اليوم الرابع
اليوم الرابع والأخير من المأسوف على شبابه وحيويته عيد الأضحى، يوم لا شيء يميزه إلا أعمال منزلية هطلت عليَّ من علياء مملكة أمي الغالية، مشاكسات بيننا لعلَّها تجعلني أحب الأعمال المنزلية، خاصة فلكلور الطبخ والخبز وكل تلك المحبطات، أمي تراها أشياء تمثل جزءًا من تكوين الفتاة مهما كانت أو مهما علا شأنُها!!
قلت: يمكنني أن أعتبر نفسي رجلًا إذا كان هذا سينقذني من المطبخ ومشتقاته، وكانت الإجابة: إحم.. إحم.. صاروخ أرض جو.. تعرفونه بالطبع؛ فلا داعي للتفسير العلني.. ياللهول! أمي عنيفة وشرسة..
عليَّ أن أبلغ عنها جمعية حقوق الأبناء أو الإنسان، أو أيًّا ما كان.. المهم أن ينقذوني من المطبخ.
كنت أتعلم لأجله، ولكن الآن.. لِمَ ولمن أتعلم؟! لا أرغب بالزواج في الأساس، تعجبني حياتي هكذا.
هل إذا أخبرتها أن من يحبونني يهربون دومًا عند لحظة قرب معينة تعفو عني؟! يتركونني ويحملون حقائب مشاعرهم راحلين في لحظة لا أدري كنهها أو أسباب تأثيرها الطارد لعشاقي..
لديَّ الحق في التفاخر والكذب والادعاء بأنهم كثر.. ألستُ مثل باقي الفتيات؟ ما هذا القهر؟! حسنًا.. هو عشيق واحد ولكن.. لا أدري ماذا حل به ليتحول إلى أكثر شخص يبغض ملامحي؟!
بالتأكيد حُسدت عليه، أليس هو حبيبي وسيم الروح؟!
مر اليوم الأخير من العيد..
من دون أن أشتم رائحته وعبير أنفاسه..
من دون أن أسمع نبض قلبه..
من دون أن يضحك قائلًا: أحب طفلة مخبولة..
من دون أن يُسمعني قصائده وصوته الناعس وهو يدَّعي التركيز..
واهم يظن أنه المسيطر فلا يضبطني وأنا أستغل شروده وعدم انتباهه في سحب بسماته لتنير سماء يومي، افتقدته..
أفتقد كوني ليلًا يضيئه نجم وجوده في سماء الحب، افتقدت براءة ضحكاته ومشاغباتي معه لأثير جنونه ليغضب عليَّ ثم يصالحني بهمساته، وها هو حب مر بحياتي وتركني، ليمر العيد ساحبًا مشاعري نحو قاع الإنسانية، مرَّ اليوم الأخير لعيدي ليكمل ظلمته ويحرمني الله منه عقابًا أو نجاة.. لم أعد أعلم، كل ما أعلمه أنه لم يعد من ضمن عالمي وليس بعد الآن حبيبي، مر اليوم الأخير من أيام عيد الأضحى من دونك..
مرَّ من دون رجعة كما مرَّ الصيف وحرارته الصادرة عن الجحيم وما زلنا أحياء، مر العيد وسيمر الصيف وستمر فترة اكتئابي وإحباطي، كما مرت أمنيات وأحلام متتالية رسمتها فكسر القلم ومحاها الفراق والهجر..
مر العيد ومرت الأيام كما مرَّ العمر سابقًا وسرق مني من دون أن أنتبه.. لأفيق وأجدني وحيدة خاسرة لكل شيء كنت أتمناه..
العمل والحياة الاجتماعية والحياة الشخصية.. لا شيء معي إلا الله وقلب يدعو أن يكون جديرًا بربوبيتك خالقي.. صالحًا لينال ما خبأته له كتعويض عن حرمان العمر والسنين.
مر العيد يا ربي من دون فرحة..
فهلا رزقتني فرحة تغمر قلبي وتطبطب على روحي؟ انتهى اليوم الرابع من عيد الأضحى وانتهى معه تدوين يومياتي عن العيد وعن حبي.
* * *
اليوم الخامس
اليوم الخامس أول يوم في العمل بعد العيد..
هل قلت إنني سأتوقف عن التدوين عنك حبي وعن العيد؟!
حسنًا اعتبرها فريتي الأولى؛ فأنت صلبتني فوق تل من أكاذيبك.. غطيتني بهفواتك ولم أعترض يومًا.. بل تغاضيت عنها فتغاضَ عن خدعتي لنفسي وادعائي الصمود..
بعد مرور العيد بلياليه من دون أي كلمة تلبي نداء القلب الملهوف على كلمة حب تحييه، بعد فقده الأمل في لين قلب اختار القسوة والعنف أسلوب حياة..
نعتاد الصمت وبعد فترة يبدأ الهدوء في نسج شباكه حول تلافيف العقل الشغوف بصمت على عودة حبيبه، يعتاد العقل الشرود ويحاول المكابرة وإظهار القوة فتتجلى الحكمة..
ويسيطر النضج على كل أفكارك لتحكم على أحداث حياتك..
تحاول استدعاء الحيادية والتفكير العقلاني لعلك تجد إجابة لكل ما مررت به من خيبات وخذلان.. تساءلت: لماذا أشعر بغضب عارم تجاهك بعد انفصالنا، بل بعد انفصالك عني؟!
هل لأنني استنفدت معك كل طرق التعامل المدرَّسة من قِبَل خبراء العلاقات الأسرية؟! هل لأنني قرأت كل ما كُتب عن كيف تكسبين ود رجلك المختار؟!
هل لأنني استمعت لكل النصائح المسموعة والمقروءة لجمع شمل المحبين؟! هل لأنني تغاضيت عن كبريائي وعنادي معك وتعاملت معك على أنك قضيتي الأولى والأهم؟!
هل لأنني كنت أخضع وأتصالح بعد أول همسة قرب منك؟!
أسئلة كثيرة، بل هي بحر بلا إجابة تمزق فيَّ من دون صوت، استفسارات وشكوك وأشواك تغتالني من دون منحي حق إعلانها أو البوح بأحدها، لو يعلمون ما كان بيننا من حب وبراءة ما سمحوا لك بخيانتي هكذا وإهدائي الخذلان، لو يعلمون أنك من دللني وهدهدني لشهور حتى يلين قلبي المقاوم والكاره للحب؛ كي أبادلك الحب، ما لاموك على عشقي ولا فرقوا بيني وبينك.
قاومتك كثيرًا؛ فأنا فتاة اعتادت رحيل كل ما تحب عنها لتتشبع الروح بمرارة الريحان، عاندت وجودك في قلبي وروحي؛ لأنني مزروعة بالأشواك منذ صغري، عُذبت وقُهرت بمسمى الحب كثيرًا..
ولكثرة آلامي وصريخها الهامس في روحي، حاولتُ الفرار بعيدًا عنك فجذبتني إليك أكثر، عشقتني أكثر، كنت أضعف أمام نظراتك الحانية الباسمة، فأستسلم وأصمت في حضرتك جلالًا وإكبارًا لوجودك، كنت أغضب لمغازلتك غيري..
مزحك مع غيري..
سهرك مع غيري..
زرعك القرنفل والياسمين والبنفسج في أحلام غيري..
متعللًا بأنهن من يبدأن لا أنتَ..
فأثور ويبدأ مِرجَلي في الغليان..
لكنك، وبنظرة واحدة، تُنسيني كل ما في من غضب، كبحر تمر أنفاسك على روحي فتغسل كل جروحي لتُشفى، بلمسة يد كنت تنقلني إلى ملكوت رحب خلقه الله كي يتمتع فيه العشاق، وأنت إليه كنت تدخلني، ألم تفكر كيف سيكون حالي بعيدًا عنه وأنا الذائبة في نظرة ولمسة؟!
يا الله! إذا كان هذا حالي لنظرة ولمسة يد فكيف سيكون إذا كنا تمادينا؟ حمدًا لله على براءة حبنا!! عليَّ إعمال العقل والتفكير في كل مساوئه ومثالبه لأرتاح وأهدأ، عليَّ التكفير عن ذنب عشقي، ولكن كيف وأنا عاشقة لهذا الذنب وإن كان فيه هلاكي؟!
ينصحني العقل أن أنساه وأكمل حتى يرضيني الله بمن يعرف قدْري ويمنحني ما أستحق من حب!! لكن كيف والروح، قبل الجسد، رافضة لغيره مهما كان المقابل ومهما كان الإغراء؟!
لماذا أتعذب هكذا؟! لأجل من تفاخر بحبي وهيامه بكياني وروحي وملَّكني سلطان الدنيا والآخرة.. ثم اختار ببساطة بيعي علنًا، ونزع أرديتي أمام الجميع فعرَّاني منه..
مَن ببساطة أعلن خضوعه لسطوة المجتمع وخنوعه للأعراف البالية؟! مَن وبكل أريحية وجد من يتغزل فيها علنًا، زارعًا خناجره من دون وازع من ضمير أو حس إنساني؟! مَن، وبكل هدوء، يلقي الاتهام تلو الاتهام نحوي لينجو من تعذيب ضميره وشعوره بالذنب؟! مشتتة أنا بين قلب وعقل، مقهورة بين حاجة روح وجسد لشخص اعتاد الغياب ومارسه بمهارة، مشردة شحاذة لفظها الجميع وقاد مظاهرة الطرد من عالم الحب
من ذهب باحثًا عن حب جديد ومارس بسعادة الهجر على سرير من حسناوات.. واحدة هيفاء وأخرى غيداء وأخرى... إلخ؟!
كلهن جعلنه سلطان قلوبهن ورقصن على أشلائي تقربًا لفؤاده.. وهو صامت يستمتع بنفاد صبر على احتلالهن والاستيلاء على مباهجهن وفواكههن الكامنة خلف عباءات الرغبة الظاهرة بين الكلمات المغازلة لسفنه كي ترسو على شواطئهن.. أنا هنا في سجني أموت قهرًا وهو هناك يموت بغددة..
وتمر الأحداث، ومعها تزيد الأفعال ليهيج قلبي بغضًا لكل ما حولي إلا هو.. ويبقى رغمًا عني وعن عين الحكمة والعقل، القلب والروح غارقين في بحر لذة عشقه.. على الرغم من الهجر والفراق.. وعلى الرغم من حال لا يحمل أي إشارة إلى عودة سفينته إلى بحري المتيَّم بأشرعته، المهيَّأ لكل مرافئه لاستقباله كما الأبطال..
دون أمل في زرع سفينته في عرض بحري معلنًا قرصنته واحتكاره لأجل غير مسمى.
يا الله! مات العقل أمام محراب نظرة عين وبسمة شفاه محاها الحبيب من مرور الأيام لإيمانه أن الحب ليس قدرًا أبديًّا، لهذا اختار خلع عباءته عن كاهله ولم يلحظ أنه أسقطني معه.. وعندما اكتشف الأمر لم يصدمه، فقط عاد يطلب الصداقة.. صداقة؟! لماذا؟!
من افترى عليَّ وأخبرك أنني ارتديت زي الراهبات أو فيك زهدت؟! من قال إني حوَّلتك مذهبًا صوفيًّا أرقص في حرمه متعبدة؟!
يا هذا..
أنا أميرة فرَّت من قصص ألف ليلة وليلة ثائرة لأفجِّر سراديب تبعدك عني..
لكنك صدمتني بطلب التراجع لنكون صديقين.. فقط صديقين!!
كيف نصادق من اشتهيناه ذات عشق؟!
هل نتصادق لنعذِّب كل خلية فينا؟!
كيف ألملم ذاتي المرتعشة في حضورك قائلة: حرام عليك النظر أو التمتع الآن بهمسة؟! حملتك في أحشائي وانتظرت لحظة اللقاء، فمنحتني إجهاضًا متعثرًا وتنتظر مني مكافأة؟!
لا حبيبي.. لا أريد صداقتك.. حرمتني قرب عشقك وهدوء خلاياي؛ لذا أحرمك صداقتي وبسمات عشقي ومشاغبات حبي.. فهي بالمثل لا تحل لك بعد الآن، هي لغيرك، سواء أتى أو غاب، حتى أموت محتضنة الفقد والغياب، حرمتَ عليَّ عشقكَ فحرمتُ عليكَ حياتي ولم يعد بيننا سوى صمت وبعاد، زرعتني شوكة في بئر الحرمان وسأزرعك صبارًا في صحراء العشاق..
لعنة الله على الضعف والخوف معًا..
ليتني بقوتك لأحطمهما وأرحل مثلك تحوطني قوة الملكات.
* * *