الفصـــــل السادس
"السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق. لقد جئتك يا إلهي خاضعا لأشهد جلالك، جئتك ياإلهي متحليا بالحق، متخليا عن الباطل، فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الضالين، لم أحنث في يمين ولم تضلني الشهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي ولم تمتد يدي لمال غيري، لم أكن كذابا ولم أكن لك عصيا، ولم أسع في الإيقاع بعبد عند سيده. إني (ياإلهي) لم أسبب الجوع أو البكاء لأحد، وماقتلت وماغدرت، بل وماكنت محرضا على قتل، إني لم أسرق من المعابد خبزها ولم أرتكب الفحشاء ولم أدنس شيئا مقدسا، ولم أغتصب مالا حراما ولم أنتهك حرمة الأموات، إني لم أبع قمحا بثمن فاحش ولم أغش الكيل. أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر. وما دمت بريئا من الإثم، فاجعلني ياإلهي من الفائزين." - كتاب الموتى -
لم يكن يتوقع أحد ما حدث عندما ضغط رامي على نقش التابوت الملكي المنقوش على الجدار.. فعلى أثر هذه الضغطة إنفتح قاع الهوة التي وجدت بها التوابيت الملكية الخاصة بالملك توت وخرجت منها نسمات من هواء لم يخرج منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام تلفح وجه حسام الذي كان واقفا عند رأس الهوة محملقا في ذهول و لحقت به مريم و رامي الذي قال في ذهول و هو يسلط ضوء مصباحه
" ياإلهي ...هناك سلم حجري يؤدي إلى أسفل "
ثم نظر إلى حسام و مريم قائلا " هذا شيء لم يكتشفه أحد من قبل "
فقال حسام في قلق " هذا شيء خطير جدا..و علينا أن نتخذ قرارا صحيحا الآن "
فقفز رامي داخل الهوة ووقف على السلم و مد يده ليساعد مريم على النزول لأسفل فأستطرد حسام في إستسلام "هذا تماما ما أقصده .....تبا "
ثم أخذ ينزل درجات السلم الحجري الممتد إلى مايقرب من ثلاثة طوابق لأسفل هو الآخر ليلحق بهما و لكنه
تعثر فجأة عند الدرجة قبل الأخيرة فسقط و سقط من حقيبته الصندوق الذهبي فألتفت إليه رامي و مريم التي سارعت إليه قائلة " هل أنت بخير؟ "
فقال و هو يتألم " على ما يبدو ...حتى الآن "
فعاجله رامي ليساعده على النهوض متسائلا وهو ينظر لحقيبة حسام " لقد سقط الصندوق ؟ "
فجال بمصباحه فوجد الصندوق ملقى و قد كان مفتوحا من أثر السقطة و ألتقطه ليتفحص محتوياته و فوجيء الجميع ....ليس لأن شيئا مفقودا....ولكن لشيئ مضاف ...لم يكن موجودا من قبل .
***************************
" هذا شيئ بارع بحق "
قالها رامي و هو ينظر إلى الصندوق فأحد جوانب الصندوق كان جانبا مزدوجا مكون من طبقتين وقد إلتصقتا ببعضهما بمادة قد زالت قوتها مع مرور الزمن..و لكن الأمر المذهل أن الطبقتين كانتا تخفيان بينهما بردية أخرى.
فقالت مريم في ذهول " يا إلهي .. بردية أخرى "
فقال حسام في توتر " تقصدين مصيبة أخرى "
فأنتزع رامي البردية برفق و أعطى حسام الصندوق وهو يقول " ضع الصندوق كما كان في حقيبتك ... سأقرأ البردية لنكتشف ما تقوله "
فقالت مريم " يبدو أنها أكثر سرية من الأخرى.. وإلا لما كانت مخفية بهذه الطريقة المحكمة "
فأومأ لها رامي بالإيجاب وهو يتفحص البردية تحت ضوء المصباح وهو يحاول ترجمة ماتقوله البردية بينما زاد حسام من قوة ضوء مصباحه ووجهه داخل الممر فوجد أنه ممر قصير على جانبيه حوالي عشرة تماثيل لحراس برؤوس إبن آوى و رماح في أيديهم كان طول الواحد منهم لايقل عن تسعة أقدام و ينتهي الممر بقاعة فسيحة لم يتبينها حسام فكان عليه أن يقترب و هو بالطبع لن يفعل ذلك وحيدا ....
إلتفت حسام إلى رامي و مريم قائلا " هل سندخل هناك ؟ "
فقالت مريم في هدوء "ربما ,لما لا ؟ "
بعدها بلحظات رفع رامي نظره من البردية و في دهشة قال لهما " إنها شفرة ما "
فقالت مريم وهي غير متأكدة " يبدو أنها شفرة للعثور على كنز ما "
فجذبت كلماتها إنتباه حسام " كنز؟! ترجم لي البردية...ماذا تقول ؟ "
فنظر رامي إلى البردية و بدأ يقرأ " النور بين اليوم و الأمس طريقك إلى النجاة من السقوط في بئر
الجحيم......عين حورس تحميك من (واجت ) وتفتح لك طريقا عبر ملايين السنين إلى البحيرة الخضراء
العظمى.....أطعم حارسها ذهبا يصنع لك جسرا إلى المقبرة الذهبية...(أنوبيس) يحرس المقبرة...أجب أسئلته تدخل ... المقبرة تختبر روحك...إذا صفت نجوت بأسرار الدنيا...إذا دنت هلكت و هلك من معك "
و بعد لحظات من الصمت قال حسام في تسائل " وما المفترض أن يعنيه هذا ؟ "
قالت مريم " يعني أن هناك مقبرة مليئة بالذهب ...وهذه شفرة الوصول إلى الكنز "
فألتمعت عينا حسام وهو يفرك يديه في ظفر قائلا " مقبرة ذهبية....كنز...فلنذهب إذن ..ماذا ننتظر ؟ "
و فجأة أتاهم صوت شخص خلفهم على درجات السلم " ليس بهذه السرعة يا رفاق "
فالتفت الجميع في فزع و شهقت مريم من المفاجأة و نظر رامي إلى مصدر الصوت و عقد حاجبيه ..فقد كان صاحب الصوت هو آخر شخص يتوقع أن يراه هنا و في هذا الوقت بالذات ......
***********************
" أهلا بصديقي القديم "
قالها نابش القبور و هو يسدد مسدسه في إتجاه رامي في حين هبط رجاله الثلاثة السلم في ملابسهم السوداء
بمسدساتهم المزودة بكاتم صوت يسددونها إلى الآخرين ..
فقال رامي في غضب مكتوم " لم نكن يوما أصدقاء يا إفرام "
فضحك إفرام في سخرية وهو يهبط فوق درجات السلم الحجري ببطء قائلا " لم أتوقع هذه المقابلة منك "
فقال رامي بنفس اللهجة " و أنا لم أتوقع ظهورك بهذه السرعة بعد عمليتك الأخيرة "
فقال إفرام في دهشة مصطنعة " رائع ... لقد إكتشفت مالم يكتشفه الجميع...لطالما أدهشني ذكائك يا رامي "
فسأل حسام رامي في حيرة " من هذا الرجل يا رامي ؟ "
فأجاب رامي في ضيق " كنا زملاء في البحث العلمي في يوم من الأيام حتى إكتشفت حقيقته ؟ "
فسألت مريم " وما هي ؟ "
فأجابها رامي و عينيه مثبتتين على إفرام " أنه مهرب آثار يهودي نابش للمقابر الأثرية للمجد المادي فقط "
فصدمتها إجابته وهي تردد في خفوت ناظرة إلى إفرام " مهرب يهودي؟! "
فقال إفرام مبتسما " نعم يا بنت العم ...يهودي أحمل الجنسية السورية ..وهذا ما خدع صديقي "
فقال رامي في ثقة " أعمالك تكشفك يا إفرام و تكشف نواياك الخبيثة ..ولا سيما عملك الأخير ..."
وصمت رامي قليلا قبل أن ينظر لرفيقيه و يستطرد " لقد أباد قرية كاملة تقع عند سفح أحد الجبال في
الصين...من أجل تمثال بوذا "
فقال إفرام مستنكرا " مهلا...هؤلاء المجانين هم من ضحوا بأرواحهم من أجل قطعة الحجارة تلك "
فقال رامي " وأنت....ماذا فعلت ؟ "
فقال في لا مبالاة " لم يكن يهمني التمثال في الحقيقة و لا قيمته اللعينة...ما يهمني هو المال ..المال فقط يا
عزيزي "
فقال رامي في إحتقار " نعم ...هذا هو هدفك عل أي حال "
فقال إفرام في ملل " حسنا ...لنؤجل حديثك الشيق لوقت آخر لأني في الحقيقة مرتبط بمواعيد مهمة لذا أستميحكم عذرا جميعا أن ننتهي من جولتنا للبحث عن مقبرة الكنز و نعود جميعا فائزين "
فقال رامي معترضا " لن نذهب إلى أي مكان .. إذا أردت الذهاب فأذهب وحدك "
فعقد إفرام حاجبيه و نظر إلى أحد رجاله الواقف بجانب مريم فجذب الرجل أجزاء سلاحه ووجه إلى رأس مريم
فقال إفرام في تحدي " لنرى إذن مدى حرصك على أرواح الأبرياء يا سيد رامي "
و أمام هذا المأزق لم يجد رامي بدا من الموافقة على مرافقة إفرام ورجاله إياهم للبحث عن مقبرة الكنز....
فتقدمهم ومعه حسام من جهه و إفرام من جهه و مريم خلفه مباشرة ومن خلفه الرجال الثلاثة أتباع إفرام ...
وبعد إجتيازهم الممر القصير وجدوا أنفسهم داخل قاعة كبيرة و قد ظهرت نقوشها الرائعة الكثيرة على جدرانها و قد لاحظ رامي أن القاعة سداسية الشكل وهو يدور بمصباحه في أرجاء القاعة المسمطة و قد لاحظ أيضا وجود مشعل على أحد الجدران فقال لحسام " هناك مشعل ..إشعله بقداحتك "
فتوجه حسام إلى المشغل و أشعله و فجأه إنعكست الأضواء على مجموعة من المراية المرتبة ترتيبا دقيقا
معلقة على جدران القاعة ..فأضائت القاعة كلها و ظهرت النقوش الرائعة على الجدران و على سقف القاعة
كان هناك نقش بارز لأفعى ضخمة ملتفة حول نفسها...
فقال إفرام وهو يجول ببصره في النقوش المرسومة " عمل جيد يا صديقي...عمل جيد "
وقالت مريم في قلق " ولكن لماذا القاعة فارغة ؟ولايوجد اي ممر بها لأي مكان آخر؟ولا حتى فتحة في
جدار؟"
فقال إفرام ساخرا " هذا لأنك ياعزيزتي الأكاديمية غير محترفة مثل من تنشق غبار المقابر لسنوات...فلابد أن يكون هناك مفتاح لكل مكان "
فقال رامي للجميع " إبحثوا عن نقش مميزعلى الجدران "
فبدأ يبحث هو ومريم و إفرام في حين أن رجال إفرام كان يتابعون الموقف و كان أحدهم يقف عند باب القاعة المؤدي إلى الممر و عندما نظر رامي خلفه وجد حسام يقف في وسط القاعة ينظر جهة الباب فصاح به
" حسام...ماذا تفعل ؟ إبحث معنا "
فقال حسام دون أن يلتفت " يا رفاق...في حال إن لم يلاحظ أحد ذلك ..فهل حراس الممر ينظرون إلينا؟ "
فتنبه الجميع إلى جملته الأخيرة حتى أن الرجل الواقف عند باب القاعة إلتفت وراءه و فوجيء الجميع أن
رؤوس إبن آوى لتماثيل الحراس الضخمة مستديرة ناحيتهم .
فأقترب رامي قليلا من حسام محملقا جهة التماثيل و يقول في خفوت " لقد كانوا ينظرون أمامهم ..وليس كذلك"
فألتفت حسام إليه وهو يقول له في تهكم " شكرا لك .. لقد أرحت بالي فعلا "
وفجأة ...فتحت هوة تحت قدمي حسام وكاد أن يسقط فيها لولا أن تعلق بذراع رامي وهو يصرخ قائلا " ماذا يحدث؟ما هذا ؟ "
إنتاب الجميع حالة ذهول عندما رأوا حسام معلقا و رامي يحاول جذبه و عندما نظر رامي لما يوجد بأسفل و جد أن الأرض قد كشفت عن هوة عميقة للغاية يكمن في قاعها بركان مهلك فقال رامي في ذهول " إنه الجحيم!! "
فقال حسام وهو مازال متدليا في فزع "ماذا ؟! أخرجني من هنا ....فأنا أشعر كأني أحترق "
وكذلك شعر الجميع بالهواء الساخن كاللهيب يخرج من الهوة ولاحظ رامي أن الهوة تتوسع شيئا فشيئا وقد هبت مريم لمساعدته في رفع حسام ...
وما أن رفعاه حتى صاح رامي " ليلزم الجميع الجدران فإن الهوة تتسع "
فلزم الجميع مكانهم و إلتفت الرجل الواقف عند الباب في فزع محاولا الهروب... فوجد فجأة أن الحارسان
الحجريان قد تحركا قبالة الباب و قد إستدارا بجسديهما و سدا عليه الباب في وسط ذهول الجميع و دهشتهم ...
فقال أحد الرجال له وهو يحاول اللحاق به " أطلق عليهما النار يا رجل "
وماكاد الرجل أن يفعل حتى دفع أحد الحارسين الحجريين رمحه في جسد الرجل فترنح الرجل وقبل أن يسقط في بركة من الدماء بالقرب من منتصف القاعة فصرخت مريم و أحتمت بكتف رامي قبل أن يرفع الرجلان الآخران سلاحيهما كي يطلقا النار على التمثالين....
فصاح رامي بهما " لا تفعلا هذا أيها الأغبياء ...فهذا لن يجدي "
فأشار إفرام لهما صائحا " أخفضا أسلحتكما ... "
ثم إستدار إلى رامي وهو يصيح في هلع " ماذا سنفعل الآن ؟ "
فصاح رامي في توتر " هذان التمثالان هنا فقط للتأكد أن أحدا لأن يعود أو يهرب ...الأفضل أن نقلق
بشأن الهوة التي تتسع و توشك أن تبتعلنا الآن في ذاك الجحيم المستعر بالأسفل "
فاتسعت الهوة أكثر و سقطت جثة الرجل الذي لقا حتفه.....
فأمسكه إفرام بيديه من ياقته في غضب " إذن من الأفضل أن تسرع أيها البطل "
فقال رامي وهو ينزع يديه عنه " أنا أفعل هذا "
فصاح حسام وهو يلتصق بالجدار ناظرا إلى الهوة التي إتسعت كثيرا ولم تترك لهم أكثر من متر واحد يقفون عليه " يا رفاق ..أسرعوا .. سنسقط "
فصرخت مريم " لا أريد أن أموت هكذا "
ففكر رامي بسرعة وهو يخرج البردية و يقرأها " النور بين اليوم و الأمس طريقك إلى النجاة من السقوط في الجحيم "
فجال ببصره في توتر و نظر إلى الشعلة الموجودة عند أحد الجدران و نظر إلى الجدار الآخر وو قع بصره
على نقش لأسدين بينهما قرص شمس فصرخ في الرجل الواقف عند هذا الجدار " أنت يا هذا .. إضغط على قرص الشمس هذا "
و لكن الرجل كان شبه منهار وهو ينظر إلى البركان المستعر في قاع الهوة و قد زاد إتساعها ولم تترك لهم
أكثر من نصف متر ليقفوا عليه ..
.فصرخ رامي بشدة " إفعل هذا الآن أيها الوغد "
فرفع إفرام مسدسه مصوبا إلى الرجل وهو يصيح " إفعل هذا و إلا تموت الآن "
فاستدار الرجل في بطء و هو يتحسس الجدار و كان الجميع قد إلتصق بالجدار و أغمضت مريم عينيها بشدة....
وكاد الجميع أن يسقط .. و ضغط الرجل على نقش قرص الشمس بكل قوته وهو يغمض عينيه....و فجأة توقفت الهوة عن الإتساع ...وفتح الجميع عيونهم وهم يشاهدون الهوة وهي تنحسر مرة أخرى شيئا فشيئا...و بدأ الجميع يتنفسون الصعداء حتى بدأت الهوة تختفي وتعود الأرض صلبة من جديد...تهاوى حسام ومريم مكانهما وهم غير مصدقين لما حدث و ضحك حسام ضحكة هستيرية في حين تبادل رامي و إفرام النظرات ..
فسأله إفرام " كيف عرفت بأمر هذا االنقش ؟ "
فقال رامي وهو يمسح العرق عن جبينه " كتاب الموتى...هل تتذكره ؟ "
فنظر إليه إفرام مستفسرا فقال رامي " الفصل السابع عشر من كتاب الموتى ...قرص الشمس بين أسدين ....
أحدهما يسمى (اليوم)..و الآخر يسمى (الأمس ) "
فضحك إفرام ضحكة خفيفة قبل أن يقول " ذاكرتك قوية يا صديقي "
فقال رامي غير آبه للهجته الودودة " هي من تنقذني بعد الله .. "
و جذب إنتباههم صوت تراجع الحارسين الحجريين إلى مكانهما الأصلي و من ثم عادت رؤوس التماثيل إلى
وضعها الطبيعي ناظرة إلى الأمام كما رأوها في البداية ...
فقال رامي لإفرام " لقد أخبرتك أن هدف التماثيل ألا نهرب "
و سار الرجل الذي ضغط على القرص إلى منتصف القاعة في حذر وهو يتحسس بقدميه طريقه حتى وقف في المنتصف و هو ينظر ضاحكا إلى الجميع و يقول " لقد نجونا...لقد نجونا.. "
و فجأة ..... إهتز المكان ..
*********************************
دخل أحمد الضريح الرئيسي لمقبرة الملك توت عنخ آمون وتبعه عاطف في قلق وهو يسأله " إنتظر يا أحمد...
و قل لي ما الذي نفعله هنا بحق الجحيم ؟ "
فقال أحمد دون أن يلتفت " لقد أخبرني رامي أنهم سيدخلون مقبرة الملك توت "
فقال عاطف في إستنكار " و ما يدريك أنهم هنا الآن ؟ قد يكونوا رحلوا منذ زمن "
فألتفت إليه أحمد قائلا في ثقة " أولا أنا أعرف أسلوب عمل هذا الرجل ....إنه يحب العمل في حرية لذا يدخل
المقابر ليلا .....ثانيا لا يوجد قفل على باب المقبرة بل ملقى بجانب الباب مما يدل على أنهم لايزالون بالداخل "
فقال عاطف في إستسلام " رائع ...أين هم إذن ؟ "
فقال أحمد و هو يجول في الضريح الرئيسي في حيرة " لا أعلم حتى الآن ...ولكن لا يعقل أن يكونا قد غادروا
المقبرة "
فقال عاطف في دهشة " و ما الذي يمنعهم من المغادرة ؟ "
فجأة إنطلق صوت فحيح عظيم يعقبه صوت صرخات عبر هوة التابوت الحجري فالتفت كلاهما ناحية الصوت
قبل أن يقول أحمد " هذا يمنعهم... "
و استبد بهما القلق و الفضول لمعرفة مصدر صوت الفحيح....و خطورته .
*******************
الفصــــل السابع
" خذ رأسك، واجمع عظامك
اجمع أطرافك، وانثر الغبار عن جسدك!
خذ الخبز الذي لا يفسد، و الجعة التي لا تحمض،
قف أمام الأبواب التي تحجب عامة الناس! " - من نصوص الأهرام -
في أحد المعابد بجنوب فرنسا والذي هو أحد المقرات الرئيسية لإحدي الجماعات السرية الأشد خطورة بالعالم
كان رئيس الجماعة أو ( الكاهن الأعظم ) في غرفته الأثرية الطراز بزيه الكهنوتي المميز يجلس إلى مكتبه في
إسترخاء و بيده كأس من الشراب الروحاني كما يطلقون عليه و قد عاد بذاكرته لما حدث في هذه الغرفة قبل
خمسة عشر يوما ... عندما استدعى ( إفرام ) إلى مكتبه ليكلفه بمهمة غاية في الخطورة ... وقد كان إفرام
بمثابة اليد الضاربة للجماعة ... أو بالمعنى الدقيق هو من يتولى أمورها القذرة .......
قال الكاهن الأعظم في صوت هاديء رخيم " إفرام !! ... لقد تلقينا رسالة إلكترونية على أحد مواقعنا المضللة
تطلب شخص محترف في التعقب و الإحتيال للحصول على شيء أثري قيم .... الرسالة من القاهرة "
جذبت الجملة الأخيرة إنتباه إفرام وقد أرتسمت إبتسامة خفيفة على شفتيه قبل ان يقول " من القاهرة !! هل تعتقد
أن هذا له علاقة بالبردية التي وجدناها في أسطنبول ؟ "
فقال الكاهن متشككا " لا نعلم بعد يا إفرام .... سيتضح كل شيء قريبا .... عندما تذهب إلى هناك "
فقطب إفرام جبينه و هو يقول " أنت تعلم أنني مطلوب في كل مكان ... و خاصة بعد عملية تمثال بوذا "
فقال الكاهن مبتسما " كما أخرجناك في السابق .... سنخرجك إن حدث شيء "
فأطرق إفرام رأسه مفكرا .. فمال الكاهن ناحيته و هو يستطرد بلهجة مخيفة " المهم أنك تحصل لنا على ما
نريده في النهاية ....مهما كان الثمن "
فنظر إليه إفرام و قال في حزم " أحتاج إلى عدد قليل من الرجال أنت تعلم أأ
حتى لا نثير الشبهات "
فقال الكاهن متمما وهو يبتسم " وهويات مزيفة أيضا .....كل شيء تم تجهيزه "
فقال إفرام وهو ينهض في استسلام " إذن ...ما علي سوي الإستعداد "
فاستوقفه الكاهن قائلا بصوته الرخيم المخيف " إفرام ....تذكر أنك تحت عيني دائما "
فأومأ إفرام برأسه إيجايبا و هو يقول " وهذا ما يجعلني مطمئنا "
ثم خرج وقد تأكد الكاهن أن إفرام سيفعل ما سيريده مهما كان الثمن ...
أفاق الكاهن من إستعادته لتلك الأحداث على طرقات على باب غرفته .. ودخل مساعده مطرقا رأسه إحتراما
للكاهن وهو يقول " سيدي.. لقد تكلم المراقب ... إن الأمر كما توقعته يا سيدي الكاهن ... ولكن الشرطة في
أعقابهم "
فقال الكاهن ولم يبد عليه التأثر " من أهم عوامل نجاح المرء أن يراقب و يصبر و يثابر...... سنرى ما ستؤول
إليه الأحداث ... ثم نضرب ضربتنا "
ثم قام من مجلسه وعدل ردائه الكهنوتي و خرج إلى منصته أما غرفته التي كانت مرتفعة عن قاعة الإحتفالات
بإرتفاع طابقين و أخذ ينظر إلى رعيته وهم يقومون بطقوسهم الشيطانية و قد تزينت القاعة بالرسوم الشيطانية
و الطلاسم و إنتشرت الموائد بما عليها من طعام و كؤوس الشراب الروحاني ... وما أن رأوه واقفا عند منصته
حتى ركعوا له إجلالا لشخصه المهيب ... فنظر إليهم و رأسه ممتلئة بأحلام و صور عن العالم أجمع ... وهو راكع له .
********************
مع إهتزاز القاعة السدساية العنيف إعتقد الجميع أنها ستنهار فوق رؤوسهم.... و لكن ما حدث أن شق في
الجدار المنقوش عليه قرص الشمس فتح و كأنه باب .... ووسط دهشة الحاضرين أخذ الشق في الإتساع كاشفا عن ممر صغير يشبه حجرة مستطيلة الشكل إشتملت جدرانها على نقوش قليلة ...و مع دخول الجميع إلى الممر الصغير وقف الرجل الذي ضغط على قرص الشمس في قلق عند باب هذا الممر تحسبا لحدوث شيء.... و لكن ما حدث كان أكثر مما توقع ... ففجأة شعر بحرارة تأتي من خلفه و صوت فحيح مكتوم ... فأستدار الرجل في بطء و قلبه يكاد يتوقف من الخوف .... وكانت المفاجأة ...
و أطلق الرجل صرخة هائلة فور رؤيته للأفعى التي كانت منقوشة على سقف القاعة و قد دبت فيها الحياة و
تسللت خلفه برأسه العملاق و أنيابه المسنونة ... وفور صرخته القوية أطلقت الأفعى فحيحا عظيما و قد خرج
من فمها لهيبا قويا قبل أن تنقض عليه و تلتقمه بين أنيابها .....
أطلقت مريم صرخة قوية وسط هرج ومرج ساد الجميع فور رؤيتهم للأفعى العملاقة وهي تلتقم رجلا كاملا و
كأنه فأرا صغيرا و قد سدت عليهم باب الممر ... و كأنه فخا قد سقطوا جميعا به ..
صرخ حسام في ذعر " يا إلهي !! ما هذه الأفعى الضخمة "
قال رامي هامسا " واجت !! "
فقال إفرام في توتر " ماذا تقول ؟ "
فقال رامي بصوت عالي " واجت ...الأفعى ربة اللهيب "
فقالت مريم لرامي في هلع " البردية "
إهتزت الأفعى في نشوة و قد إبتلعت الرجل بالكامل و إستدارت لهم فنظر إفرام للرجل الذي تبقى من رجاله و
قال له " قم بإلهائها حتهى نجد مخرجا "
فأخذ الرجل يطلق رصاصة تلو أخرى في محاولة لجعل الأفعى تتراجع و كانت ترد على رصاصاته بفحيحها
المعهود ...في حين أن رفع رامي عينه عن البردية قائلا " عين حورس تحميك من (واجت ) "
ثم نظر إليهم وهو يقول " إبحثوا عن عين حورس "
فبدأ الجميع يبحث عن النقش الذي سينقذهم من الأفعى ..وهم يحاولون من جهة أخرى التملص من الأفعى التي
كانت منشغلة بالتصدي لرصاصات رجل إفرام و إستطاع حسام و معه إفرام التسلل من خلف الرجل إلى الجهة
الأخرى حيث لاحظوا وجود نقش كبير لعين حورس بينما وجدت مريم في الجهة المقابلة و معها رامي نقش
صغير غائر لعين بشرية أيضا كعين حورس ....
إنتابت حسام حالة ذعر وهو يضغط على النقش و لا شيء يحدث " ماهذا؟ لا شيء يحدث ....لقد هلكنا "
وحاول إفرام أيضا فلم يحدث شيء فألتفت إلى رامي قائلا " لا يحدث شيء ...ماذا نفعل الآن ؟ "
كان رامي يفكر بسرعة وهو يتحسس نقش العين الغائر في حين نظرت إليه مريم و قد تألقت عيناها فقال لها
" هل تفكرين فيما أفكر ؟ "
فقالت في سرعة " رؤوس التماثيل ... "
فصاح رامي بحسام " حسام !! أحد رؤوس التماثيل بالصندوق قاعدته على شكل عين ...إحضره لي بسرعة "
فبدأ حسام يفتش في حقيبته عن رأس التمثال المنشود حتى وجده ... وحاول أن يتسلل من وراء مطلق النار على
الأفعى مرة أخرى ولكن...فجأة.... وهو وراء الرجل تماما.... نفدت من الرجل ذخيرته... فأطلقت الأفعى
فحيحها في إنتصار .. و أطلقت رأسها نحو الرجلين لتلتهم تعيس الحظ منهم فنظر حسام إلى رامي و ألقى عليه
رأس التمثال ..فتوقفت الأفعى و هي تتابع الرأس المنطلق في الهواء و عدلت عن رأيها في إلتهام الرجلين و
تحولت إلى رامي عندما إلتقط رأس التمثال و حاول إفرام أن يطلق رصاصات مسدسه إلا أن الأفعى لطمته
برأسها بعد رصاصته الأولى فأطاحت به ليصطدم بالرجلين الأخرين و إستدارت لتمنع رامي من محاولة
إهلاكها...........وفي سرعة إنقضت على رامي و مريم لتمنعهم من تثبيت رأس التمثال في النقش الغائر ...و بدا الأمر أنه لامفر من أنياب الأفعى فأطلقت مريم صرخة قوية أمام أنياب الأفعى و دوت أصوات الرصاص .
********************
لم تكن الرصاصات المنطلقة من مسدس إفرام ....و لكن من مسدس عاطف الذي كان عند باب الممر
الصغير مع أحمد و عند وصولهما كانت الأفعى على وشك إلتهام رامي و مريم ..فأستل عاطف مسدسه في
سرعة و أطلق النار على الأفعى فتراجعت الأفعى وهي تستدير في مواجهته و قد أغضبها فعله هذا فكادت أن
تنقض عليه ...و مع تحركها الأخير نجح رامي في تثبيت قاعدة رأس التمثال في النقش الغائر ...ومع ضغطته على الرأس تحولت الأفعى إلى ذرات من الرمال غطت أحمد وعاطف ...و ساد الهدوء من جديد ....
إعتدل الجميع في وقفتهم وهم في حالة ذهول مما حدث فقال أحمد وهو ينفض حبات الرمل من عليه " أعتقد أننا
وصلنا في الوقت المناسب "
فقال رامي في دهشة " سيد أحمد !! ..ما الذي أتى بك إلى هنا ؟ "
فقال أحمد " إعتقدت أنكم ربما في حاجة إلي ...وقد كان حدسي صحيحا "
فنهض إفرام وهو يلتقط مسدسه فنظر غليه رامي قائلا " هذا الرجل هو من وظفني في هذا العمل ...فلا ترتكب
حماقة فهو من أنقذنا للتو هو و صديقه "
فقال إفرام وهو يضع مسدسه في حزامه " لن أفعل مادمنا سنصل إلى ما نريد "
فوضع عاطف مسدسه في حزامه بدوره وهو ينظر إلى إفرام بحذر ثم ينظر إلى رامي وهو يقول في تهكم
" و ما الذي توصلت إليه يا سيد رامي غير هذه الأفعى التي تحولت لذرات من الرمال ؟...هل تقترح أن نجمع
تلك الذرات ونبيعها إلى السياح تحت إسم ( ذرات الأفعى المقدسة ) ؟ "
فقطب رامي جبينه وهو يقول " لم ينته الأمر بعد يا سيد عاطف "
ثم إستدار إلى رأس التمثال المعلق على الجدار ووضع يده عليه وهو ينظر إلى النقش المرسوم على الجدار
أسفل التمثال و كان للإله (حيح) و يعني ملايين السنين .. فقال رامي " عين حورس تحميك من (واجت) ربة اللهيب و تفتح لك طريقا عبر (ملايين السنين ) إلى البحيرة الخضراء العظمى "
ثم أدار رأس التمثال إلى اليمين ...فأهتزت الأرض مع صوت إنفتاح الجدار من المنتصف عند رأس التمثال
... وظهر ما كان يتوقعه رامي خلف الجدار..... البحيرة الخضراء العظمى .
************
الفصــل الثامن
" الغاضب في قلبه،
الحي في كل اللآلهة
الذي يأكل أحشائهم
عندما يأتون، تمتلئ أجسادهم بالسحر
من جزيرة اللهب ..." – من نصوص هرم تتي –
" إختفوا ؟!!...ماذا يعني هذا ؟..ألم يكونا تحت المراقبة ؟ "
قالها ياسر حمدي إلى رجل شرطة السياحة عندا أخبره بإختفاء أحمد و عاطف عبر الهاتف و هو في غرفته
بالفندق ....
فقال الشرطي في توتر " لا نعرف كيف .... ولكن هناك من شاهدهما يخرجان من الباب الخلفي ... وهو باب
المطبخ "
فقال ياسر في دهشة " الباب الخلفي ؟!! هل يعقل أنهما إكتشفا انهما تحت المراقبة "
فقال الشرطي مستنكرا " لا أعتقد هذا ...ثم انه لا شيء يؤخذ عليهما حتى يقوما بالهرب هكذا "
فقال ياسر شاردا " ليس هربا..... قد يعقدان النية على فعل شيء ما ...و يريدان أن يظن الجميع أنهما لم يغادرا الفندق "
فقال الشرطي متسائلا " و ماذا تظن أن يقدما على فعله ؟ "
فقال ياسر وهو ينفض رأسه " لا أعلم .. لا أعلم ......إسمع ... قم باستجواب عمال المطبخ بدقة ..فاحتمال أن يكون أحد قد سمع شيئا ما "
فقال الشرطي في إستسلام " لك ما تريد يا صديقي "
ثم أنهى الإتصال و تمدد ياسر على فراشه قبل أن يشعل سيجارة و أخذ يفكر في وقائع الأحداث و العلاقة بين
طبيب و رجل أعمال و نابش قبور سفاح و الباحث الشهير صائد الكنوز رامي كمال...و كل تلك الخيوط بدت
متشابكة في جو يكتنفه الغموض...
حتى أتاه صوت طرق على باب غرفته فنهض من مكانه ليفتح الباب فوجد شاكر بيده ملف فقال له " شاكر !!
ماذا هناك ؟ "
فدخل شاكر وهو يناوله الملف " لقد تحرينا عن رجل الأعمال أحمد شوكت و صديقه الطبيب عاطف
توكل...عن كل شيء .. إتصالاتهما الأخيرة ...علاقاتهما...حتى حركة الأرصدة البنكية الخاصة بهما في الآونة الأخيرة ...و كل هذا مذكور بهذا الملف "
فالتقط ياسر الملف و أخذ يقلب صفحاته و توقف فجأة عند إحدي الصفحات و قطب جبينه قائلا في خفوت " يا للشيطان....إنه هو "
فتسائل شاكر في حيرة " ماذا ؟..ماذا هناك ؟ "
فنهض ياسر مسرعا ليرتدي ملابسه وهو يقول " سنذهب الآن لنلحق بشرطي السياحة وهو يستجوب عمال
المطبخ ..فقد لاذ صديقانا بالفرار "
فقال شاكر في دهشة " ماذا ؟ كيف هذا ؟ "
فقال ياسر و هو يرتدي ملابسه " ليس المهم كيف الآن ...المهم أن نلحق بهما قبل أن تحدث جريمة قتل "
فقال شاكر في حيرة " مهلا..أنا لا أفهم شيئا "
فقال ياسر بعد ان إنتهى من إرتداء ملابسه " سأشرح لك كل شيء في الطريق "
وغادرا المكان ..وفي عقل شاكر ملايين الأسئلة عن تلك الجريمة التي تحدث عنها ياسر....جريمة القتل ...
***************
" يا إلهي !! إنها البحيرة الخضراء فعلا "
قالتها مريم وهي تنظرإلى ما يشبه كهف حجري عظيم له أرضية من البازلت الأسود تمتد بطول يصل إلى
عشرين مترا تقريبا و عرض يصل إلى عشرة أمتار تطل إلى يمين باب القاعة السداسية على بحيرة ماؤها
يتوهج بلون أخضر زاهي يمتد عليها جسر خشبي بطول يصل إلى خمسين مترا حتى الجهة الأخرى من
البحيرة حيث توجد بوابة حجرية عظيمة يقبع أمامها تمثال كبير لرجل برأس إبن آوى يحمل في إحدى يديه
صولجانا و في اليد الأخرى علامة الحياة ( العنخ ).....
وعندما تقدمت مريم بخطوة وضع رامي يده عليها وهو يقول " إنتبهي لخطواتك "
ثم رفع صوته موجها كلامه للجميع " فلينتبه كل منكم إلى خطواته ...فلا نعرف ما ينتظرنا هناك "
و تقدم الجميع في حذر على قطعة البازلت الأسود ينظرون إلى البحيرة الخضراء و الجسر الممتد في ذهول فقال حسام في دهشة " كهف و بحيرة وجسر.....كيف صنعوا هذا بحق الله ؟ "
فقال أحمد متعجبا " أتقول هذا الكلام بعدما رأيت الأهرامات ؟ فلتخبرني كيف بنوها إذن ؟ "
فنظر إليه حسام في ضيق بينما قال عاطف في قلق " دعونا من هذا اللغو...ماهي الخطوة التالية ؟ "
فقال إفرام لرامي " أخرج البردية ...من المؤكد أن بها ما يساعدنا "
فقال أحمد متسائلا " البردية التي وجدناها في الصندوق ؟ "
فقال رامي نافيا " لا ..هذه بردية أخرى "
فقالت مريم مفسرة له " لقد وجدنا بردية أخرى بالصندوق مخبأة بعناية في أحد جوانبه ..فقد كان الجانب مفرغا
من الداخل وبه البردية هذه...و بها عبارات مشفرة تقود إلى مقبرة ذهبية "
فقال إفرام متمما " مقبرة الكنز "
فسادت الدهشة وجه أحمد بينما ألتمعت عينا عاطف وهو يردد " مقبرة الكنز ؟!! "
و في هذه الأثناء كان رامي قد أخرج البردية و يترجمها بعناية مرة أخرى مركزا على العبارة التالية " تفتح لك
طريقا عبر ملايين السنين إلى البحيرة الخضراء العظمى... أطعم حارسها ذهبا يصنع لك جسرا إلى المقبرة
الذهبية ..( أنوبيس ) يحرس المقبرة ....."
وصمت عن الكلام فتبادل الجميع نظرات الحيرة و الدهشة قبل أن يقول عاطف مستفسرا " ما المفترض أن
يعنيه هذا ؟ "
فقال رامي يحاول شرح العبارة " هذا يعني أن هناك حارس لهذه البحيرة يجب أن نقدم له ذهبا يأكله فيصنع لنا
جسرا نعبر عليه إلى الجانب الآخر ....إلى المقبرة "
فقال إفرام مستنكرا " مهلا...هناك جسرا ممتدا على البحيرة بالفعل "
وقال أحمد في دهشة " ثم أننا لا نجد هنا حارسا للبحيرة....لا يوجد غير التمثال في الجهة الأخرى "
فقال رامي مستنكرا " لا ..هذا تمثال ( أنوبيس ) وهو حارس المقبرة كما تقول البردية "
فقال حسام ضاحكا " ثم أنه كيف سنطعم التمثال ذهبا ؟ "
و ضحك ضحكة قصيرة فالتفت إليه الجميع فصمت عن الضحك قائلا في قلق " إلا إذا كان حيا "
فقال إفرام يستحثهم صائحا " لا داعي لأن نضيع وقتنا ...فلنعبر الجسر الخشبي في سرعة إلى الجانب الاخر"
فقال عاطف يوافقه " و أنا أيضا أرى ذلك "
فقالت مريم لرامي الذي بدا قلقا " فلنفعلها يا رامي "
فأومأ رامي بالإيجاب فأخرج إفرام مسدسه و مسدس إحتياطي أعطاه لرجله المتبقي و أمره أن يتقدمهم فأخذ
الرجل المسدس و أخذ يتقدم إلى الجسر في حذر و تبعه رامي و إفرام و البقية ...و لاحظ الجميع أن الجسر
الخشبي يتكون من قطع خشبية عريضة مرتبطة ببعضها البعض عن طريق حبل سميك و أخذ الجميع يتقدمون
في حذر و يجولون ببصرهم في البحيرة الخضراء التي بدت هادئة طوال الخمسة وعشرين مترا الأولى ... و
فجأة....إهتز الجسر إهتزاز خفيفا و لكنه أقلق الجميع الذين توقفوا عن السير ...و بطريقة جرافيكية إنفصل
الجسر عن بعضه و تحول إلى قطع صغيرة لا تتعدى الواحدة منها قطعة الخشب العريضة ..و صاح الجميع في فزع و هم يكادون يسقطون في البحيرة و قد تباعدت القطع الخشبية وهي معلقة بالهواء بشكل عشوائي سريع و تناثرت في أنحاء البحيرة وكأنها فوق منطقة بلا جاذبية....
فقال رامي للجميع محذرا " فليتماسك الجميع قدر الإمكان ....لا تريدون أن تسقطوا في هذه البحيرة "
فصاحت مريم في فزع " و ماذا سنفعل الان ؟ "
وقبل أن يجيب صاح حسام مشيرا بيده إلى البحيرة " أنظروا هناك ...هناك شيء يتحرك تحت الماء "
فنظرالجميع إلى هذا الشيء الأخضر الذي يتحرك باتجاههم ...فقال رامي في خفوت " حارس البحيرة "
وما أن تم كلماته حتى ظهر على صفحة الماء الأخضر تمساحا عظيما لا يقل لونه إخضرارا عن لون البحيرة
أو يبدو أن البحيرة قد أكتسبت لونها منه ...ونظر إليهم بعينيه التي كانتا تتوهجان كقطعتين من الجمر قبل أن
يفتح فمه العظيم لتظهر أنيابه كأربعة صفوف من السكاكين الحادة و هو يطلق زئيرا مخيفا كزئير أسد ضخم ....
فصاح حسام في فزع "ماهذا ؟ ألا ينتهي هذا الأمر أبدا ؟ "
فقال إفرام صائحا " و كيف سنوقفه و ليس معنا ذهبا ؟ "
فصاح عاطف في هلع " سيأكلنا إن لم نطعمه ذهبا...سيأكلنا "
فصاح رامي في توتر " الصندوق ....نعم الصندوق الذهبي "
فقال أحمد مستنكرا " هل تمازحني ؟ هل ستلقي بالصندوق إليه ؟ "
فقال رامي محتجا " هل تحب أن تلقي بنفسك بدلا من الصندوق ؟ "
فلاذ أحمد بالصمت فصاح رامي بحسام " حسام ....أفرغ الصندوق الذهبي بحقيبتك ثم ألقي به في فم التمساح "
ففعل حسام ما أمره به رامي في سرعة و هو يتابع التمساح الذي يقترب منهم فاغرا فمه..وما أن أفرغ محتويات
الصندوق حتى ألقى بالصندوق الذهبي في فم التمساح الذي توقف فجأة عندما شعربالصندوق في فمه فأغلق
فمه و أنتظرقليلا ....ثم غطس في الماء مرة أخرى .... وساد الهدوء المكان مرة أخرى و أخذ الجميع يتبادلون
النظرات فيما بينهم يتماسكون قدر الإمكان حتى لايسقطون بالبحيرة .... و فجأة تحركت الألواح الخشبية في
سرعة لتصنع جسرا من جديد...و بشكل مدهش عاد الحال إلى ما كان عليه .....و تنفس الجميع الصعداء قبل أن
ينطلقوا إلى الجهة الأخرى من البحيرة عند باب المقبرة......مقبرة الكنز .
*********
الفصـــل التاسع
" أنت يا فلان
هنا، حراس الآلهة تقف أمامك ,
وهم ينتظروك منذ قديم الأزل ,
وهؤلاء الذين يقبعون في بيوتهم يخافو منك . " – من نصوص أحد التوابيت -
دخل شرطي السياحة إلى بهو الفندق الذي بدا شبه خالي لمقابلة ياسر و شاكر و فور مقابلتهم
قال " لقد عرفنا مكان أحمد وعاطف"
فسأله ياسر في سرعة " و أين هما الآن ؟ "
فقال الشرطي شارحا " لقد سمعهما أحد العاملين بالمطبخ وهما يغادران في سرعة و قد أتى أحدهما على ذكر
وادي الملوك و شيء ما عن مقبرة هناك "
فقال شاكر متسائلا وهو ينظر إلى ساعته " وماذا يفعلان في مثل هذه الساعة هناك ؟ لقد أوشك الفجر على البزوغ "
فقال ياسر له في قلق " هذا ما سنعرفه قريبا "
ثم نظر إلى الشرطي قائلا " قم بجمع قوة من رجال الشرطة الآن ....ووافني إلى وادي الملوك...بسرعة "
و ما أن أتم كلماته حتى جذب شاكر خارجا من الفندق في إتجاه وادي الملوك تاركا الشرطي وراءه وهو يجري
إتصالا بمكتب شرطة السياحة وسط قلق عارم لما سيكون بإنتظارهم ... في وادي الملوك .
************
وقف الجميع يعتصرهم الإجهاد الناتج عن الشد العصبي الذي تعرضوا له في الفترة الأخيرة...فقد شارفوا على
الهلاك أكثر من مرة ...و نجوا بمعجزة العناية الإلهية أولا...و ثانيا بفضل عقلية رامي المضادة للضغوط
العصبية .. فهو دائما ما يتوقع ظهور الخطر في كل خطوة يخطوها منذ أن كان صغيرا و قد رافق جده في
معظم جولاته الإكتشافية ..ولا ينسى أبدا اليوم الذي ذهب جده فيه إلى الهند لإكتشاف أحد المقابر التي
إستخدمها أحد القادة الإنجليز وقت الإحتلال البريطاني للهند في إخفاء كنز ضخم من الأواني و التماثيل الذهبية
و غير ذلك من جواهر و أحجار كريمة و قد فقد جده تحت أنقاض المقبرة التي تهدمت عليه ...و لم يعثر على الكنز حتى الآن.
ومنذ ذلك الوقت و رامي يحسب خطواته بدقة بالغة و قد أتقن اللغات القديمة كلها حتى لايدع مجالا للشك أو
الخطأ في الترجمة قد يودي بحياته و حياة من معه ... و كذلك فقد عكف على دراسة التاريخ وحضارات العالم
القديم ليدرك ماهية العقول وقتها و مذاهبها و إنتماءاتها .... و قد ساعدته دراسته المتعمقة للحضارة الكمتية
للوصول إلى نتيجة غاية في الأهمية ....وهي إرتباط المصري القديم بالعالم الآخر أكثر من الدنيا ... وليست
الحضارة البنائية التي ظلت آلاف السنين حتى الآن كانت بهدف التعمير فقط ...و لكنها جعلت من مصر
الكمتية مكانا أشبه بالبرزخ بين الدنيا و الآخرة ..فمعظم ما وصلنا من تلك الحضارة محصورا بين المعابد
الدينية و المقابر الكمتية بأشكالها العديدة...و النقوش على جدران المعابد و المقابر تدل على إرتباط المصري
القديم بالدين أكثر من الدنيا و سيادة الكهنة الذين تعلموا السحر و الطب وتفوقوا فيه و ألبسوا عليه الرداء
الرباني الذي جعله و كأنه من تصريف الآلهة....فقط الكهنة هم حفظة السر .
و أمام تمثال ( أنوبيس ) المثبت على البوابة كأنه جزء منها وقف الجميع و قد لاحظوا وجودا ما يشبه منصة
صغيرة لإلقاء الخطب أمام التمثال تماما و رأس المنصة عبارة عن قطعة من حجر البازلت على شكل مربع له
إطار عريض ولا يوجد شيء عليه منقوش ...و حول البوابة التي بدت مسمطة كانت هناك نقوش كثيرة و كان
كل نقش مرسوم على قطعة حجرية صغيرة و قد تم إلصاق هذه القطع الحجرية حول البوابة و كأنها قطع من
السيراميك يتم رصف الجدار بها ...
قال حسام وهو يلهث " ياللهول ... يبدو أن الأمر لا ينتهي "
فقال إفرام لرامي " ماذا سنفعل الآن ؟ "
فقرأ رامي من البردية " ( أنوبيس ) يحرس المقبرة... أجب أسئلته تدخل المقبرة "
فقال أحمد في حيرة " أسئلة ؟! أي أسئلة ؟ "
فقال حسام في قلق " مهلا.... هل سيستيقظ هذا الشيء و يتكلم ؟ "
فقالت مريم وهي تحاول تهدئته " إهدأ يا حسام حتى نجد حلا "
فقال حسام في هلع " أهدأ ؟! لو تحدث هذا الشيء فسيتحدث بالهيروغليفية التي لا يعرف أحد بالطبع كيف
تنطق ...لذلك لا تطلبي مني الهدوء "
فقال إفرام مشيرا إلى البوابة " هناك نقوش على البوابة ..بالتأكيد ستدل على شيء "
فقال عاطف لرامي في توتر " فلتقرأها يا سيد رامي بسرعة "
فقال رامي محاولا التركيز " لقد نظرت إلى النقوش بالفعل ....وهناك مشكلة "
فسألته مريم في قلق " مشكلة ؟ أي مشكلة ؟ "
بعد لحظات من الصمت قال رامي في بطء " لا أفهم شيئا منها "
و هبطت كلماته كالصاعقة على الجميع ....فهذا يعني أنه قد تم إحتجازهم ... وإلى الأبد .
***********************
" لا تفهم شيئا ؟!..كيف هذا بحق الله ؟ "
قالها حسام في إنزعاج و من بعده صاح إفرام " لن نحتجز هنا أيها المتخصص .... إفعل شيئا "
و صاح عاطف في فزع " لن أموت هنا....أنا أقول لك .. "
فقاطعه أحمد في هدوء " بربكم ... دعوه يفكر و لا تحملوه فوق طاقته .... فإنه لم يجبر أحدا على الإنضمام
إليه"
فقالت مريم بصوت خافت لرامي " حاول أن تركز يا رامي .... أرجوك "
نظر إليها رامي ثم نقل نظره إلى الجميع و قد بدا من أعينهم المركزة عليه نوع من الرجاء و التوسل إليه كي
يحل اللغز الأخير للدخول إلى المقبرة ....
فنظر إلى تمثال ( أنوبيس ) في شرود وهو يسأل " ( أنوبيس ) هو أي إله ؟ "
فقال إفرام مبتسما " هو إله الموتى "
فقال رامي مؤكدا " بالضبط ...يقف حارسا لمملكة الحق و العدل "
فقالت مريم و قد إلتمعت عيناها " كتاب الموتى "
فقال رامي و هو يفتح حقيبته " الفصل 125 "
ففرك إفرام يديه و هو يضحك قائلا " أحب هذا الرجل وهو يفكر "
فتح رامي الكتاب وبدأ يقرأ " فصل الدخول لقاعة الإلهتين (ماعت) للحق و العدل "
ثم أخذ ينزل بأصبعه متنقلا بين السطور حتى توقف عند سطر معين و قال " فسأل الإله المهيب ( أنوبيس )
عن إسم الباب و إسم المصراع العلوي و إسم المصراع السفلي "
فقال حسام في قلق " و الأسماء مذكورة عندك في الكتاب "
فقال رامي و لم يرفع نظره عن الكتاب " نعم ...مذكورة "
ثم نظر إليهم قائلا " بقى أن نعرف كيفية الإجابة على هذه الأسئلة ....فبالتأكيد لن نقرأها "
فسألته مريم بعد لحظات من التفكير " ألم تقل أنك لم تفهم شيئا من النقوش حول البوابة ؟ "
فأومأ رامي بالإيجاب قائلا " نعم هذا صحيح "
فقالت وهي تقترب في بطء وهي تنقل بصرها بين الإطار الحجري للمنصة و القطع المنقوشة حول البوابة
" إذا كنت أنت – و أنت البارع في قراءة هذه النقوش – لا تستطيع فهم النقوش ....
فلابد أن تكون هذه النقوش ...."
ثم نزعت إحدى القطع المنقوشة من مكانها واستطردت " غير مرتبة "
وسط دهشة الحاضرين إبتسم رامي قائلا " أحجية يتم ترتيبها "
فصاح حسام كمن توصل لشيء " بل تستخدم القطع للإجابة على الأسئلة "
وقال إفرام مشيرا للمنصة " وأعتقد أن هذه المنصة سيتم ترتيب القطع عليها ...إنها مثل أحاجي الأطفال "
و بعد لحظات من الصمت جال رامي ببصره في وجوه الحاضرين قائلا " إذن فلنبدأ يا سادة ..... أريد من
الجميع الوقوف عند القطع المنقوشة ...و النقش الذي أطلبه فليناولني إياه من يراه ...حسنا ؟ "
فانصاع الجميع لأمره بينما فتح ( كتاب الموتى ) أمامه و استخدم هامشا للترجمة .... ولكن هذه المرة للترجمة
من العربية إلى الهيروغليفية محاولا الإستعانة بصور المتون الأصلية لبردية كتاب الموتى الكمتي و كانت
الصور بالكاد واضحة و بدأ بتكوين إجابة السؤال الأول بصوت عالي " إسم الباب ( المهلك بقوة الإله شو ) "
و بعد قليل قال " إسم المصراع العلوي ( رب العدل و الحق القائم على قدميه ) "
و أخيرا أحضر الجميع النقوش الأخيرة وألتفوا حوله وهو يرتبها على المنصة قائلا " إسم المصراع السفلي
(رب العظمة المعظمة راعي القطيع ) "
ومع وضع القطعة الأخير إنطلق النور يخرج متوهجا من القطع المرتبة على المنصة و تراجع الجميع في حذر
و قد سمعوا صوتا قويا تبين أنه صوت تمثال ( أنوبيس ) و هو ينقسم إلى نصفين و يبتعد كل نصف عن الآخر
فاتحا البوابة العظيمة ..... بوابة مقبرة الكنز .
***************************
إنطلق الوهج الأصفر العظيم من خلال البوابة ليعقد كل الألسنة و يجعلهم محملقين إلى مصدره ....الذهب ...
فقد كان الذهب في كل مكان بالمقبرة ...بل كانت جدران المقبرة نفسها منقوشة بالذهب ...تماثيل ذهبية بكل حجم
و صناديق ذهبية مليئة بعملات من الذهب الخالص و أواني وحلي و أحجار كريمة و كان في كل ركن من
الأركان الأربعة للمقبرة سلالم حجرية لما يشبه رصيف مرتفع عن أرض المقبرة بعشرة أمتار يحيط بالمقبرة
من الداخل ..... و أمام أحد جدران المقبرة كان تمثال كبير من الذهب لرجل في زي كاهن يشير إلى قلبه
بإحدى يديه حيث ثبتت قطعة كبيرة من الياقوت الأحمر و باليد الأخرى يشير إلى أحد الأركان بالجهة المقابلة ..
أخذت الجميع حالة من الذهول والنشوة الهستيرية وهم يعبثون بالذهب مطلقين صيحات الإنتصار ..... بينما
تقدم رامي و مريم في حذر ناحية تمثال الكاهن فقال رامي " الكاهن آى "
فقالت مريم " هو من قام بكل ذلك ....لم يكن ليقتل الملك توت إذا كان هو صاحب الصندوق إذن "
فنظر إلى تمثال الكاهن المشير إلى قلبه و دقق فيما يشير أكثر فوجد تجويفين صغيرين أسفل الياقوتة الكبيرة ..
فصاح مناديا لحسام " حسام ... أحضر الرأسين المتبقيين معك "
فقال حسام وقد كان مرتديا قلادة كمتية و بيديه قطع من الذهب " أي رأسين ؟ "
فقال رامي في جدية " حسام ...هل نسيت ؟ "
فقال حسام متذكرا " نعم.. نعم...تذكرت "
فأحضر حسام الرأسين و أعطاهما لرامي الذي أخذهما و دقق في قاعدتهما قبل ان يثبتهما في التجويفين
الموجودين بالتمثال وقد إسترعى إنتباه حسام ما يحدث فأخذ يتابع التمثال الذي إهتزت الياقوتة به فنظر رامي
إليها قليلا قبل أن يتخذ قرارا بإلتقاطها ....و ما أن فعل حتى إنفتح الجزء الأوسط من التمثال كاشفا عن
مجموعة من أوراق البردي مصفوفة فوق بعضها فيما يشبه الكتاب و قد إلتف حولها شريط من الحرير في
شكل عقدة ...
فألقى رامي نظرة على ما تحتويه البرديات قبل أن يرفع بصره في ذهول إلى رفيقيه قائلا " أسرار الدنيا ...
البرديات تحتوي على أسرار التحنيط و الإتصال بالعالم السفلي و كيفية الكشف عن المقابر و أسرار الطب و
السحر ...و غير ذلك .....إنه كنز من العلوم "
فأتاهم الصوت من خلفهم " تماما ... كتاب الأسرار "
فألتفت ثلاثتهم إلى صاحب الصوت فوجدوا إفرام و يده على حزام مسدسه وهو يستطرد " كتاب الأسرار هو
مسعى لمنظمات كثيرة بالعالم "
فقال رامي وهو ينظر إليه بتشكك " ولا سيما المنظمة التي تعمل لديها .....فهي تسعى منذ أمد للإحاطة بكل
علوم العالم القديم "
فابتسم إفرام في خبث قائلا " تماما يا صديقي .... ولا أحد سيمتلكه غيرنا "
فنظر حوله إلى رجله الذي ملأ حقيبته بالذهب و كانت يده هو الأخر على حزام مسدسه مستعدا لتلقي أوامره
بينما كان أحمد وعاطف ينظران إلى ما يحدث في قلق فالتفت إفرام مرة أخرى إلى رامي وعلى وجهه إبتسامة
مصطنعة قبل أن يقول " إذن .... كيف سنخرج من هنا أيها العبقري ؟ "
فوضع رامي كتاب الأسرار في حقيبته المعلقة على كتفه قبل أن يخرج البردية ليقرأ سطورها المتبقية بصوت
عالي " أجب أسئلته كي تدخل المقبرة و تختبر روحك .... إذا صفت نجوت بأسرار الدنيا .. إذا دنت هلكت و
هلك معك كل شيء . "
و ما أن أتم كلماته حتى شعر الجميع بإهتزازات عنيفة بالمقبرة و كأنها على وشك التهدم ...و فجأة ... صاح
أحمد و هو يشير إلى حشرات غريبة تشبه الخنافس تخرج من ثقوب في الأرض ..
فنظر رامي و هو يقول في ذهول " الجعارين الكمتية .... إصعدوا على السلام بسرعة "
صاح بجملته الأخيرة وهو يجذب مريم إلى أقرب سلم ليحتموا بهذا الرصيف العالي في سرعة و تبعهم حسام و
إفرام ..فيما صعد أحمد وعاطف على سلم آخر بينما ظل الرجل يملأ حقيبته بالذهب .. وعندما هم بالصعود
إنقطع حزام الحقيبة و سقطت منه ...
فصاح به إفرام " دعك منها الآن أيها الأحمق "
و لكن الرجل لم يسمعه وسط بريق الذهب الذي سحره و قفز لينقز حقيبته فأحاطت به الجعارين الكمتية من
كل مكان و تسللوا داخل بنطاله و شعر الرجل بأنه يتآكل بشدة فأخذ يصرخ و يضرب بيديه و قدميه في كل
مكان .. وما هي إلا لحظات و أختفي جثمان الرجل لحما وعظما حتى أن ملابسه قد ألتهمتها الجعارين ......
و في وسط الذهول الذي أحاط بالجميع صرخ حسام " ماذا سنفعل الآن ؟ "
فقال أحمد في فزع " لابد أن نخرج من هنا قبل أن تصل الحشرات إلينا "
فصرخ عاطف في رامي " إفعل شيئا ...أخرجنا من هنا "
و رامي الذي إعتاد وسط الضغوط أن يفكر في سرعة كانت عينه تجوب بالمكان و كان ينطق بما يراه في
خفوت " بوابة المقبرة ... تمثال الكاهن آى ... يد الكاهن تشير إلى قلبه .... الياقوته الحمراء .... اليد الأخرى
تشير إلى ..... "
و فجأة صاح وهو يشير إلى الجهة التي يشير إليها التمثال قائلا " المخرج من هناك "
كانت الجعارين قد توجهت ناحيتهم صاعدة على السلم الحجري و في الجهة المقابلة قد صعد أيضا الكثير منهم
كي يسدوا عليهم أي طريق للهروب و في منتصف الطريق على الرصيف الحجري كانت الجهة المشار إليها ..
وفي سرعة جرى الجميع إلى تلك الجهة و عند وصولهم إليها بحث رامي على الدار بين النقوش فلاحظ وجود
تجويف كبير .... و بسرعة أخرج الياقوتة الحمراء و ثبتها في التجويف .... و لكن لم يحدث شيء ...
فقالت مريم في توتر " هناك حتما نقش يجب أن نضغط عليه "
فنظر رامي إلى نقش أعلى الياقوتة
فقال وهو يضغط عليه " المجيء إلى النهار "
ومع ضغطه على النقش قال " تنحوا جانبا "
و إنفتح الجدار و إنهالت الرمال منه في سرعة و ما أن قلت كميتها حتى بزغ نور النهار و سارع كل منهم
بالخروج من للمقبرة على سلالم حجرية مغطاة بالرمال طوال ما يقرب من خمسة عشر مترا ..... ومع آخر
شخص منهم بدأ الجدار في الإنغلاق مرة أخرى و قد أطبق على أول الجعارين التي حاولت الخروج ...
وبعد خروج رامي و من معه إلى الصحراء وجدوا أنفسهم تفصلهم خطوات من مقبرة ( حور محب ) و تنفس
الجميع الصعداء لخروجهم من المقبرة أخيرا ... إلا أن رامي قد عقد حاجبيه عندما إلتفت فوجد مسدسا مسددا
إلا وجهه ... وكان بالطبع مسدس إفرام الذي قال بإبتسامة خبيثة " نهاية القصة يا صديقي ... إعطني كتاب
الأسرار "
و كان الجميع بمواجهته إلا أن عاطف كان لايزال جاثيا على ركبتيه خلف إفرام يلتقط أنفاسه فنظر أحمد إليه
نظرة فهمها عاطف ....
فقال رامي متسائلا " كيف عرفت بأمر الكتاب ؟ "
فقال إفرام في غرور " لقد وجدنا بردية من فترة كبيرة في تركيا ... وكانت تحكي عن كتاب الأسرار و أنه كان
في حوزة الوزير آى الكاهن ... وقد ذكرت البردية العداء الكامن بين الوزير آى و القائد حور محب الذي قام
بقتل الملك توت عنخ آمون لأنه وقع تحت سيطرة الكاهن ... و قتل أمير الحيثيين على الحدود عندما قدم ليتزوج بأرملة الملك توت ..... و تذكر البردية أنه خدع الأرملة بعد زواجها من الكاهن آى ... فدست السم للكاهن .. و بعد موته تزوج حور محب من الأرملة .. قبل أن يقتلها هي الأخرى ... و ليقوم بالتغطية على تلك الجريمة ... تزوج من أخت الملكة نفرتيتي في سرعة ... "
وما أن أتم كلماته حتى شعر بالمسدس المسدد إلى رأسه ... و كان مسدس عاطف .. فعلت الإبتسامة وجوه
الحاضرين وقال أحمد " أحسنت يا عاطف ... أحسنت يا صديقي "
فعلت الأبتسامة الساخرة وجه إفرام وسط دهشة الحاضرين قبل أن يقول " رامي يا صديقي .... لم تسالني كيف
تتبعتكم إلى هنا "
فقال رامي في شك " كيف ؟ "
فضحك إفرام في بشاعة قائلا " لقد تم تأجيري لمراقبتكم و الحصول منكم على كل ما تحصلون عليه "
فسأله حسام في قلق " و من أستأجرك ؟ "
فقال عاطف في خشونة " أنا المستأجر "
و ساد الجميع الدهشة و الذهول و هم يرون مسدس عاطف مسدد ناحيتهم ....
***********