صورة أخرى قبيحة من صور التمييز الإنساني ضد المرأة في بلادنا ، هي نفسها ماعبر عنها القرآن الكريم بوراثة المرأة كرها ، وحرمها تحريما قاطعا في قوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا لايحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولاتعضلوهن لتذهبوا ببعض ماآتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " في سبب نزول الآية ذكر البخاري أن الرجل في الجاهلية كان إذا مات صار أولياؤه أحق بامرأته إن شاء أحدهم أن يتزوجها تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا منعوها الزواج ، وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه : كانت عادة الأنصار أنه إذا مات فيهم الرجل ورث امرأته من يرث ماله - يعني يمتلكونها كالتركة تماما - وكان يعضلها ولي الزوج - يعنى يمنعها الزواج بآخر حتى يتزوجها أو يرث مالها ، الذي ورثته من زوجها الميت .
.....................
يعني بعبارة أبسط : كانت المرأة جزءا من تركة الميت ، أو شيئا من الأشياء التي كانت في ملكه أو حوزته ، فإما أن تذهب لأحد أقاربه ممن يرثون ماله ، أخيه أو ابن عمه مثلا فيتزوجها من رغب منهم في ذلك ، وإما أن تحبس من الزواج حتى يرثوها هم ، أو تتنازل لهم عن ميراثها من هذا الزوج أو جزء منه إن أرادت حريتها . ولما كان هذا السلوك صورة من صور الاسترقاق الإنساني ، الذي حاربه القرآن الكريم بكل صوره وأشكاله : نجد التحريم القرآني لهذا السلوك يأتي بأبلغ صيغة تدل على التحريم القاطع ( لايحل لكم ....)
وتأملوا قوله تعالى ( ترثوا النساء كرها ) تشنيع لهذا الفعل القبيح الذي حول المرأة الإنسان ، إلى شيء مادي أو متاع يورث أو يتملك كالشيء !!
..............
هكذا كان يصنع أهل الجاهلية حتى جاء القرآن الكريم منكرا محرما بهذا الصيغة القاطعة في التحريم .
ويؤسفني أن أقول : كأن هذا القرآن الكريم نزل لغيرنا ، يعني لاتزال بعض النساء في بلادنا إذا مات زوجها أجبرت على الزواج من شقيقه حتى لاتذهب التركة إلى رجل غريب ، وزاد أهل حضارة هذا القرن أن يهددوا هذه الزوجة بأنها إذا خرجت من بيت زوجها أو حماها وحماتها ، حرمت التركة تماما ، بل والنفقة على أبناء ابنهم المتوفى ، نعم هذا يحدث بل وكثيرا مايحدث . العجيب أنه غالبا مايكون هذا القرار نابعا من أم المتوفي أو الحماة ، فهي تريد لأبناء ابنها المتوفى أن لايبتعدوا عنها ويتربوا في حجرها ، فتصدر هذا الفرمان الأثبم في حق هذه الأرملة المسكينة ، زوجة الابن لتتحول من إنسان إلى تركه تورث ، حقيقة هذه جاهلية جهلاء !!!!