كانت تحملها بين يديها الناعمتين بجسدها الطريِّ والأشقر والمبرقع ببقع بيضاء، كانت صديقتها وابنتها التي تعيش معها داخل هذا المنزل الكبير والضخم.
تأخذُها نحو الشرفة الخاصة بغرفة النوم وتجلبُ لها طعامها والبعض من الحليب الخاصِّ بها.
تتأمَّلُها من بعيد بطرف عينيها وهي تأخذ كتابها المُفضَّل حديث الصباح ل أدهم الشرقاوي وترتشف قهوتها السوداء.
بعينيها الرماديتين تُقلِّب بين الصفحات بهدوء، وتنسج عالمها الخاص، بينما تتمنى من أعماقِ قلبها أن يعطيها الله سُكَّر أيامها وحلاوته بصبي أو فتاة تحمله داخل رحمها، لكن تتذكر سريعًا ما قالته لها الطبيبة أمس: أنتِ الآن أصبحتِ عاقر لا يمكنك الإنجاب.
نظرات زوجها اليائسة وصلابته بعد خروجهما من العيادة، والأيام الباردة التي قضتها معه وهو ينظر إليها بكونها امرأة ناقصة دون الإنجاب.
مسحت دموع عينيها بطرف يديها وهي تعيد الكتاب إلى مكانه، ذاهبة إلى مكتب زوجها الذي كان يعملُ به منذ الصباح الباكر.
بنقراتٍ خفيفة دخلت إليه ومشَت نحوه بخطوات عشوائية، تأملت الرفوف مئات المرات، وتأكدت من خلو سطح المكتب من الغبار عشرة أضعاف، أمسكت كنزتها الصوفية بخوف وشابكت يديها ببعضهما بقوَّة وهي تعضُّ على شفتيها مُلتزِمة الصمت تنتظره يتنبَّه لوجودها، حتى خرج صوتها المبحوح ليشقَّ سمعه وتتعانق عينيها بعينيه:
أنا أيضًا حزينة لهذا الخبر، كنتُ أنتظر قدوم سُكَّر حياتي إلى منزلنا، أم نصبح عائلة حقيقية ويصبح منزلنا دافئ وكما يكون أيِّ منزل مترابط.
آمنت بأنَّ طفلتنا أو طفلنا يمكنهما أن يُعيداك إليَّ لكنني لن أصبح أُمَّاً أيضًا، أعتقد بأنَّ الحياة تقتصُّ مني لذنبٍ لم أشعر به، ولكن...ذرفت دموعها ورجفت شفتيها قبل أن تُكمل: لكنني أُحبُّك ولن أسمح بحرمانك من حقِّ الحصول على طفل يحملُ ملامح اسمك، لذلك قررت الرحيل عن هذا المنزل، وبإمكانك الزواج من امرأة أخرى والحصول على عائلة سعيدة.
تنهدت بعمقٍ وهي تخرج قبل سماع جوابه، أخذت حقيبتها التي أعدَّتها و قطَّتها المُقربَّة، غادرت المكان برفقة ألوانها وكُتبِها وسُكَّر الأيام.