تقاذفتها موجات متذبذبة من الأفكار المظلمة هنا وهناك؛ تلاعب بقلبها ذكريات الماضي المبهمة وأرهق عقلها هواجس المستقبل المجهول، كل شيء فيها خائن حتى مشاعرها تأبى إلا تعذيبها؛ ماذا لو منحتها بعض السكينة والراحة؟
كل ما أرادته يوما هو جواب حقيقي وواضح: لماذا يعشقني الوجع حد الوله؟
لست بائسة ولم أحب البؤس يوما ، فلماذا يصر على رفقتي؟
تتلاعب بها أفكارها ليلا فتهمس لها أن:
ربما عشت حياة أخرى كنت فيها لحن ناي حزين نحت من أصل شجرة اجتثت من بعد آخر تقاذفتها بوابات الزمن إلى أرض جرداء بور لا تنبت إلا العوسج ، أوراقها بلون الشوق واللهفة وجذعها يمتد يريد السماء، يأبى الإنحناء ولو هبت عليه الأعاصير وداهمته الفياضانات، ناي لا يعزف إلا نوتات الفقد والرثاء، يرثي فقد شيء لم يوجد وربما لن يوجد....
نعم هي بتلك الغرابة وأكثر ، وجهها بشوش باسم وصوتها ناعم ، حركاتها رقيقة، ضحكتها معدية لكن بداخلها ألف سؤال بلا اجابة يطرق عقلها طرقات مدوية مزعجة، تتجاهل كل ذلك لتبدو متماسكة كما ألفها عالمها الذي أصبحت سجينة فيه كمخلوق لم تفهم قدراته وحدودها بعد وريما لن تفعل يوما.
تقول لنفسها كل ليلة: ربما لو عاد الناي إلى عالمه لعزف لحن أكثر هدوءا ورقة.