آخر الموثقات

  • راقي بأخلاقي 
  • من دون سبب..
  • لحظات آنيه..
  •  ثقافة الاعتذار بين الأزواج… حين يطيب الحب بكلمة
  • موت الأجزاء داخلنا
  • تاج من النجاة
  • بردة جمال
  • كفانا ببغاوات
  • مـفهـوم الكيميــاء عنـد الصوفيـة
  • صوته
  • يوم خرجت من دمشق
  • المظهرة بالملابس
  • صورتي و خواطر
  • نعمة الإحساس 
  • المعادله لازم تكون واضحه في الأذهان
  • هل قلة الأدب من حسن الخلق ؟
  • وماذا لو جاء معتذرًا؟
  • رواية الهودو - الفصل العاشر
  • رواية الهودو - الفصل التاسع
  • هياكل النجوم -1
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ايمان قادري
  5. رحلتي مع فن الكتابة 

 

1_

كان من عادتي أن أنيخ رحالي في حياة المبدعين، أسبر أغوار حياتهم والعوامل المؤثرة في ملكتهم، لكنني اليوم و بدعوة من الأستاذ الفاضل: حاتم سلامة- حفظه الله - أشد رحالي نحو أطلال الذكريات البعيدة..

مازلت أذكر جيدًا ذينك اليوم الذي عاقبتني أمي فيه بأن أمرتني وأنا في سن العاشرة أن أبقى معزولة عن إخوتي في مكتبة والدي- رحمه الله - إذ كنت شديدة العرامة في صغري وقد أنهكتها بشقاوتي..قضيت العقوبة دقائق عاجلة أمام مكتبة عظيمة طولاً وعرضًا... ولأن نفسي تنازعني كطفلة طبعها انتهاز حتى فرصة العقاب لتعمرها بما لذ وطاب، إذ كنت أفزع من الفراغ ولا أطيقه..

لفت نظري كتاب أوراقه صفراء تسر الناظرين، متكئ على إخوته من الكتب يلفت النظر، ويثير العبر..

سحبته من بينهم، عنوانه: (محمد صلى الله عليه وسلم الإنسان الكامل)، ولجت إلى عوالمه ثم أضعت طريق العودة، ورأيت نفسي أحيا به، دخل والدي وقد رأى في عيني طفلته المشاكسة لمعة جديدة وشغفًا وليدًا..سألني بلهفة الأب وبخبرة المربي: مارأيك بمجموعة تناسب عمرك أكثر؟.

أخرج لي مجموعة: (قصص النبيين عليهم السلام): للعلامة الندوي رحمه الله.. التهمت الكتاب، أكلته وشربته في أسبوع.. وكانت تلك العقوبة اللذيذة الماتعة بداية خطواتي نحو ربا القراءة والمطالعة أمرح في سهولها وألثم عبيرها، أتنفسه حتى تمتلئ رئتاي بهوائها النقي.. لم يكن غريبا ذاك الشغف الوليد فهو في تركيبتي الجينية خلقًا بعد خلق، مهنة الآباء والأجداد تجلت في الأولاد والأحفاد..

لمع نجمي في المدرسة.. في فضاء الخط العربي.. وأشعلت جذوته معلمة اللغة العربية بكلمات تشجيعية، نقشت عميقًا في حائط الذكرى: اهتمي بفن الخط وستصبحين خطاطة ماهرة متألقة إن شاءالله.. وكما تعلمون:

نحن بنات حواء قلوبنا في آذاننا..

تنقب الكلمات ثغرة في الفؤاد فتزهر من فورها لتغدو شجرة باسقة من الحلم والأمنيات..

كان حضوري الأدبي في الاعدادية والثانوية لافتًا، رشحوني لإدارة مجلة المدرسة، ثم الإذاعة المدرسية كتابة وإلقاءً..

 

2_

وتلقفت أذني كثيرًا من الكلمات التشجيعية، وحصلت في مادة الإنشاء على العلامات الكاملة دومًا ولله الحمد.. وفي البيت في العطل كنت أعتكف في مكتبة أبي العامرة بين مؤلفات العلامة: محمد الغزالي الرائعة..

 أذهلني تقلب مزاج عميد الأدب العربي الرافعي في نظرته لحواء ومدى البون البعيد بين الحالين، فدون (أوراق الورد) في رضاها وقربها، و(السحاب الأحمر) ساخطًا ناقمًا عليها بسبب ما رآه من نفورها وتمردها وغضبها..

قلبت طرفي في أدب الزيات ذي النكهة المميزة.. أسرتني بلاغة محمود سامي البارودي وآهاته في منفاه سرنديب وحفظت قصيدته وهو يشكو النوى آنذاك.. وأخذت بلبي شوقيات أمير الشعراء.. شعرت حينئذ أن القراءة نعيم جنة معجل و مطية حلم مؤجل..

كان لسفرنا بين المدينة المنورة ودمشق أكبر الأثر في تشكيل شخصيتي.. فالحل والترحال ومعاشرة بيئات ومجتمعات متباينة رغم الهوة الكبيرة بينهما إلا إنه كساني حلة الخبرة.. ووهبني عمق النظرة..

في الثامنة عشرة من عمري بدأ القلم يرفرف بجناحين صغيرين بزغا لتوهما بما يميزني شخصًا وفكرًا وروحًا.. وما كاد الطائر يكبر ويرفرف عاليًا حتى عاد لعشه.. إذ لحقت بركب المتزوجات.. وبعدت عن أهلي ومسقط رأسي وسكنت دمشق وأماطت الحياة اللثام عن عوالم جديدة.. ورزقت بثلاثة أولاد، إذ لم يكد القلم يحلق حتى عاد وجثم..

دارت رحى الأيام، عركني الدهر وشد من عودي، حتى ليخال إلي أن مدادي قد جف وانغمر.. لكن قلمي كان ينمو بصمت كغابة نائية لم تطأها قدم بشر قط..

 

3_

زاد اشتياقي للمدينة المنورة، لروضتها وحرمها بل ولحجرها ومدرها وشجرها ولأهلي عرق عيني.. وكنت أرسل لهم رسائل ورقية شاء الله لبعضها أن يبقى.. يلمس القارئ فيها أنه مكروب ونفثة مصدور.. واستشعر قلمي أن الألم مدرسة الإبداع الأولى.. وأننا لا نكبر بالنصائح ولا القرائح وإنما بوخز الوجع ولسع الولع.. 

ومع كثرة مسؤوليات الأسرة أضعت أبجديتي.. وقفل حلمي راجعًا متقهقرًا.. ظننت أنه قد تم اغتياله.. لكن الأمومة وعواطفها الندية وقدرة الطفل على إرغامي لتلمس جمال الكون وهو يشير ببنانه اللطيفة ولغته المتلعثمة الآسرة.. فاغرًا فاهه مشدوهًا لما كنت لا مبالية بشأنه من روعة هذا الوجود ونواله... في مواء قطة جميلة، وعصفور شارد عن أمه.. أيقظ المارد النائم داخلي

وياليت شعري ماحال صاحبة إحساس موار وطفلها ذو الأربعة أعوام يريها في الحديقة أعشاش النمل ويؤكد لها: ماما أحبك بقدر أكبر عش للنمل..

ويرد قلبي.. حبا وكرامة..

كانت براءتهم تدفعني بيد ناعمة لأشهد عرس الجمال والتدبر في بديع صنع الله وآلائه.. حتى في عش نمل أو تبختر بطة..

سجلت قليلًا من ذكرياتي معهم.. وأكملت دراستي الجامعية قسم الشريعة. 

لكن كانت كل محاولاتي الكتابية تمشي ببطء وعلى استحياء.. ثم تعرفت على أخت تعمل في مجلة أطفال في دمشق ففتحت لي نافذة على أدب الأطفال الساحر.. السهل الممتنع! ودونت تحت عنوان: ( سلسلة نصائح أمي المفيدة).. مجموعة قصصية عددها اثنا عشرة قصة تحكي ذكرياتي الحقيقية مع أمي و أولادي.. كل تحذير ونصيحة يغفل عنها الطفل وتتسبب في إحداث مشكلة له..

دونتها بمداد القلب.. فأنت تتعامل مع أطفال أطهار.. وكما تربينا فإن خيركم من تعلم الحب وعلمه.. متجليًا في فن ربط الأم بطفلها بطاقة من مودة ونور وليس بسياط من رهبة وذعر وغرور..

 

4_

وحطت سفينتي أخيرًا في دوحة نضرة أتفيؤ فيها ظلالًا حانية و قطوفًا شهية دانية، وعزمت على حفظ القرآن أنا وأطفالي.. وانكببت عليه تلاوة وحفظًا وتفسيرًا وتدبرًا.. كنت أشرب من معينه وأنهل من سلسله، وأتضلع من جزالته.. فخرج قلمي من شرنقته متضوعًا بجزالة بيانه وعذوبة لفظه وعمق عبارته.. وأنى لأديب أن يبارك له في بيانه إن لم يكن القرآن رائده وقائده لفلاح الدنيا والآخرة وذلك وايم الله الفوز العظيم!

 

5_

وظل قلمي في سباته يئن، لكنه للتدوين دومًا وأبدًا يحن، حتى جاء يوم ضمني مع زمرة نسوة.. يتجاذبن أطراف الحديث، ويتحدثن عن الخطبة والزواج.. أخبرتني إحداهن أن أخاها يشترط ألا تكون عروسه من الملتزمات المتجلببات أو المنتقبات المخمرات..يريد عروسا (عصرية) تواكب الموضة والدارج، وتأنف من التقاليد الرجعية.. وحجته في ذلك أن الملتزمة زاهدة في الدنيا.. تعاف التزين حتى في بيتها.. لا تهتم بهندامها ولا بأنوثتها..(على حد زعمه)، والغريب أن بعض الأخوات في الجلسة يؤيدن فكرتها المهترئة.. وهن يرددن كالببغاوات مؤامرة الأعداء دون وعي أو قصد..

مؤكد وبديهي أني انبريت للدفاع عن الملتزمة.. وأن رسالتها لا تتناقض أبدا مع اهتمامها بزينتها وتغذية أنوثتها.. مع حسن تبعل لزوجها وطاعته وإعفافه.. كنت آنذاك أتميز غيظًا وتميد الأرض بي من هذا الإطلاق الفج البغيض..

تلكم الجلسة لم تكن عابرة أبدًا.. لأن هذه الأفكار المنتشرة خطرها كبير وشرها مستطير.. وقررت تحويل لهيب الغضب لمشاعل نور تكون منارة للحيارى وحل قيود الأسارى من هذه الظنون المشوهة للمرأة المسلمة الملتزمة.. وتشقق الصخر بداخلي عن ينبوع يجري جريان السيل في البطحاء.. والماء في الغدران والقنوات.. وكانت تلكم روايتي الأولى: (الشجرة الطيبة)..

 

7_

حزمت حقائبي وشددت رحالي لطباعة الروايات.. وكنت أقلب الطرف في أول خطوة ليخرجوا للنور.. زرت مرشدتي.. واستشرتها.. فطلبت الروايتين مني لتسلمهما لأستاذة قديرة مدققة لغوية.. ودون تردد.. ناولتها الدفاتر.. عصارة فكري وزبدة مشاعري.. شعرت بغصة في حلقومي، ورعدة في كياني.. وكأنها استلت روحي بيديها.. وكانت تلك الزيارة هي آخر عهدي بروايتيّ اليتيمتين..

ودخلت سورية أتون الحرب وحمي الوطيس.. وكان لدمشق وغوطتيها حصة كبيرة من الأهوال التي ماكنت لأظن أو يخيل لي أن أحداث يوم القيامة أشد هولًا مما شاهدت وعاصرت..

ذهلنا عن كل شئ.. وهاجر الكثيرون وبلغت القلوب الحناجر... وبعد سنوات من الأسى والألم والتشرد.. نهضت نهضة أهل الكهف..الدنيا غير الدنيا والناس غير الناس.. وأنا لست أنا.. أنكرت نفسي وما التنكر للذات إلا ذهاب المهج والموت البطيئ.. وتذكرت روايات ولدت ميتة.. الحرب أجهضت كلماتي.. وبربق عيوني وشغف قلبي...

من جديد.. وفي كهف العزلة بزغ بصيص النور آخر النفق.. ومد الأمل يده من كوة عالية.. يناديني.. كفاك أسفًا.. كفاك تحسرًا ألم تعلمي أن للياسمين قومة العنقاء.. فانتفضي من تحت الرماد وعودي لروحك وبيانك كأبهى حلة.. انهضي واكتبي للدنيا حقيقة ماحدث.. فأنتِ شاهد على العصر بين جنباته تجربة حرب تاريخية.. سلاحه القلم وعتاده الصدق وقوته الحق وغايته رضا المولى...

وها نذا ألبي النداء... وأدون كتابي الجديد: (ففهمناها سليمان).. راجية فيما كتبت وفيما سأكتب أن ينتشل الله قلبي وكلماتي من لجة الشهوات إلى معالي القربات.. وإني والله أشتاق البشرى.. وأنتظر الفرج القريب واللقاء الحبيب...

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع