الفصل الرابع
--
_أنا مش لازم أكون هنا دلوقت!
امعن النظر ذاك الطبيب النفسي في وجههي وأردف بهدوء
_أومال عاوزة تكوني فين يانايا؟
_انا لازم الحقه قبل مايموت
_هو مين؟
_مانا حكيت لحضرتك، انا بشوف ارواح ناس بتكلمني زي م حضرتك بتكلمني كدا، بيبقوا عاوزين الحقهم.. عاوزين حقهم.. وفيه واحد هيموت وانا بس الل عارفه ولازم انقذه
قُلتها هادرة به ب عصبية ف أومأ لي بهدوء قائلاً
_مفيش حد بيعلم الغيب يا نايا.. مفيش حد بيعرف الل هيحصل قبل م يحصل، دي غيبيات ربنا خصّ بيها نفسه وبس عز وجل
نهضت واقفة وانا اتحدث بنبرة عصبية
_هو حضرتك مش مصدقني ليه؟ الل بقولهولك دا بجد ودا السبب الل مخليني تعبانة وحالتي مش مستقرة ومش طبيعية وعشان كدا بابا جابني هنا
هتف لي وهو على نفس وتيرة هدووءه
_طب ينفع تقعدي؟!
_أنا هقعد اتكلم ليه مع حد مش مصدقني؟!
_طيب مصدقك، وهشيل من دماغي اي منطق دلوقت.. بس قوليلي إيه السبب ف الل بيحصلك
زفرت بعمق وأطلقت انفاس حارة من داخل قلب موجوع وأردفت
_معرفش، من يوم عيد ميلادي
أخذ يدون أمامه وهو يردف لي
_تفتكري إيه الجديد الل طرأ على حياتك من يوم عيد ميلادك؟!
عبست بوجهي وعقدت حاجباي اتحدث بنفاذ صبر من بحثي عن السبب
_معرفش، مفيش جديد.. تقريباً حياتي كلها ماشية زي م كانت م عدا الل بيحصللي دا
وضع الطبيب القلم وتحدث إلي بعدما عدّل من وضعية نظارة النظر خاصته
_قرأت في كتاب خاص بالأرواح من قريب؟ أو أي حاجة يحويها الحديث عن اللعنات والغير منطقي والماورئيات؟!
أومأت نافية مع قولي
_أنا اصلاً مش من هواة الحجات دي
دوّن شيئاً ونظر لي قائلاً
_طيب كتبتلك على أدوية مُهدئة هتخليكِ أهدى وتخفف الهواجس دي لحد م تختفي تماماً
نظرت له آمله ان ما يتحدث به يكون صحيحاً ف أردفت
_يعني فعلاً لما آخد الدوا دا مش هشوف أرواح الناس الميتة دي تاني؟!
_بنسبة كبيرة آه، ومع إلتزامك بالعلاج هتنتهي تماماً مشكلتك وترجعي لحياتك الطبيعية، أشوفك الجلسة الجاية
أعطاني قائمة العلاج الورقية وانصرفت خارج غرفته لأجد والدي ينتظرني بالخارج، هم واقفاً حينما رآني وضم رأسي له بحنان وهو يردف
_إيه الأخبار يا حبيبتي؟!
_كتبلي دوا بيقول هيخليني اتحسن
_يارب يا نايا يتم شفاكِ ع خير وترجع ضحكتك الحلوة من تاني
ابتسمت له ب إمتنان وترجلنا سوياً خارج العيادة نحو سيارتنا، استقلناها وانطلقنا نحو المنزل كي نطمأن والدتي..
__________
رن هاتف إيمان جعلها تنتبه وتعود من غوصها داخل قصة نايا، اغلقت الحاسوب وأجابت الإتصال
_أيوة ياعُمر
_إيمي البسي وإجهزي عازمك على كريب
أتاها صوته فرحاً ف سألت عن السبب
_خير، فيه إيه شكلك مبسوط
_اتقبلت في مكتب رشاد خيرالله ومن بكرة هستلم ان شاء الله
ابتسمت إيمان لسماعها تلك الخبريات الحلوة، أخبرته انها مسافة طريقه إليها ستكون استعدت كي يبدأ احتفالهم بالوظيفة الجديدة.
وفي الموعد كانت متأنقة تنتظر عمر الذي لاحت دراجته البخارية من بعيد وهو يقودها مُبتسماً، توقف عندها وبعد القاء السلام وتصافح اليدين صعدت إيمان خلفه وإلى مطعم مشهور بصنع الكريب فقط ذهبا إليه كي حتفلا سوياً.
مضى الوقت بين ترتيبات عمر الجديدة بين العمل وبين مذاكرته للدراسات العليا كي يحصل على درجة الماچيستير، كانت تأكل بنهم وتستمع إليه ومن ثم أخبرها بشئ لم تكن تتوقعه في الوقت الحالي
_وبعدين ياستي نشتغل شوية، شوية فلوس حلوين.. أنجح في الدراسات العليا ونفضى للتقيل بقا
قالها غامزاً ب إحدى عيناه لها فقالت هي
_إيه التقيل بقا
_هخطب ان شاء الله
رفعت إيمان إحدى حاجبيها له وقالت بإستفهام
_طب مبروك، مين العروسة؟
تصنع عمر التفكير وأردف
_واحدة كدا غلباوية شوية.. لمضة شويتين، متقمسة دور يوسف السباعي
ابتسمت وهي تنظر له ساخرة
_لو لفيت الدنيا ماليش غيرها، إستحملتني وانا طالع عيني فالدراسة وياها، واستحملتني في قرف الشغل
وكانت جمبي طول الوقت من غير م أطلب
عقدت ايمان كفيها ووضعت رأسها فوقهم وقالت
_دي مين بقا ان شاء الله؟
رفع عمر شفته العلوية حانقاً مع نظرة استهجان مضحكة وأردف
_الست والدتي!
ضحكت إيمان بقهقهة عالية وقالت وسط ضحكاتها
_ياااه اول مرة أشوف بيخطب مامته
قالتها وغرقت في موجة ضحك، ضحك هو بدوره بسبب ضحكاتها وامسك يدها برفق قائلاً وعيناه تتقاطر محبة
_إنتِ، محبتش إلا انتِ.. ومش هتجوز غيرك
سرى الدم حتى توردت وجنتي إيمان فشعرت بالخجل إثر كلماته ولمسة يداه لها، سحبت يدها برفق وقالت له
_وانت عارف اني دايماً مستنياك.. واني مش عاوزة اشارك حياتي مع حد غيرك
_ودا ف حد ذاته رزق يا إيمان
خجلت هي فنظرت لأسفل قدمها وامسكت بالطعام تتناوله كي تلتهي عن نظراته، رن هاتفه ف اخرجه وجد المتصل خاله ف اجاب متعجباً
_ألو.. ايوة يا خالو، إيه حاولت تنتحر؟!
طيب أنا جاي حالاً
اتسعت حدقة عين إيمان متفاجئة ف طلب منها عمر انهاء طعامها كي يوصلها ف هناك طارئ جد عليه ولابد من ذهابه إلى منزل خاله فالتو.
وافقته إيمان ونهضت تضع اشيائها في حقيبته وتبعت عمر حتى دراجته البخارية كي يلتحق ب هذا الأمر الجلل الذي جعله ينتفض من مكانه فور سماعه.
_____
عادت إيمان إلى منزلها شاردة، لاحظتها والدتها ف سألتها عما بها ف قامت ايمان بمداراة ما بداخلها وقالت اي سبب واهي كي تلتهي أمها عنها قليلاًولكن هيهات.. شعرت الأم بشئ ما ب ابنتها جاعلاً تفكيرها مشتت هكذا وشريد ف اردفت لها
_متأكدة ي ايمي انك بخير؟ فيه حاجة حصلت بينك وبين عمر؟
_عمر!
فاهت بها ايمان وهي شاردة ف اكملت والدتها
_اه، انتِ مش كنتِ معاه؟
أومأت إيمان برأسها ايجاباً، تحدثت امها عن علاقتهما من باب الشئ بالشئ يذكر، وأن لابد وان يكون هناك رباط رسمي بينهما بعد كل هذة السنوات من الحب والتعلق والارتباط.
اجابتها ايمان بنصف ذهن وهي ايضاً شاردة انه فاتحها اليوم بشأن خطبتهما وستكون فالقريب العاجل.
_مفيش اخبار عن نايا ي إيمان؟
انتبهت ايمان مع إطلاق شهقة صغيرة سمعتها امها وأردفت
_نايا!
_اه نايا.. مفيش اخبار جديدة عنها
_من آخر مرة روحت معرفش حاجة عنها
_كانت كويسة؟ بخير يعني؟
تنهدت إيمان بعمق وقالت وهي تهز رأسها مع نهوضها وترجلها نحو غرفتها
_ادعيلها ياماما تبقى بخير.. ادعيلها
تعجبت والدتها من قولها ولكنها آثرت الصمت كالعادة إلا أن تأتي لها إيمان طواعية وتقص عليها كل شئ.
______
بدلت ايمان ثيابها، وضعت هاتفها على وضع الصامت وفتحت الحاسوب على رواية نايا، عند الصفحة التي انتهت عندها واكملت..
_ماما انا عاوزة اروح مكان اسمه كفر صقر في الشرقية، لو قدرتِ تيجي معايا وتساعديني يبقى كويس أوي
هبت والدتي من مكانها واقفة وقالت بذعر
_كفر صقر وشرقية إيه الل اوديكِ ليها! مالك ي نايا فيه إيه
_ياماما لازم انقذ واحد من الموت، ارجوكِ ساعديني.. انا مش بنام بسببه وهو تعبان بسبب سكوتي
هدرت أمي في وجهي مع نفاذ صبر منها
_هو مين دا يا نايا؟! مين يا حبيبتي لما بتتكلمي كدا بتزعليني عليكِ أكتر
جلست لأقرب مقعد وقد خارت قواي، انني احارب طواحين الهواء وحدي بلا جدوى، لا أحد يصدق
لا احد يمكنه فعل شئ، دلفت إلى غرفتي وتبعتني امي تحمل كوب من الماء وامسكت ب اقراص الدواء خاصتي تحثني على اخذ جرعتي، تناولت دوائي وربتت هي على رأسي وخرجت.
الهواجس لم تذهب مثلما اخبرني ذاك الطبيب، الأفكار والملاحقات لم تتركني بعد، وماذا افعل يارب؟ أغيثني انت المغيث..
نمت على ظهري على فراشي أحدق بسقف الغرفة، وضعت يدي على مصباحي الجانبي هدية إياد واخذت اطفئ تارة وأضئ تارة، اطفئه تارى واضيئه تارة.. حتى توقفت عقارب الساعة وسارت العكس بسرعة رهيبة.. صنعت الصوت إياه الذي يجعلني ارتعب في مكاني، على هذا النهج حتى ظهر هو من بقعة فضاء امامي يلوح بهالة وأدخلني بها..
رأيتها.. هي السيدة التي رأيتها من قبل، تضع قرص مجهول ب كوب الشاي وتناوله إياه، جلست بجانبه تتصنع الغنج والدلال عليه، تناول القتيل الشاي دون احتراس وفي تمام ثقته بها، واثناء مشاهدتي لما يحدث وجدت روحه تقف بجانبي وتردف
_دا بيحصل دلوقت، هيموتوني الليلة!!
اجفل جسدي مما اخبرني به، نظرت لها تنتظره يفقد وعيه حتى هاتفت احد وبعد مضي اقل من خكسة عشر دقائق، ذلك الرجل الذي رأيته من قبل يتحدث معها بشأن قتله لزوجها.
آتى ووضعوه بفراشه، وقامت الغانية المجرمة ب اغواء الرجل الذي حضر، عشيقها.. ف لهث هو كالكلب وانقض عليها يفترسها وبجانبهم ممدد زوجها، اقاما علاقة محرمة على مرآي ومسامعي دون شعور بالذنب لذاك النائم في سبات عميق بجانبهم.
وحينما انتهيا، نهضا يرتديان ملابسهم وانتظرا وقت حتى نام كل من بالقرية، قاموا بحمل "عبدالرزاق" إلى _التوكتوك _الذي يمتلكه وشرع الرجل في تشغيل التوكتوك ف وضعت السيدة يدها على يده وقالت بصوت خفيض
_متدورش المكنة، لو دارت هتعمل صوت، تعالى نزقها لحد المصرف العمومي بعيد عن هنا
وهناك نخلص منه
سمع الرجل لكلامها وظلا يدفعان التوكتوك حتى المكان المنشود، اخرج الرجل وعاء كبير بلاستيكي بغطاء من التوكتوك من الخلف وفتحه وقام بسكب مافيه وساعدته السيدة حتى افرغوه تماماً
وما ان انتهيا، اشعل الرجل عود ثقاب وقذفه عليه حتى اندلعت نيران حمراء، تنقلب للون الأسود من شدتها.
وقف عبدالرزاق بجانب الحريق تبكي روحه ووقفت نايا بجانبه ف اردف لها بصوت متهدج
_انتِ ملحقتنيش من غدرهم، بس هتعرفي تردي حقي صح؟!
أومأت نايا بالنفي ف أشار لها عبدالرزاق على مكان الكاميرات بالصيدلية القريبة من موقع الجريمة، والتي كشفت كثير من الجريمة ومن وجوه فاعليها!
وعلى الفور باليوم التالي، ذهبت نايا إلى اقرب محل بقاله به هاتف، هاتفت الشرطة واخبرتهم انها فاعلة خير وانها من سكان مدينة كفر صقر ب الشرقية وانها رأت جربمة قتل وتريد الإفصاح عما رأت وهناك دلائل اذا استعانوا بكاميرات الصيدلية القريبة وايضاً جزء من جلباب الرجل قد دعست عليه عجلات التوكتوك اثناء دفعه له فقطعت وهي موجوده في مكان الحادث على بعد قليل من التوكتوك المحترق، وايضاً اخبرتهم انها لا تستطيع الادلاء ببياناتها الشخصية خوفاً منها من بطش من فعل الجريمة، ادلت ب اسمائهم واغلقت الخط.
عادت إلى المنزل ليس ب اشراقة المرة السابقة حينما حررت روح أشرف، بل انها كانت خائفة لإنها بهذا الشكل ستكون على ميعاد بقصة جديدة وضحية جديدة وما يدريك هل ستنقذه قبل الحدث مثلما يطلب اما سيفوت الاوان!
_____
بقلب عاطفيّ وعقل منطقيّ؛ وحيرة ما بين الأمرين، أحب كَوْنِي أنا
البكّاءة من مشهد في فيلم أو رواية؛ الداعمة لكل أحد، القارئة في أي مجال وحكاية.
المنطلقة الخجولة، المستهترة المسؤولة، القوية اللينة، الحالمة العاقلة، الساذجة الذكية، المحنّكة العفوية، الهادئة الشقية، المعاصِرة الكلاسيكيةالواثقة الخائفة، ، المفكِرة العامية، العادية الاستثنائية، الرقيقة الحمولة، الخفيفة الوقورة، الثرثارة الكتومة، الطفلة البالغة، البسيطة المعقدة، انا كل شئ وعكسه،بين عاطفة ومنطق أتأرجح!
احب كوني شخص يصعب عليك فهمه، وعليّ أنا ايضاً، يُقال هنا نقطة ومنذ بداية السطر، س أقص حكاية نايا ذات القلب الذي يجمع بين الحب والخوف!
إذا سألتني لماذا قلبي يجمع بين هذان، سأخبرك في سطور قصتي إنني فقدت قلبي النابض بين ضلوعي للأبد، وما أعيش به الآن ماهو إلا عضو يقوم بوظيفته فقط، كي أعيش، او كما يظنون إنني بينهم أعيش وأحيا.
مابات الأمس عديم الوجود بات اليوم ظاهراً.
الآن فقط أستطيعُ أن أُديرَ ظهري للعالَم،وأنا واثقٌة أنه لن يفوتَني شيءٌ منه، لأن العالم كُلَّه هنا, معي!
أتريدون أن تعرفوا ماهو العالم بالنسبة لي؟! حسناً ترقبوني حينما إستمع إلى صوته..
_نايا!
إلتفتت إلى حيثما سمعت نبرات صوته التي لطالما أفتقدتها، اجفل جسدي على إثره، وجدته واقفاً أمامي.. جسده مبتل للغاية والماء ينهمر من كل مكان في جسده، اقتربت حد شوقي إليه ومن ثم توقفت
_إياد.. وحشتني!
_أكيد مش أدي يانايا، هو انا أخيراً هنا معاكِ؟!
حاولت إخفاء دمعة لاحت في زاوية عيني، وتحدثت معه بحبور
_أنت هتفضل معايا... وللأبد!
أدرت ظهري له وامسكت ب علبة العصير المعدنية التي خبأتها من عاملة النظافة ولم القِ بها في سلة المهملات، خبأتها وصنعت منها سلاحاً مدبب بعناية، امسكته ونظرت إلى حبيبي إياد الذي يقف أمامي الآن يلهث دون شعور منه أين هو..
وضعتها على شريان يدي، نظرت إليه وتمتمت بصوت خافض "بحبك.. وهفضل معاك للأبد"
قمت بقطع جلد يدي بحدة حتى قًطع الشريان وسرت دمائي الدافئة من يدي إلى الأرض، ظللت على نظرتي له ثم خارت قواي وفقدت وعيي.. أخيراً فقدت وعيي، أخيراً انا لا إلى هنا أو هنا انتمي، أخيراً انا له وهو لي..