آخر الموثقات

  • إحذر و تيقن
  • ستجبرون...٤
  • حسنًا.. إنها الجمعة..
  • لا تحزني يا عين..
  • حبل الذكريات
  • [النقطة التي أكلتني] قصة قصيرة 
  • الاستقرار سنة كونية واجتماعية  
  • أتسمح لي..
  • فنجاني وحده يعرفني
  • هل هذا …..إنتصار ؟!!!!!
  • صرخة حوائط
  • هل يمكن حقًا تركيب جيب فستان من الخارج بدون أي خياطة مرئية؟ 
  • لا مبالاة ...
  • وأنتَ ملاذي...
  • ٣ كيلو لحمة
  • يتوسدون المياه والأوحال ويلتحفون الزمهرير
  • الثانية فجرا: وعلى سبيل الاعتراف..
  • عمر الحب ما شفته مشين
  • لزاما عليك ألا تعجز ... 
  • لعنة المعرفة
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة مروة القباني
  5. أصابع زينب

قالت لي الطبيبة المصرية: جميع النساء أمهات حتى و إن لم يَلِدن الأنثى أم بالفطرة، على عكس الرجل الذي لا يصبح أباً حتى يُنجِب.

بهذه الكلمات القليلة أوضحت لي بانعدام الأمل بالإنجاب، وبعد فترة علاج دامت ثلاث سنوات، وإخفاقات مُتكررة في المحاولة.

جلستُ على الكرسي المقابل للمكتب الخاصِّ بالطبيبة استرجع عدد الوصفات العربية والطبية التي تناولتها بكثيرٍ من الحرص، واتباع التعليمات والوصفات بدقة متناهية، في كُلِّ مرة يصلُ حلمي لمنتصفه وينتهي بإجهاض في الشهر الخامس وموت الطفل بخروجه المُبكِّر من أحشائي.

- لكن..لكنني أعتقد بإمكاني تجاوز هذا الفشل مرة أخرى و إعادة المحاولة من جديد أليس كذلك؟!

قلت لها بعينين دامعتين وقلبٌ مُرتجفٌ من شِدَّةِ الخذلان وانقطاع الأمل، كنتُ كغريقٍ يحاول إنقاذ نفسه من أعماق البحار دون جدوى، دون أمل يذكر.

أحنت رأسها بفتور، أعادت تقليب التحاليل والصور، كمن يبحث عن شيء يتعمَّدُ خلقه من اللاوجود، أو ربما كمن يحاول خلق أمل جديد لكن دون فائدة، هزَّت رأسها بأسف شديد، دون النظر إلى داخل عيني قالت لي بشيء من اللين:

- رفقاً بنفسكِ يا عزيزتي تعالي إلي بعد مرور شهر واحد على الأقل ريثما تستعيدين قوتك الجسدية.

أخذت بقايا آلامي و حقيبتي الجلدية وخرجت نحو المنزل، الذي لم أعد أعلم إذا ما كان يتوجب علي القول بأنه منزلي، أم أنه مجرد مكان أعيش داخله كالغريبة.

تحاشيت نظرات أهل زوجي التي كانت تأكلني عند أول ظهور لي عند عتبة باب العمارة، ولجأت إلى الهاتف أصطنع التحدث عبره، كي لا يوقفني أحد ويبدأ بجلسات الاستجواب التي لا نهاية لها، وما إن وصلت إلى باب غرفة النوم، حتى أجهشت بالبكاء مُرتمية بكُلِّي فوق السرير، لم أشعر بنفسي أنهار وأفيض بالخذلان كما فعلت في ذلك اليوم.

لُمتُ نفسي مئات المرات، وضربتُ على رحمي العقيم أكثر من ذلك، لم أحتضن نفسي كما كنت أفعل، وكأنني أحارب نفسي وأقفُ ضدي كما فعل الجميع من حولي.

لم أشعر كم مضى من الوقت وأنا على هذه الحالة، غفوت للمرة الأولى وبعد ثلاث سنوات من أعماق روحي، لكن صوت بكاء الطفلة الصغيرة عاد إلى أذني يجتاح قلبي، بكاء متواصل كنداء لي بالاقتراب، هذه المرة نجحت بالوصول إليها، كانت موجودة في حضَّانة زجاجية ترضعُ أصابع يديها الممتلئتين، وهي تنظر إلي بشيء من الحُبِّ والعطف، تدفقت الحنيَّة إلى صدري، شعرت للوهلة الأولى أنها ابنتي أنا...

زينب جاء همس من خلفي، نظرتُ بفزع شديد لكنني لم أرى أحداً، فتحت عيوني بثقل وتعب وجدتني نائمة فوق السرير وقد انتصف الليل.

سمعت صوت المؤذن يقيم صلاة الفجر وهو يقول حيَّ على الصلاة، فلبَّيتُ النِّداء بقلبٍ مؤمن وصادق وأنا راضية بقضاء الله سبحانه وتعالى.

توضَّأتُ بالماء البارد وغسلتُ وجهي مرات كثيرة، ارتديتُ الحجاب ووقفتُ بين يدي الرَّحمن، وأنا أتلو آياته التي أعادت إلى قلبي السكينة والطمأنينة، شعرتُ بالرضى والسلام ينحفرُ داخل جدران روحي، وأنا أدعوا الله بنفس مُطمئنة أحمده على قضائه وقدره.

حتى أن الأيام مرَّت بسلامٍ وسكينة بل إن زوجي الذي كان يغضب ويحزن كُلَّما ذهبتُ إلى الطبيبة تقبَّلَ الأمر برضا وقناعة وهو يعانقني بدفءٍ يُربِّتُ على كتفي ويحتضن قلبي وهو يهمسُ لي:

- لا تقلقي يا عزيزتي الله قادر على كُلِّ شيء، سننتظر قدوم ابننا أو ابنتنا برضا وقناعة، دون الضجر أو الملل، بل بصبرٍ واحتساب.

كنتُ أعتقد أنني لن أحصُلَ على فتاة تحمل دمي أو حتى ملامح زوجي، وأنَّ الله سيعوضني خيرًا عن الذي فقدته، إلى أن جاء اليوم الذي شعرتُ بحركة خفيفة داخل بطني، شهقتُ من الفرحة والصدمة في آن واحد، كيف يمكن أن يُخلَقُ ويكبر في رحمي جنين ولا أشعرُ به، آنذاك قال لي زوجي بسعادة غامرة:

- سنذهب إلى طبيبة أخرى ترتاحين لها إذا أردت.

- لا سأذهب إليها لأريها معجزة الله و هديته لي.

لم أكُن قادرة على الصبر أو الثبات، كنتُ أطير من الفرحة وأنا أشاهد صورة الجنين وهو يتحرَّكُ في أحشائي.

واليوم أكتبُ كلماتي الأخيرة وأنا أنظر إلى أصابعها الجميلة والصغيرة، ببشرتها البيضاء الصافية وشعرها الأسود، خدودها المُمتلئة والمُستديرة بحمرتها الجذابة.

وضعت قصة ملامستي أصابعها الجميلة ورسمتُ لها مئات اللوحات.

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

423 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع