كل الموانيء متشابهة ...نفس الغربة والبرودة والوحدة وموت الشغف... طعم ملوحة البحر لا يفارق فمي.
جلست منزويا في مقهى يرتاده البحارة،تعلو ضحكاتهم وهم يتحدثون عن مغامراتهم وحبيباتهم وكلما علت الضحكات وكثرت الثرثرة كلما قل وعيي فلم أعد أسمع شيئا وكأنني أصبت بالصمم .
يأتي متمايلا ومجاملا لرواد المقهى يضع فنجان قهوتي الأبيض أمامي ويرحل...
أنظر لفنجان القهوة الذي تطفو على سطحه فقاعات صغيرة تذكرني بحياتي التي تعودت على ملئها بفقاعات تشغل حيزا دون وجود حقيقي..
حتى رائحة القهوة لم تعد تثير في تلك العاطفة السحرية التي تجعلني متلهفا لقبلتي الأولى للفنجان الذي يحمل تعويذة لا أستطيع فك رموزها ..
فكرت في تدخين سيجارة ، بحثت عن القداحة بداخل سترتي وبعدما وجدتها أخرجتها وتذكرت أنني أقلعت عن التدخين منذ زمن.
ذكرتني القداحة بآخر سيجارة دخنتها يوم أهدتني هي هذه القداحة...كانت تجلس قبالتي تمسك بها اقتربت فكاد العطر يقتلني ...أشعلتها وتراجعت...كان لقاءنا الأخير.
اليوم التالي كنت أحمل لها ورودا لأضعها على قبرها كانت تلك آخر مرة أشتري فيها ورودا...
قابلت كثيرات جميلات ويضعن عطورا أشد جمالا من عطرها ولكن لم تكن أي منهن هي....
الحب لعنة وجنون ووسم لا يستطيع أحد محوه إلا من أوجده،حبها كان مقدسا كحب الوطن، توجهت لدار العبادة أيام قضيتها في البكاء والدموع والتوسل والصلاة إلى الله أن يرحمني أن تحل ذكراها عقالي أن ترحل عني ومني.
ما دمت حيا أريد الحياة...بل أتعطش للحياة ولكن أن لي ذلك
لم تجد صلواتي ربما لأنني لم أكن صادقا في طلبي.
هي الشيء الوحيد الحقيقي الذي مررت به في حياتي،لم تكن فقاعة،كانت كهفي السحري وغرفة أسراري،تكفي أن تبتسم ليصير الكون أمانا ويعم السلام الأرض وتنتهي الحروب ويرحل الإحتلال ويضحك الأطفال وهم سعداء حقا.
لم أستطع إكمال قهوتي، تركت الحساب على الطاولة ووقفت ألملم معطفي وتوجهت لباب المقهى .
وقفت أمام الباب لبرهة،ضوعة عطر مرت مست خدي بدفء أثير واختفت... دمعة ازدردتها عيني ورجفة...
مشيت في طريقي وحدي متوجها لميناء جديد.