كد علم الأجنة الحديث على أن الجنين يصير خلقا إنسانيا كاملا فد نفخت فيه الروح الإنسانية بعد الأربعين الأولى ، وليس بعد مائة وعشرين يوما كما يفيد ظاهر الحديث المشهور الذي روي في البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود " إن أحدكم بجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إلبه الملك ..." و تصر هيآت الفتوى على القول بأن المدة التي يحرم إجهاض الجنين عندها - حتى وإن كان االإجهاض لسبب مقبول شرعا - هي بلوغ الجنين أربعة أشهر أو مائة وعشرون يوما ، إلا إذا كان في بقائه ضرر محقق على حياة أمه ، بشهادة الأطباء الثقات فيباح عندئذ إجهاضه ، حتى وإن بلغ هذه المدة إنقاذا لحياة أمه ، هذا مما أثار بعض الشبهات حول هذا الحديث في الآونة الأخيرة .
... ........
ولكن ماكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشاه أن ينطق عن الهوي ، ففى رواية أخرى في مسلم عن الراوي نفسه سيدنا عبد الله بن مسعود ، يقول فيها صلى الله عليه وسلم " ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم بكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك ..." فكأن هذه الرواية بيان دقيق للرواية الأولى ، وموافقة تماما لما كشفه علم الأجنة الحديث مؤخرا ، لأنها تدل على أن مراحل الجنين كلها إنما تتم في هذه الأربعين الأولى .
... .....
وهناك روايةأخرى في مسلم تنص على الأربعين يوما وأخرى تقول " إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة أرسل الله إليها الملك " هكذا بالتحديد الدقيق.
العجيب أن جمهور الشافعية على حرمة الإجهاض بعد الأربعين الأولى ، ومنعه المالكية والغزالي من الشافعية منذ العلوق ، أي علوق النطفة بجدار الرحم ، قالوا لأنها لو تركت لنمت وصارت إنسانا .
....
أقول : ماالمانع إذن من مراجعة هذه الفتوى الشائعة حتى يستقيم الحكم الشرعي مع حقائق العلم . بل ولابد من المراجعة وكفانا نقلا عن بعضنا وعن الكتب دون تدقيق ، فهذه الروايات المهجورة تشهد لنبينا وديننا . وأنه حقا الصادق المصدوق ، و من أنى لبشر هذا التحديد لأمر كشف عنه العلم مؤخرا وبهذه الدقة ؟ اللهم إلا إذا كان وحيا من الله لنبيه المعصوم صلى الله عليه وسلم .
للأسف قناعتنا بالنقل دون مراجعة جعلتنا عاجزين عن استثمار مافي شريعتنا من جوانب العظمة وتبويء الصدارة بين العالمين ، ليس ذلك فقط : بل فرضت علينا فرضا أن نظل محجوبين عن كثير من الحقائق في ديننا ولانجهد أنفسنا في التنقيب عنها إلا إذا أثارها غيرنا .