تدور الأحداث تترى في مجتمعنا المصري وهي كثيرة ومتنوعة، تتحكم فيها بشكل رئيس مشكلة ثقافية أراها الأخطر في واقعنا المعاصر، مما يغيِّب إمكانية التطوير والتوصل إلى الحلول ووضع الخطط اللازمة لها، ألا وهي مشكلة "ثقافة الشكوى" ورثاء النفس.
فإذا ما أخذنا نموذجًا مصغرًا لما تعانيه مصر، جراء ما يمارسه أبناؤها على أرضها، وإذا كان هذا النموذج هو أحد أكبر الأندية الرياضية بمصر في مدينة السادس من أكتوبر، سنستطيع بسهولة رصد ظواهر تتكرر في شتى مناحي الحياة بوطننا, مما ينبني على ذات المشكلة الثقافية "ثقافة الشكوى" وبنفس الأساليب والخطوات بل وبنفس الأدوات،
حيث لا يلبث النادي لتستقر فيه إدارة، إلا ونجد من ينبري بالشكوى عبر رفع الصوت في معارضة الإدارة بنقدٍ قد لا يمت لآداب النقد في شيء, معلنًا أن حقه في النقد مكفول وأن على الإدارة أن تُنصت, متغافلًا عن أن نقده قد خرج عن حدود كونِهِ نقدًا.
فنجده يوجه نقده مختلطًا بالاتهامات المرسلة تارة -وهي الغير موثقة بأي أدلة أو أحكام- ويكون النقد بالاستهزاء والسخرية تارة أخرى، و كثيرًا ما يكون بالإساءة والتجاوز المباشر في أحيانٍ كثيرة،
ولدينا على الطرف الآخر إدارة، لها أن ترفض هذا النقد المتجاوز الذي يضر ولا يفيد، والذي يسيء إلى الأشخاص وليس الأداء، وينحو بهم ذلك أحيانًا وللأسف إلى رفض الكثير من النقد الموضوعي الذي ليس فيه إساءة جراء اعتيادهم على أن النقد هو نقدٌ لاذعٌ جالدٌ ومسيء، لتنشأ لديهم حالةً من التحسس الكامل ضد أي نقدٍ كان.
وعلى أحد أطراف التنازع نجد الفئة الأكبر عددًا والأضخم كتلةً، وهم من يجلسون لا يفعلون سوى أن يبثون الشكوى والضجر، والاحتقان ورثاء النفس مما يرونه في جنبات النادي مما لا يروق لهم، أو مما يرون أنه واجب التصويب والتصحيح, عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المجالس أو في أروقة الإدارات المختصة.
وتموج حركة إدارة الكيان العام بين هذه الأطراف المتنازعة، دون التوصل إلى آلياتٍ تدفع العمل التنفيذي وترسم له ملامح النجاح بخططٍ علميةٍ مدروسةٍ بعناية، يمكن بها أن نصل إلى تحقيق طموحات أعضاء الكيان الواحد.
ولو انتبه الجميع، لعلموا أن هذا الكيان العام -النادي- يحتاج إلى تضافر الجهود وتعاون الجميع كي نستكمل مع الإدارة ما قد لا تراه هذه الإدارة،
ويكون ذلك مثلًا من خلال تكوين اللجان المتخصصة وتقديم الحلول المبدعة التي تعتمد الأسس العلمية طريقًا، والآليات المتاحة سبيلًا، والأدوات السهلة تطبيقًا.
إن حالة التوقف عند الشكوى والضجر، ورثاء الحال وماوصل إليه المآل عند الغالبية العظمى من جموع الأعضاء، لواقعٌ يُهدِر الوقت والطاقات، ويفتح الأبواب على مصراعيها لصراعاتٍ بين الأطراف المتنازعة إداريًا،
ولن يكون هناك سبيل لتطوير الكيان العام إلا بوقوف الجميع وراء من يدير، وإمداده بالفكر والإبداع بالحلول العلمية والعملية الممكنة وفقًا للإمكانيات المتاحة، وبشكلٍ تظهر فيه مساندة فريق الإدارة بنقدٍ موضوعي يبتعد عن التعدي والسخرية أو الاتهام، لنصل بالإدارات إلى استساغة النقد وقبوله واعتباره عنصرًا مساعدًا ومساندًا,
وبالتالي تنشأ بين الأطراف روابط نفسية تجعل النقد والشكوى أدوات إضافة وتطوير للكيان, ينتفع بها فريق الإدارة ويقوم على تنفيذها بلا ترددٍ نفسي ولا نزاع.