آخر الموثقات

  • إحذر و تيقن
  • ستجبرون...٤
  • حسنًا.. إنها الجمعة..
  • لا تحزني يا عين..
  • حبل الذكريات
  • [النقطة التي أكلتني] قصة قصيرة 
  • الاستقرار سنة كونية واجتماعية  
  • أتسمح لي..
  • فنجاني وحده يعرفني
  • هل هذا …..إنتصار ؟!!!!!
  • صرخة حوائط
  • هل يمكن حقًا تركيب جيب فستان من الخارج بدون أي خياطة مرئية؟ 
  • لا مبالاة ...
  • وأنتَ ملاذي...
  • ٣ كيلو لحمة
  • يتوسدون المياه والأوحال ويلتحفون الزمهرير
  • الثانية فجرا: وعلى سبيل الاعتراف..
  • عمر الحب ما شفته مشين
  • لزاما عليك ألا تعجز ... 
  • لعنة المعرفة
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة جهاد غازي
  5. عروس السراب

 

بفرحة بلهاء ارتديت ثوب زفافي الناصع البياض، وصبغت وجهي الفتي بمساحيق التجميل التي لم تفض بكارة بشرتي قبلاً، بحماسة غبية وقلب ينبض شوقاً لأيام جميلة سعيدة، وبوجنتين يخضبهما الحياء خطوت أولى خطواتي داخل عرينه وأنا كلي أمل بأن العوض آت لا محالة، لكنه أطفئ كل جميل داخلي بقسوته، ذلك المتجبر الظالم الذي سميّ عليّ زوجاً بحكم ورقة، ورقة أودعته إياي أمانة في عنقه يسندها حتى نهاية عمرها ولكنه كان كسري بدل أن يكون جبري، مشاكل لا تنتهي، قسوة وظلم وعذاب جعلني أتمنى الموت عدة مرات ولكن مشيئة الله أكبر من كل شيء.

من بين ظلمات حياتي البائسة لاح لي كفجرٍ منير، خبر حملي بفلذة كبدي، شعوري به ينبض بداخلي، ركلاته الصغيرة التي تدغدغ روحي فتنعشها، وتلك التموجات التي تظهر عبر جلدي الرقيق لتجعل روحي تحلق سعادة.

كنت أغفو بعد ليلة متعبة أمضيتها في التقلب يميناً وشمالاً لا أجد طريقة مريحة لأنام، كل ما بي منتفخ ومؤلم، كل لمسة للسرير تجعلني أود لو أصرخ ولكن الصراخ ترف لا أمتلكه، فهو يغفو بجانبي وصوت شخيره يعلو مهدداً، أن لو تحركت حركة واحدة فأقلقته فلن يكون حسابي يسيراً، فجأة ألم فظيع شق جسدي ليعلو صراخي في ظلمة الليل البهيم، صراخه المعترض أخرسني، بعصبية سألني: لماذا تصرخين أيتها الغبية؟ ألا ترينني نائماً؟

- برعب وألم أجبت: طفلنا سيأتي، أرجوك انقلني إلى المشفى.

نهض على مضض واصحبني إلى المشفى التي ظننتها خلاصي ولكنها كانت هلاكي.

يومان طويلان من الألم الذي لا يمكن وصفه، ألم يجبرني على الانثناء متكورة على نفسي صارخة، رفقا بي يا صغير، لم تعد لدي القوة للاحتمال أكثر، رفقا بي يا قطعة روحي، ولكن سيف القدر كان أنفذ.

أُنهك جسدي وأُنهك قلب طفلي، فقرر الطبيب أخيراً أن يرحمني ويرحمه من العذاب ويخرجه مني جراحياً، وافقت رغم الرعب الذي اعتراني فطفلي أغلى من كل شيء، سيكون هو نوري الذي يعوضني عن كل ألم مررت به لأصل حتى هذه اللحظة، سيكون سندي وحمايتي من والده المتجبر، وربما إن رآه سيحن عليّ أخيراً وتتحسن معاملته لي، هذا ما منيت نفسي به.

خمس دقائق لا أكثر كانت الفيصل في قرارٍ غير مجرى حياتي، طفلي كان أهم من كل شيء، أما هو فلم يكن يهتم لا بي ولا بطفله، فقط كان يفعل ما يملى عليه لا أكثر، ألبسوني معطفاً قماشياً خفيفاً بالكاد يستر جسدي، كنت أرتجف برداً وألماً أسفله، أذرع تمتد تلمسني في مناطق متعددة من جسدي، فتلك تثبت الحقنة في يدي، وأخرى تثبت مقابس قياس نبضات القلب، وثالثة تعقم جسدي، أذرع بلا وجوه فقط أعين تنظر لي من خلف النظارات والأقنعة التي تغطي نصف وجوههم، لا شيء يطمئنني ولا حتى بكلمة، لحظات وغبت عن الوعي وبدأت مشارطهم تشق طريقها عبر طبقات جلدي.

خرجت من غرفة العمليات التي دخلتها لتنبثق من رحمي حياةٌ جديدةٌ تضيء أيامي، ولم أكن أعلم أن نهاية حياتي تنتظرني على تلك الطاولة الباردة التي يسلطون عليها تلك الأضواء المرعبة وتحيطها المشارط والأجهزة الطبية بطنينها المزعج من كل جانب، دلفت الغرفة وكلي خوف مما سيحصل، هل سأخرج سليمةً أنا وطفلي أم أن نهاية أحدنا وشيكة؟

بحمد الله خرجنا سوياً، فتحت عينيّ لأجده ينتظرني انساب صوت بكاءه لقلبي قبل أن تراه أعيني مما جعل عينيّ تدمع سعادةً، وشعرت أخيراً أنني عدت للحياة من جديد، مرت عدة أيام تلتها أسابيع وألمي لا ينتهي، فعدت لزيارة الطبيب بعد إلحاحٍ شديدٍ من المحيطين بي عليه ليأخذني لزيارته، وهنا كانت الصدمة التي قتلتني حية، سألني الطبيب بكل دهشة وقد توقفت يده التي تحرك آلة التصوير بالأمواج، وتعلقت عيناه بالشاشة السوداء أمامه: كم عمرك؟

- أجبته وأنا مستغربة من اندهاشه: في الثامنة عشرة.

- كمقصلة جاءني سؤاله التالي: هل أصبت بمضاعفات أثناء الحمل أجبرتهم على إجراء عملية بتر لقنوات فالوب؟ أم أنك تعانين من مرض ما يمنعك من الإنجاب مجدداً؟

- ماذا تقصد؟ أنا لا أفهم! لم أصب بأي مضاعفات، لقد كان حملي ميسراً ولكن ولادتي كانت متعسرة فاضطررت للولادة قيصرياً، ولا أعاني من أي أمراض، بالله عليك أخبرني ماذا بي؟ لماذا لا تتوقف آلامي؟

- نهض من مكانه غاضباً وهو يصرخ: لا بد أن يحاسب المجرم الذي قام بفعلته الحقيرة.

- باكية أمسكت بطرف رداءه وأنا أسأله: ما الذي تقوله؟

- جلس بجانبي لا يستطيع مواجهة نظراتي وهو يلقي بقنبلته: يؤسفني أن أخبرك أن من أجرى لك عملية الولادة، قام بإجراء عملية أخرى أثناء غيابك عن الوعي، عملية تمنعك من الحمل مرة أخرى.

نهضت من مكاني لأسقط أرضاً ودموعي تغرق وجهي وصدري، ونهض هو لينادي زوجي ليخبره بتلك المصيبة التي حلت فوق رأسي، ليجيبه ببرود: أنا من طلبت من الطبيب فعل ذلك.

لم يكتفِ إذا من قتلي حية بكل ما فعله، بل اختار أيضاً أن يجردني من أنوثتي قسراً، ظللت هناك أفترش الأرض لبضع لحظات، أشاهد شريط حياتي معه أمام عيني، بل لأقل عذابي، ونظرته الباردة تطالعني باشمئزاز وتشفٍ، وكأنها تقول لي: ما رأيك الآن؟ أكاد أقسم أنني رأيت شبح ابتسامة سمجة تفترش ملامحه وتعلن انتصاره الكبير.

لملمت ما بقي لي من أنفاس وخرجت بصحبته عائدة إلى سجني، لأجل رضيعي الذي يحتاجني ليكمل حياته، لم يمضِ وقت طويل حتى أخبر الجميع بأنني أصبحت عاقراً بسبب مضاعفات العملية وأنني لا أصلح زوجةً له، طلقني وسلبني طفلي الوحيد الذي لن أرى سواه يوماً وتركني لمصيري المجهول، ومن ذاك الذي سيتزوج من امرأة عاقر؟!

أكمل حياته بل لنقل بدأ حياة جديدة مع امرأة جديدة لا أدري كيف يعاملها الآن، أيعتبرها رجس من عمل الشيطان كما كان يعتبرني أم أنها ملكة متوجة على عرش قلبه، لا يهمني إطلاقاً فليذهبا إلى الجحيم سوياً، ويعيدا لي فلذة كبدي.

أما أنا فما زلت هنا أجالس نافذتي، أبث القمر أحزاني ووحدتي فهو وحده من يؤنس عزلتي التي أجبرت عليها، فلا أحد يريد امرأة عاقر، ومطلقة لتجلب النحس إلى حياته، نبذت من الجميع إلاه فما زال طاهر يهاجم أحلامي كل ليلةٍ بعينين دامعتين، يسألني: لماذا تركته لهم؟ ليته يعلم أنني كنت مجبرة على ذلك كما أجبرت على كل شيء آخر في هذه الحياة.

سأظل دوماً على حالي، جالسة مكاني؛ وحيدة كنخلة هجرتها ثمارها، وتساقطت أوراقها، وتركتها تقارع خيوط الشمس الحارقة لا شيء يحميها من لظاها، تتصاعد أبخرة دافئة من كوب قهوتي السوداء كأيامي، بمرارها اللاذع كقدري، أتساءل للمرة المئة بعد الألف: هل ذنبي أنني خضعت لهم وتزوجته؟ أم أن سذاجتي هي التي أوهمتني أنه سيكون طوق نجاتي من ألسنتهم؟ أم هو من ظلمني؟ يا ترى هل اللوم ينفع وهل يعيد لي ما فقدت؟ هل سيعيد لي شبابي الضائع أو طفلي الذي سلبوني إياه أو حتى أنوثتي التي أزهقها ظلماً؟ من الذي منحه الحق ليفعل كل ما فعل وأنا لم أكد أخطو بضع خطوات في أيام شبابي؟ ليته قتلني وما تركني لأحيا هكذا!

متى يا الله ستشملني رحمتك وتأذن بأن تفارق هذه الروح البائسة هذا الجسد العقيم؟!

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

578 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع