هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • بونبونايه بدون الكتاب
  • ظاهرة القبلات بين الرجال و النساء!
  • أمي القوية
  • ذكرينــي
  • شكرا لسيدنا يوسف
  • المهر كان غالي 
  • نختلف، ولا نحتد
  • قماصين وقماصات
  • بين العمل والنتائج،، مقال
  • ما بال هذا الهيام..
  • مَواسم الفُراق
  • التسويق في مصر بعافية ١
  • حسان و السمان
  • تداعيات إشكالية
  • عندما يكون الإسهال عرضا جانبيا لدواء ..
  • كتابي السِفر
  • لغة البتاع
  • وطأت قدم
  • أتدري أنها فانية؟!
  • كلمتي الختامية من ندوة مناقشة رواية حيوات الكائن الأخير في مختبر السرديات 
  1. الرئيسية
  2. مدونة صفاء فوزي
  3. الوفاء في زمن الخيانة - ج6

أسرع الجميع نحو مصدر الصوت، فإذ بمنال تبكي بشدة، وتحتضن صورة أختها سميحة، ولكنها عندما رأت الجميع يقتربون منها، أخذت تجفف دموعها بسرعة، واعتذرت منهم، فهي لا تريد إثارة حزنهم وتجديد وجع الفقد المرير، ولكنها أختها ونصفها الآخر فكيف لا تحزن عليها! فلم تستطع منع نفسها من البكاء. واساها الجميع وشدوا من أزرها، ورغم أنّ كل كلمات المواساة لا تفيد، ولا تخفف ما تشعر به منال من ألم، وحنين وشوق باتت نيرانه تحرق الفؤاد داخلها حرقا، إلّا أنّها كتمتْ حزنَها وأخبرتْ الجميعَ أنّها بخير، وتوجه الجميع للنوم بعد يوم طويل، أمّا سمر فغلبَها النومُ من شّدة التّعب بعد تفكيرٍ طويلٍ .
يشاء القدر أنّ ترى سمر والدتها في الحلمِ لأوّل مرةٍ منذ رحيلِها، كانت في حديقةٍ جميلةٍ واسعةٍ، تمتدُ على جانبيها الأشجارُ العاليةُ والأزهارُ تفوحُ بعبيرها، تقتربُ منهَا والدتَها وتعطيها سلةً فيها ثلاثةَ ثمارٍ من التّفاحِ الأخضرِ الجميلِ، ابتسمتْ سمر لها وأخذتْ السّلةَ، ثّمَ نادتْ عليها والدتَها واحتضنتْها وأخبرتْها بصوتٍ خافتٍ: - هذه السّلة لخالتِك منال، أعطيها لهَا، وأخبريها أن تعتني بهم جيّدًا فهم أمانة. استيقظت سمر وهي تبتسم وتضم يديها وكأنّها تحمل تلك السّلة، تذكرتْ الحلمَ وابتسمتْ ثم دعت لوالدتِها بالرّحمةِ والمغفرةِ. حلَّ الصّباحُ واجتمع الجميعُ على مائدةِ الإفطارِ، تحدّث الرجالُ عن الأعمالِ والتّجارة وقررُوا عودة الشراكة مع الحاج فتحي كما كانت بالسابق مع والده رحمه الله، أمّا سمر فكانت سعيدةً جدًّا، و لم تكفَ عن الكلامِ والمزاح وكادت تطيُر من سعادتها، الكلّ لاحظَ بهجتَها، وحفاوتَها بالضّيوفِ وخصوصًا بخالتها منالُ، يقال بالمثل العربي القديم{ الخالة نبض من الأمّ}. اعتلتْ البهجةُ والسّعادةُ وجهَ أحمد أخيرًا، لم تكنْ سعادةُ النّجاحِ ولا العيد بل كانت سعادة لفرحِ سمر وعودتِها إليه كسابقِ عهدِها، فقد رآها أخيرًا تبتسم بصّدقٍ دون محاولتِها إخفاءَ عكسَ شعورِها داخلَها، تلك الابتسامة الّتي ذبلتْ بعد موت أمّها، وقال في نفسه: أخيرًا عادتْ سمر للحياةِ، فكم أحب خفة ظّلها، وروحَها الشّقيةَ المرحةَ الّتي غابت عنها. فرغمَ محاولاتِه أن يخرجِها من صومعة الحزن وتعويضها عن غياب والدتها، إلّا أن سمر لم تشعرْ بالفرحةِ مثلمَا يراهَا الآن. مرَّتْ الأيّامُ سريعًا، وحان وقتُ الفراقِ مرةً أخرى، فقد عزمَ الخالُ فتحي على العودةِ إلى الصّعيد. هذا الخبر الّذي أوجعَ سمر؛ وسلبها منها غصبًا ومزّقَ داخلَها أشلاءً كأنّه خنجرٌ مسمومٌ، مزّقَ أوصالها وقلبهَا إربًا، و ظّلت طوالَ اللّيل تبكي. وفي الصّباح، حان موعدُ الرّحيلِ، اجتمع الكلّ باستثناء سمر، انتظروها طّويلًا وعندمَا حان وقت السّفرُ، اقترحت الخالة منال عليهم أن تذهبَ لتوقظَ سمر لتودعَها قبلَ سفرِها، دقتْ منال البابَ مرارًا، لكن سمر لم تفتحْ، فدخلتْ منال الغرفةَ، لكنَّهَا صعقَت ممَّا رأتْ، وأعلتْ صرخاتِها كطلقاتِ ناريةٍ مدويةٍ أرهبتْ الجميعَ وخطفتهم من اللحظات خطفًا. هرعَ الجميعُ على صراخِ منال؛ ففزعوا ممَّا رأوا؛ كانت سمر تنامُ وسيولُ الدمِ تنهمرُ من أنفِها، حاولَ والدُها إيقاظها ولكن دونَ جدَوى، أسرعَ أحمد وحملَها، واتّجهَ الجميع إلى المستشفى، والخوفُ والحزنُ يملأهم، وعيونهم دامعة وقلوبهم واجفة على سمر، أمّا أحمد فقدْ انهارَ بالبكاءِ، وكاد قلبُه يغادر الضلوع ليعانق سمر على فراش المستشفى، أخذَ يلفُّ ويدورُ، ويتحرّكُ يمينًا وشّمالًا، بعصبيّةٍ بالغةٍ، ودموعُه تتساقطُ شلالاتٍ لا تتوقفُ أبدًا، كانت حالتُه تزدادُ وتوترُه يتضاعفُ، حاولتْ أمّه أن تهدئ من روعه، فضّمتْه لحضنِها ولكن زادَ بكائُه. خافَ أحمد أن يشعرَ أحدٌ به، فنيران قلبِه تشتعلُ، وثوراتُ عقله تشتدُّ، فخرجَ بسرعةٍ قبلَ أن يرتكبَ أيّ حماقةٍ، واتجهَ إلى مسجدِ المستشفَى، وظّل يصلِي ويدعو الله وهو مجهشًا بالبكاءِ، حتّى أتاهُ والدُه ليبشرَه بتحسّنِ سمر، هنا خّرَ أحمد ساجدًا شكرًا لله على عودةِ سمر له، وعودةِ الحياةِ لقلبِه وروحِه. أسرع أحمد للاطمئنان على سمر فوجدها ضعيفة هزيلة؛ لا تقوَى على الكلام ولا الحركة، وتلك الأنابيب معلقة بيدها، فزاد حزنه وخوفه عليها، ولكن تمالكَ نفسَه حتّى لا يبكى أمامَها ويؤلمَها فاقتربَ منها، ومسكَ يدَها، يشّددُ عليها برفقٍ ليشعرَها بالأمانِ والقوةِ، ظّل ممسكًا يدهَا فترةً طويلةً، لعلّه يحملُ عنها هذا الألمَ والحزنَ، الّذي يملأ عيونَها الصّغيرة، حتّى راحتْ في نومٍ عميقٍ. اتجه أحمد إلى الطبيب، ليعرفَ منه حالة سمر، فأخبره الطبيب:-أنَّ حالةَ نزيفَ الأنفِ كان نتيجةَ ارتفاعَ ضغطِ الدمِ، ولكن لابد من إجراءِ تحاليل وأشعة لها للاطمئنان عليها، والتّأكد من عدم وجودِ سيولةٍ بالدمِ، وحتّى ذلك الوقت ستأخذُ العلاجَ وإلّا ستصابُ بنزيفٍ حادٍ. بعد سماع أحمد كلام الطبيب وفهمِه حالةَ سمر شعرَ بطعناتٍ متواليةٍ تمزقُ قلبَه، فلم يشف بعد من خوفِه عليها والآن يزيدُه القلقُ على مرضِها وصحتِها المتدهورةِ، لم يعدْ يرى شيئًا، وكأنّه وقعَ في بحر الظّلماتِ، وخرجَ هائمًا على وجهِه لا يعرفُ ما يفعل؟ يشعرُ بألمٍ شّديدٍ وخوفٍ و فزعٍ على سمر، يخافُ أن يتكررَ معهَا ما حدث لوالدتِها، ليجدَ أحدَهم يربتُ على كتفِه، إنّه والدُه يحاولُ أن يواسيه ويطمئنه أن رحمة الله واسعة، وأن الله سيحفظها. مرَّ اليّوم ثقيلًا على الجميع، وفي الصّباح استعادتْ سمر وعيَها، وفتحتْ عيونَها لتجدَ الجميعَ حولَها، ملهوفينَ عليهَا وقلقينَ جدًّا. فرح الجميع بسلامةِ سمر، واعتذرتْ سمر للجميعِ، على كلّ هذا القلقِ والتوترِ، وما لبثت أن انفجرت في البكاء قائلة-: لقد حزنتْ بشدّةٍ لأنّ خالتي منال ستسافرُ وتتركنِي، بحضورِها شعرتْ كأنّ أمّي عادتْ للحياةِ، ثّم ما إن علمتْ بنيةِ الرّحيل شعرتُ أنّ أمّي ماتتْ مرّةً أخرى فانفجرت مدامعي طوالَ اللّيلِ، وبعدهَا لم أشعرْ بشيء، احتضنتْها منال وطمأنتْها بأنّها ستّظل معهَا، ولن تتركهَا أبدًا، وأكّد على كلامها الحاج فتحي بأنّه سيسافرُ هو، ويتركُ منال مع سمر والأولاد، في هذه اللّحظة ابتسمتْ سمر، وشكرتْ خالها فتحي بشّدة، وتذكرتْ الحلم الّذي راودها سابقًا وقصّته عليهم ببراءةٍ، فسكتَ الجميعُ، فالحلمُ كان رسالة من والدة سمر، تسلمُ أختَها أمانةَ رعايةَ أطفالِها، واخترَقَ هذا الصّمت صوتُ الطّبيب، يطالبُهم بالمغادرةِ حتّى تستريحَ المريضةُ، ولكن سمر لم تفلَت يدَ منال، راجيةً من الطّبيب أن تظّل هي معها، فوافقَ على مضضٍ. قرّر الحاج فتحي تأجيل سفره، حتى يطمئن على سمر وتعود إلى المنزل بسلام. وفي حجرة الحاج عبد الله والد أحمد، نظرت له زوجته وهي تقول متحمسة: - وجدتها يا حاج عبد الله، سبحان الله في حكمته وتدبيره، (العبد في التّفكير والرّب في التّدبير)، بالأمسِ القريبِ كنا نتحدثُ عن زواجِ الحاج عبد القادر، والحمد لله بعثها الله لنا، أنّها تدابير الله القدير. احتار الحاج عبد الله من كلامها وتعجب وقد لمح في عينها لمعة الفرح كمن وجد كنزا ثّمَ قالَ لها:- هل هذا وقته؟!، ما زالت سمر مريضة، وأنتِ تتحدثين عن الزواج.
أجابته زوجته: - افهمني رجاءً، باختصار أقصد منال ستكون أنسب واحدة للزواج ِمن أخيك؛ سمر تحبّها ومتعلقةٌ بها فهي تشعر كأنّ أمّها عادت من جديد، وما حدث لسمر بسببِ خوفِها من فراقِها، وحلم سمر إشارة لذلك، منال محترمة وعاقلة وتحب الأولاد، وهم يحبونها.
نظر الحاج عبد الله إليها بسعادة وهو يقول: - ما شاء الله عليكِ، اختيارٌ موفقٌ جدًّا، وفكرةٌ رائعةٌ، دائمًا ما تشيرين عليَّ بالخيرِ أتمنَى من الله أن يتمَ هذا الزواج؛ سيكون الأفضل للجميع، سوف أُخبر أخي ونتناقش في الأمر لاحقًا.
مرّتْ الأيّام سريعًا، واطمأنَ الجميع على صّحةِ سمر، حضّر الحاج فتحي وتّمَ الزواجُ في حضور العائلة فقط، كان الكلّ سعيد وعادت البهجةُ والحياةُ للمنزلِ، منال كانتْ رقيقةً، هادئةً، وحنونةً، احتوَت الجميعَ بقلبِها الحاني ولسانِها الحلو، وأخيرًا تنفَس أحمد الصّعداء، وانتهت امتحانات الثّانوية العامّة.
كبرت سمر وزاد عشقُ أحمد لها وخوفُه عليها، لكنه لم يخبرها بحبّه، واكتفَى بأحلامِه وأخفَى سرَه بقلبِه، كان ما بين روحه و قلبه أحاديثٌ لا تنتهي، وأحلامٌ يتمنَى أن تتحقّقَ، أمّا السّر الأكبر الّذي أخفاهُ عن الجميع، كان نتيجة التّحاليل كمَا طلبَ من الطّبيب ألّا يخبرَ أحدًا، فسمر ستعاني من سيولةٍ الدّمِ طوالَ حياتِها، ولابّدَ من حقنةٍ كلّ شهرٍ تأخذُها قبل الحيضِ بيومٍ وإلّا أصيبَت بنزيفٍ، لكنّه فضلَ إخفاء الأمر لحين وصولِها سنَّ البلوغِ، لعلّها هدنة للفرحِ والرّاحةِ قليلًا، ولكن السّر لن يُخفى طويلًا.
وبينما يفكر أحمد في أمر سمر، إذ بساعي البريد يدقُ البابَ، ويتركُ لهم خطابًا، يكتشفُ بعد ذلك أنّه مرسل من ألمانيا، يتعجبُ أحمد كثيرًا، أي خطاب هذا و من الّذي أرسله؟!

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1223 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع