آخر الموثقات

  • إحذر و تيقن
  • ستجبرون...٤
  • حسنًا.. إنها الجمعة..
  • لا تحزني يا عين..
  • حبل الذكريات
  • [النقطة التي أكلتني] قصة قصيرة 
  • الاستقرار سنة كونية واجتماعية  
  • أتسمح لي..
  • فنجاني وحده يعرفني
  • هل هذا …..إنتصار ؟!!!!!
  • صرخة حوائط
  • هل يمكن حقًا تركيب جيب فستان من الخارج بدون أي خياطة مرئية؟ 
  • لا مبالاة ...
  • وأنتَ ملاذي...
  • ٣ كيلو لحمة
  • يتوسدون المياه والأوحال ويلتحفون الزمهرير
  • الثانية فجرا: وعلى سبيل الاعتراف..
  • عمر الحب ما شفته مشين
  • لزاما عليك ألا تعجز ... 
  • لعنة المعرفة
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة مروة القباني
  5. قصة انعكاس ظل

انعكاس ظل (١)
يجلسُ خلفي تماماً وهو ينظر إلى الشاشة المُضاءة يقرأ الكلمات التي أكتبها وأنفاسه المُلتهبة المُنتظمة تَحرِقُ رقبتي، لكنني لم أستطع الالتفات إلى الوراء أو حتى النظر إليه.
لطالما كان انعكاس ظلٍّ أسود لا دليل على وجوده في هذا العالم الحقيقي، وأنا الوحيدة التي كانت تسطيع رؤيته والشعور بوجوده يعيش معنا داخل هذا المنزل الكبير.
مازلت أذكر المرة الأولى التي رأيته بها كان يُمسكُ قطتي البيضاء من قدمها اليمنى و رأسها مُتدلي نحو الاسفل، تحاول الهروب بشكل عبثي وهي تغرزُ أنيابها الحادَّة في قدمه اليسرى و بمخالبها تقضمُ أصابع يديه التي كانت تقطرُ دماً بغزارة.
تراجعتُ إلى الوراء ثلاث خطوات وأنا أصرخُ بِكُلِّ ما أوتيتُ من قوُّة علَّ أحدهم يأتي لإنقاذ تلك الروح المسكينة، وإذا أردت سؤالي لماذا لم أحاول فعلاً إنقاذها، كان جسدي المُتشنِّج لا يُساعدني على الحراك أو التقدُّمِ نحوه بل إنني تراجعت للخلف بأعجوبة كبيرة!
أغمضتُ عيني بيدين مُرتجفتين أحاول إقناع نفسي بأنه كابوس سأستيقظُ منه حالاً!
لكنني لم أفعل بل أعادني إليه بقوَّة صراخ أختي الصغرى، لأرى نفسي أحمل قطتي البيضاء بيدي اليسرى والتي كانت تقطر بالدماء، ورأسها المقطوع بيدي اليمنى!
لم أقوى على الشرحِ لعائلتي بأنه الرجل الأسود الغامض هو من فعلها، بل إنَّهم لم يستطيعوا تصديقي بعد رؤية كاميرات المراقبة في أرجاء الحديقة.
لقد أقسمتُ لهم لمئات المرات أنني كنت أقف في الزاوية أشاهد كل شيءٍ من بعيد، لكن تهديدي بالذهاب نحو المصح العقلي جعلني أُذعِنُ للأمر وأعترف بأنني فعلتها بعد كأسي العاشر من النبيذِ الأبيض.
وحين خروجي من مبنى الشرطة بكفالة والدي رأيته يراقبني من بعيد وهو يضحك بِخُبثٍ ويديه تقطر بالدماء.

تحدثتُ إلى الطبيبة النفسية كما نصحتني مديرة أعمالي وصديقتي المُقربة، كانت تنظر إلي باسمة بشكل هادئ ومبالغ به وكأنها غارقة في التفكير، رأسها المرفوع بدقة متناهية وتفاصيل جلستها التي خمَّنتُ تدرُّبها عليها لآلاف المرات قبل أن تستطيع إتقانها بهذا الشكل، والذي جعلني أرتبكُ في حضورها فلا أعرفُ من أين أبدأ بالحديث!
تشابكت يداي مرةً وقضمت أظافري مرات عديدة، تلعثمت حروفي وتساقطت الأفكار من رأسي، على الرغم من ترتيبي الأحداث وإتقاني اللغة العربية إلا أنني فقدت صوتي أمامها!
أخبرتني بعد مضي جلسة مقدارها ساعتين أنني بحاجة إلى أسبوع راحة وفعل أشياء أسعدُ بها نفسي أو الخروج في رحلة خارج المنزل برفقة عائلتي، إلا أنني لم أثق بكلامها تماماً.
كانت تخرج الكلمات من فمها بانسيابية حتى أنني شعرت بكونه وصفة طبية حفظتها عن ظهر قلب وتقوم بإعطائها لجميع المرضى على حدٍّ سواء!
- هذا لن يفي بالغرض، أنا بحاجة إلى دواء لإبعاد تلك الأرواح الشريرة التي أراها، أو اللعنة التي أصابتني ؟!
قلت لها غاضبة وأنا أنظر في عينيها الهادئتين.
- أنت بحاجة إلى الراحة وألا تعتقدي انسجامك داخل عالم الكتابة لوقت طويل جعلك مرهقة تماماً؟!
لست بحاجة إلى الدواء بل إلى أخذ إجازة عائلية...
خرجت نحو صديقتي المقربة والتي كانت تعيشُ في قمَّةِ الجبل، محاولة الأخذ بنصيحة عائلتي والطبيبة المجنونة أكثر مني..
كانت الأجواء الباردة والموسيقى الهادئة جعلت عقلي يسترخي وأتأمل الأشجار الكثيفة على حافة الطرقات، ربما كان يتوجب علي الابتعاد عن عالم الكتابة والضغط الذي كنت عليه.
وفي اللحظة الأخيرة أوقفتُ السيارة بمنتصف الطريق حيث كانت تجلسُ فتاة بالثانية عشر من العمر، يُغطي وجهها شعرها الأسود الكثيف، ترتدي ملابس بسيطة و مُتَّسِخة تحني رأسها نحو الأرض وتحتضن نفسها بكلتا يديها الشاحبتين.
ابتلعتُ ريقي بصعوبة أنظر إليها لتبتعد عن الطريق، الدقائق الأربعة التي مرَّت بصعوبة قبل رؤيتي لهُ يجلسُ على المقعدِ الخلفي، يبتسمُ لي تلك الابتسامة اللعينة و يتقهقر ضاحكاً وهذا ما جعلني أضغطُ بقوَّةٍ فوق البنزين، تلك الثواني الأخيرة والتي جعلت حدقات عيوني تتَّسع حتى أقصاها محاولة الإبتعاد عن الطفلة الصغيرة وأدخل بفاصلٍ زمني نحو اللاوجود والفراغ.
فتحتُ عيني ببطء شديد لأجد نفسي داخل غرفة في المستشفى وعائلتي تتحلَّق حولي وهي تنظرُ إلي بعيون دامعة وحزينة، لم أعي ما حدث معي بالضبط ولكن كلمات أمي الحزينة جعلتني أشعر بالصدمة:
- لماذا يا بنتي حاولتي الهروب؟!
ما الذي جعلك تخرجين عن الطريق نحو الهاوية، لقد قام رجال النجدة بإخراج السيارة بصعوبة، لولا سترُ الله لكنتي الآن في الهاوية!!
- أنا كنت أحاول فقط الابتعاد عن الفتاة، لم أخرج نحو الهاوية...
بُحتُ لها بصوتي الضعيف، قبل أن أرى تلك الفتاة تقف بن الحاضرين وهي تبتسم بمكرٍ وتغمزُ لي بطرف عينيها.
أشرت لشقيقتي الصغرى بأن ترى الفتاة التي كانت تقف إلى جانب الحائط، لكنها كانت تنظر إلي بعينين فزعتين وهي تعود بخطواتها إلى الوراء وتخرج من الغرفة.
على الطرف الآخر كان يقف بظلِّه الأسود الغامض ينظر من خلال النافذة وهو يشير إلي بأطراف أصابعه نحو بُقعِ الدم على الجدار، وسقطتُ في بئرٍ عميق لا قرار له.

صوت الموسيقى الكلاسيكية المُنبعثة من الصالة الرئيسية جعلَ الظِلال تتراقص فوق الجدران العالية و المطلية بالأبيض الناصع، نهضتُ من فوق السرير أحاول تذكُّر الأحداث الأخيرة التي حصلت معي أو كيفية دخولي إلى هذه المستشفى.
لم أرَ سوى أطياف عابرة تقفُ من حولي دموع شقيقتي الصغرى، ويد أمي تُعانق كتفي و تُربِّتُ على قلبي!!
ثُمَّ اختفى كل شيء وكأنني انبعثتُ من المجهول نحو هذا المكان، في رأسي فجوة كبيرة لم أستطع ملأها بأي أحداث تخيَّلتها أو نسجتها لمعرفة الأحداث التي مررتُ بها.
وقفتُ أمام النافذة المُطلَّة على الحديقة الداخلية المحيطة ببناء المستشفى لأجد الكثير من الناس ومن مختلفِ الأعمار.
البعض يركض بهدوء حول المنطقة، شابة تمشي إلى جانب الطبيبة النفسية تحني رأسها نحو الأرض وهي تستمع إلى تعليماتها، ربما تشرح لها - وضع أحد أقاربها- والعديد من الكبار في العمر جالسين فوق المقاعد المتناثرة على أطراف الطريق.
لفتَ انتباهي وجودُ ظل شاب يجلس خلف الشجرة العملاقة ويحفرُ التراب إلى جانب الورود الملوَّنة، وحينما التفتَ نحوي كان يحملُ شاهدة قبرٍ مكتوبٌ عليه اسمي!!
تراجعتُ للخلفِ وأنا أضع يدي فوق فمي والدموع تنهمرُ من عيوني، غير مصدقة ما رأيته للتو.
انتفض جسدي في اللحظة التي شعرت بيدٍ تمتدُّ لتلامس كتفي، لم تكن ملامح الممرضة طبيعية عينيها المتَّسعة الأحداق والمُمتزجة بالدم والابتسامة المُرعبة التي كانت مُجرَّدة من المشاعر الإنسانية، وشعر الأسود الطويل والمُلتف حول جسدها.
تحملُ بين يديها قطعة قماش ضخمة باللون الأبيض وهي تقترب مني بخطوات مائلة تعرجُ قدمها اليمنى بمقدار ثلاثون درجة نحو اليمين.
صرختُ بأعلى صوتي وأنا أركضُ نحو الخارج هرباً منها، أيقنت تماماً كونها اتفقتُ مع صاحب الظل من أجل قتلي ودفني في تلك الحفرة.
وجدتُ نفسي فجأة أقف أمامه وجهاً لوجه والممرضة خلفي تماماً، تجمَّد جسدي فلم أعد قادرة على الحراك أو حتى مقاومتها وهي تُلبسني ذاك الثوب الأبيض لتربِّط جسدي بقوَّة.
حملني بيدٍ واحدة وقام بقذفي نحو الحفرة الكبيرة، وإهالة التُّراب فوق جسدي المُرتعش، حاولت طلب المساعدة والصراخ لكن صوتي اختفى تماماً، أما أنفاسي ونبضات قلبي كانت تقلُّ مع مرور الثواني الأخيرة، حتى جزمتُ أنها نهايتي.
وحدها يدُ أبي التي أمسكت بي هي من أنقدتني، دفعتني نحو الخارج إلى الحياة مجدداً، بملامحه الهادئة والممتلئة بالمحبة.
شعرتُ بالدفء يسري في أعماق قلبي وروحي، نبضات قلبه كانت الموسيقى التي جعلت جسدي يطمئن، في اللحظة التي احتضنني بقوة وهو يحاول إخباري أن كل شيء سيصبح على مايرام قريباً.
فتحت عيني ببطء شديد لأجده يجلس أمام السرير وهو يقرأ آيات القرآن بسكينة ووقار، هذه المرة لم يفزعني وجود ذاك الرجل الغريب الأطوار أمام الجدار، بل ابتسمتُ بهدوء لم أعتد عليه فمنذ حينها قررتُ محاربته حتى النهاية...

ربما ستشعر بالتضامن معي والموافقة بعد معرفتك الأحداث التي توالت أثرَ دخول هذا الرجل الغريب الأطوار إلى حياتي.
أو أنَّك ستنعتني بالجنون والتهُّور جرَّاء كذبي أمام الطبيب الذي قام بالإشراف على علاجي، إلى أن خرجت من المستشفى.
في الأيام الأولى ولربما الشهر الأول تحديداً كانت رباطة جأشي وصلابة إرادتي تزداد لكن بشكل غير ملحوظ، إلى أن جاء اليوم الذي جلس به إلى جانبي دون أن يرفَّ لي جفن أو أشعر بالغرابة، بل إنني نظرتُ إليه بتحدِّ ومكر كلما حاول إخافتي.

لكن الأمر الذي جعلني أشعر بالخيبة والمرارة هو عدم وجود عائلة تنتظر عودتي إليها، قال لي أبي بلطفٍ مبالغٍ به:
- لقد اشتريتُ لكِ منزلاً في الحيِّ الذي نقطنه والذي اعتدتي عليه منذ طفولتك، من الأفضل أن تعتادي السكن لوحدك ياعزيزتي، زوجة أخيك على وشك الإنجاب، ولن تعتادي الضجة...
لم أنبث بكلمة أو أقول شيئاً اكتفيتُ بإيماءة في رأسي بالموافقة على الأمر، أعتقد بأن الجميع صوَّتَ على خروج المجنونة حديثاً من العائلة حفاظاً على صحتهم!!
توالت الأيام بسرعة وأصبحت قادرة على التنظيم بين العمل والمنزل، بالرغم من صعوبة الأمر في الأيام الأولى، حتى أنَّ الطيف الأسود بدأ يختفي تدريجياً من حياتي، فلم أعد أراه في منزلي أو حتى العمارة التي كنت أقطنها، كان يكتفي بالظهور في الإجتماعات العائلية أو الرحلات التي نقوم بها وهذا ما جعلني أشعر بالريبة والقلق، بل أشعر بالصدمة بشكل أدق!!
إلى أن جاء اليوم الذي أنجبت فيه زوجة أخي مولودتها الأولى، كان الوقت حينها الخامسة فجراً، اتصلت والدتي بي وأخبرتني بضرورة الذهاب إليها لتقديم المساعدة وعلى الفور..
لم أتردد بتنفيذ تلك المهمة وأنا أشعر بالسعادة الفائقة لكوني أصبحت الآن عمَّة، وما أجمله من شعور!!
ولكن الصدمة كانت بوجود الشاب الغريب الأطوار الذي كان يلاحقني طوال تلك الفترة يجلسُ أمام زوجة أخي منار ويتحدَّثُ إليها، مما جعلني أقترب أكثر لأصبح قادرة على سماع الحديث الذي كان يدور بينهما..
- لقد أتممت مهمتك بشكل دقيق يا شقيقي، ولم يعد هناك أيَّ داعي للإستمرار في هذه الحيلة، لم أصدق أن عائلة زوجي قاموا بشراء المنزل للفتاة عوضاً عن زوجي، ربما سأضطر للعيش مع هؤلاء المُسنين إلى الأبد!!
كانت تنفخ كلماتها الأخيرة في الهواء لتقبع في صدري وتضرمُ نيران الحقد والكراهية.
قررتُ الانتقام منها على طريقتي الخاصَّة بقلبِ خُدعتها إلى حقيقة، لكن الأمر يحتاج إلى تخطيط كما فعلت تماماً.
واليوم بعد سنة من إنجابها أكتب السطور الأخيرة من هذه القصة التي حدثت معي وأنا أحمل ابنة أخي بين يدي وأضع فوق وجنتيها القُبلات الكثيرة.
حينما سمعنا صراخ منار قادم من الحديقة الخارجية للمنزل،
سارع الجميع إليها بينما حملتُ ياسمين ووضعتها بين ألعابها الكثيرة في غرفتها قبل أن أقوم بالذهاب إلى الخارج.
بنصف ابتسامة خبيثة قابلت وجهها المُتَّسخ بالطين ويديها التي ترتجفُ وهي تمسكُ بالتراب، تجلسُ راكعة أمام حُفرة مستطيلة وهي تتحدَّثُ بكلماتٍ غير مفهومة للجميع، إلا أنني الوحيدة التي أعلمُ جيداً ما الذي تتحدث عنه.
كانت تحملُ أُمِّي زجاجة المياه تحاول مساعدتها على شربِ القليل منها، وأخي يحاول إبعادها عن الحفرة، والدي الذي يقرأ القرآن ويستعيذ من الشيطان، أما هي فكانت عينيها مُعلَّقتين بأطراف ابتسامتي وهي تميزُ غيظاً.
اقتربتُ منها و أنا أميلُ إليها لاحتضانها وأنا أهمسُ في أذنها بصوتٍ مبحوح:
- هذه البداية فقط يا عزيزتي منار ، أعتقد أنَّكِ نسيتي بكوني الكاتبة بيننا، والقادرة على رسمِ الواقع وتسييرِ الشخصيات كما يحلو لي.
ابتعدتُ عنها قليلاً وأنا أغمزُ لها بطرف عيني، ثُمَّ قلت لها كلماتها الأخيرة قبل دخولي إلى مستشفى المجانين:
- عزيزتي ما الذي فعلته بنفسكِ، يتوجَّب عليكِ أن تكوني قويَّة من أجلِ عائلتك و ابنة أخي، إذا أردتِ بإمكاني مُساعدتك.
انعكاسُ ظلٍّ أسود سقط خلفي على الأرض، اتسعتُ له حدقات عينيها، لم يرَه أحدٌ سواها..
- سيرافقك انعكاس الظل الذي قُمتِ باختراعه من أجلي كما فعل معي: قلت لها وأنا أعانقها للمرة الأخيرة.
دخل الجميع إلى المنزلِ بعد يومٍ شاق، أما هي وحدها من سقط في ذلك الفراغ وبقيتْ مُعلَّقة بين شاهدة القبر التي نُقِشَ فوقها اسمها، وجدران الظلِّ الذي قامتْ بخلقِهِ بنفسها.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

577 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع