولتها ب نهم، فقالت هي لي
_لسه محدش بيزورك
ابتعلت وقلت لها بسخرية
_من أي فريق منهم؟
تعجبت هي وضيقت بين حاجبيها وقالت لي بتساؤل
_مش فاهمة
_يعني من الأحياء ولا الأموات
أومأت ايمان برأسها متفهمة وقالت لي
_بقصد الأحياء
_طبعاً كلهم بييجوا، بس انا مش بحب اقابل حد منهم
_طب ليه
_عشان هقابلهم واقول إيه، هما عاوزين يتطمنوا إني بخير، خلاص تمام انا بخير
وفروا مجياتكم
مسدت ايمان ذراعي برفق وقالت لي
_طيب ما انت بتوافقي تقابليني
_عشان انت مصدقاني.. هما شايفين اني عيانة وبخرف او بيتهيألي حجات
حدقت ايمان بعيناي وقالت لي
_كلهم مش مصدقين يا نايا..
_كلهم، حتى لو استثنيت منهم حد، فهو حتى لو مصدقني شايف ان وجودي هنا فيه مصلحتي
شايف انها مجرد هواجس ليس إلا هتروح بالعلاج
توقفت عن تناول الطعام وأردفت إلى ايمان بحديث يحمل نبرة السخرية وكأنهم أمامي الآن
_هيروح ب إيه الل انا فيه؟ بجلسات الكهربا المميتة الل بيدوهالي! ولا بالادوية البشعة الل برجع منها كل ما أخدها! انا زي م انا اهو مفيش جديد، لسه بشوفهم بل وبقيت بتعامل معاهم كمان مبقتش بخاف
ليه مصممين افضل هنا عشان أخف!! انا معنديش مرض نفسي ولا عضوي، انا فيا لعنة مش راضية تتفك ي إيمان، انتِ الوحيدة الل صدقتِ.. انتِ الوحيدة الل فهمتيني
كعهدها، عانقتني حينما تقف الكلمات في حلقها أمامي تقوم بعناقي بسرعة كي تداوي ما ينزف من جراحي.
هدأت بداخل احضانها.. وعُدت لأكل شطيرتي بنهم كما كنت، فلايفيد البكاء على اللبن المسكوب
وما مضى قد مضى وإنتهى الأمر.
________
_هتجيبي حقي؟
اول كلمة وقعت عليها عينا ايمان حينما عادت إلى المنزل وفتحت حاسوبها تقرأ روايتها ككل يوم، قد توقفت البارحة وها هي اليوم تتصفح وهذه الجملة امام عيناها، نهضت تحضر كوباً من القهوة المثلجة_آيس كوفي_ واحضرت بعضاً من المقرمشات وجلست، وبدأت القراءة ككل ليلة.
_هتجيبي حقي؟
هدرت في وجه الجثة المتفحمة التي أمامي قائلة
_ايشمعنا أنا؟ ايشمعنا انا الل اجيب حقك وحقه وحقكم كلكم.. ليييه انا اعيش حياتي الجاية بالشكل دا ليه؟
دنى مني بجثته التي يفوح منها رائحة الشواء، أكاد اختنق من رائحته وأردف لي متوعداً
_عشان لو رفضتِ تساعدينا، هتتلعني
شعرت بالخوف فقلت متسائلة
_يعني إيه؟
_يعني أنا لسه مموتش.. هما لسه مقتلونيش، لسه قدامك فرصة تنقذيني
ولو ملحقتنيش.. يبقى لازم تساعديني وتردي لي حقي
وفكل الحالات انتِ خلاص دخلتِ اللعبة، ونهايتها ب نهايتك!!
قالها واختفى من أمام ناظري ، اجفل جسدي كلياً واحتضنت نفسي أطمأنها وأنا أردد
_نهاية اللعبة بنهايتي... بنهايتي أنا!