الباشا.... 1
قبل القراءه:
هذه الحكايه شاهدتها بعيناي ولمستها بحواسي وشاركت فيها والتي بدأت أحداثها عام ١٩٦٠ وانتهت عام ١٩٧١ ولكنها لم تنتهي من ذاكرتي.......... بس خلاص.
هو سليل عائله عريقه كلها باشوات فجده كان برتبه لواء في جيش عرابي والمعروف ان كل من يحصل على هذه الرتبه كان يحصل على رتبه الباشويه بمرسوم ملكي أيامها... وابوه كان باشا وكذلك خاله واخته كانت الصحفيه اللامعه في مجله المصور أيامها ثم حصل على رتبه الباشويه في اربيعينات القرن الماضي بعدما عاد من فرنسا حاملا درجه الدكتوراه في القانون ثم عاد إليها ليحصل على درجه الدكتوراه في اداره الأعمال وكان ذلك عام ١٩٤٢ والذي جلس بعدها على مقعد في مجلس الدوله للاستفاده علمه الغزير...
هو نابغه في علوم القانون يقف أمامه العلم مستكينا وطائعا..
هو عبد الحميد باشا صدقي احد أصدقاء والدي المقربون وفي داخل الدائره المغلقه من القلب وبينهم موده شديده تتعجب منها وحب واحترام متبادل يحسدا عليه...
كان يسكن في فيلا، انيقه جدا مبنيه على الطراز الفرنسي ولها حديقه واسعه بها أشجار ومزروعات نادره وكانت هذه الفيلا تقع في شارع نوبار القريب جدا من المنزل الذي نسكن به وكنت كلما مررت أمام هذه الفيلا اتوقف قليلا لادقق في تصميمها او في الأنواع النادره الغريبه والعجيبه من المزروعات في حديقتها....
ملحوظه:
هدمت هذه الفيلا في ثمانينات القرن الماضي وبنيت على أرضها عماره كبيره جدا موجوده الان وبها فرع من فروع سوبر ماركت خير زمان....
رأيته لأول مره في الاجازه السنويه وانا في السنه الثانيه الثانويه وكنت جالسا على مكتب والدي في محله بالسيد زينب ووالدي يجلس على كرسي بجانبي وحضر هو مستقلا عربته الشيفورليه امبالا الفاخره ونزل منها ودخل المحل وبمجرد دخوله هب والدي من جلسته واحتضنا بعضهما بود ومحبه خالصه ثم قال الباشا لوالدى انا جاي افكرك بيوم الخميس ثم نظر نحوي قائلا ده ابنك فرد والدي عليه بالايجاب فقال له تجيبه معاك يارضوان هازعل منك لو ماجاش معاك ثم غادر فسألت والدي مين ده وايه موضوع يوم الخميس فقال لي والدي ده عبد الحميد باشا صدقي وهو متعود على عزومه اصدقائه المقربون يوم الخميس الأول من كل شهر على العشاء بفيلته ثم قضاء السهره مع حفل ام كلثوم يالا جهز نفسك علشان تروح معايا والبس بدله حلوه من بتوعك وانا هاشتريلك كرافته جديده......
اما عن وصفه فهو رجل طويل وعريض وله هيبه شديده وكان يرتدي بدله فاخره وكامله بالصديري والذي يتدلي من احد جيوبه سلسله ذهبيه الخاصه بساعات الجيب وبشرته بيضاء مشربه باللون الأحمر الذي يدل علي الصحه الجيده وتزين عيناه نظاره طبيه ذات إطار من الذهب الخالص وفي أحد أصابع يده خاتم ذهبي كبير ذو فص من الياقوت النادر ورأسه بها صلعه خفيفه ويحفها شعر اسود ناعم.
وجاء يوم الخميس فارتديت احسن بدله لدي وذهبت مع والدي الي الفيلا ودخلتها لأول مرة......!!!!!!
ويالله...... ياالله على ماشاهدته!!!
ارضيه باركيه من الخشب النادر تلمع لمعان المرايا ومفروش فوقها السجاد الإيراني ذو التفاصيل والرسوم البديعه والتي تغوص قدماك بداخلها علاوه على اثاثات متقنه الصنع وفي منتهى الإبداع وذات ذوق فني رفيع المستوى والفيلا كلها تحفه من تحف الزمان....
كان الباشا غير متزوج ولم يتزوج طوال حياته وكان يخدمه سبعه أفراد منهم سيده كلهم يرتدون ازياء مختلفه طبقا لوظيفة كل واحد منهم ويقودهم عم عثمان البشاري والذي من قبيله البشاريه المتواجده في منطقه حلايب وشلاتين على حدود مصر الجنوبيه....
المهم تناولنا العشاء الشهي والمتعدد الأصناف واستمعنا الي الوصله الاولي لحفل ام كلثوم ثم استأذن والدي في المغادره فقام الباشا بأهدائي قلم حبر ماركه تروبن الألماني الصنع والذي مازلت احتفظ به حتى الآن... وغادرت انا ووالدي الفيلا وانا في حاله نشوه شديده من العشاء والأحاديث الشيقه التي دارت بين الموجودين واناقه الحوار بينهم وهديه الباشا لي ثم في النهايه مما شاهدته من فخامه الفيلا وما بداخلها...
وبعد هذه الليله التاريخيه في حياتي بثلاثه اسابيع قام الباشا بدعوه والدي وانا معه لقضاء اجازه خميس وجمعه في عزبته ولبى والدي الدعوه وسافرنا مع الباشا في عربته الفاخره الي ان وصلنا ثم قمنا بجوله في حقول العزبه وأثناء سيرنا في احد الحقول نطحتني معزه نطحه مباغته فسقطت على الأرض فهرع والدي والباشا لي ولكني قمت مسرعا وانا اضحك وبسرعه استدعى الباشا احد رجاله قائلا له على العشا فلم افهم ماذا يقصد من عبارته هذه ولكن عندما دخلنا لتناول العشاء فهمت معنى عبارته فلقد رأيت هذه المعزه البائسه والتي لم تقدر عواقب نطحتها لي تتربع فوق سرفيس كبير من الفضه الخالصه ومشويه بالطريقه البدويه وبطريقه فكاهيه انيقه أشار الباشا للمعزه قائلا انا اللي يقرب منك ادبحه على طول ثم ضحك ضحكه عاليه وجميله ونحن معه.
كان الباشا يمتلك ٥٣٠ فدان وموجود عليها ١٠ أبراج للحمام وحظيره مواشي دخلناها وكانت اول مره في حياتي أرى البقر الفريزيان الضخم وكما علمت فيما بعد من والدي ان الباشا يقوم بتوريد الحمام المذبوح والالبان الي كبري الفنادق بالقاهره......
واشهد ان هذه الزياره كانت من أمتع الزيارات في حياتي وانا بهذه السن الصغيره والي الان مازلت اتذكر تفاصيلها وعدنا بعدها ونحن محملين بالكثير من خيرات ارض الباشا وبكرم حاتمي شديد.........
انتظروني بشوق وتحفز
المجد لجيش مصر..... وتحيا مصر الوطن...