في ساعة مبكرة من الصباح، دوّى جرس الباب ليقطع سكون المنزل. أسرعت صفاء لفتحه، لتجد والدها واقفًا أمامها، مبتسمًا بحنان رغم تجاعيد الزمن التي رسمت ملامحه. امتزجت في داخلها مشاعر القلق والفرح، لكنها احتضنته على الفور وقالت بصوت مرتجف:
• أبي! هل أمي بخير؟
جلسا معًا في صالون المنزل، وأمسك بيدها بحنان، ثم قال بصوت هادئ:
• لا تقلقي، هي بخير... لكنني شعرت برغبة شديدة في رؤيتك، ولم أستطع الانتظار.
كانت تعلم أن والدها لا يزورها كثيرًا بسبب بُعد المسافة وتقدمه في السن. وحتى عندما يزورها، كانت والدتها ترافقه، ولم يسبق له أن جاء في مثل هذا الوقت المبكر. حاولت أن تُخفي قلقها وسألته:
• هل ذهب زوجك إلى عمله؟
أومأت صفاء برأسها وقالت:
• نعم، لقد غادر منذ الفجر، وأخذ البنات إلى المدرسة.
تنهد والدها تنهيدة ثقيلة كأنما يحمل في صدره حملًا ثقيلًا، ثم قال:
• شعرت بأنني بحاجة لأن أراكِ الآن لأخبركِ بأمر هام.
انكمشت صفاء في مكانها، وبدأ قلبها ينبض بعنف، وهي تترقب كلماته القادمة. تابع الأب بصوت مختنق:
• والدتكِ مريضة... تتلقى العلاج في أحد المراكز الطبية.
شهقت صفاء وارتعشت يداها وهي تقول:
• مريضة؟ منذ متى؟ ولماذا لم تخبروني؟
تنهد الأب مجددًا وقال:
• اكتشفنا المرض فجأة، ولم نرغب في إزعاجكِ. والدتكِ لم تكن تود الذهاب للعلاج، لكنني أصررت على ذلك...
توقف للحظة، ثم نظر في عينيها بحزم غير معتاد:
• اسمعيني جيدًا، إن حدث لي شيء، والدتكِ لن تكمل علاجها، فهي عنيدة. أريد منكِ وعدًا... وعدًا بأن لا تتركيها تُهمل علاجها، مهما حدث.
حاولت صفاء أن تطمئنه، قائلة:
• أطال الله في عمرك يا أبي، لكن...
قاطعها الأب بلهجة قاطعة:
• أوعديني.
نظرت إليه صفاء بثبات رغم ارتجاف قلبها:
• أعدك يا أبي.
ابتسم الأب برضا، ثم وقف واتجه نحو الباب. حاولت صفاء أن تُثنيه عن المغادرة، متوسلة أن يبقى معها قليلاً، لكنه أصر على الرحيل. ضمها إلى صدره بشدة، وقال بصوت دافئ:
• أنتِ ابنتي الوحيدة... قوية كما عهدتكِ، لا تنكسري مهما كانت الظروف.
غادر بصمت، تاركًا خلفه هدوءًا مشوبًا بالحزن. بقيت صفاء واقفة على الباب، تودّع ظله الذي توارى في الأفق.
لم تكد تجف دموعها حتى دوّى صوت الهاتف. التقطته بسرعة، لترى اسم والدتها على الشاشة. فتحت الخط وقالت بلهفة:
• أمي! هل أنتِ بخير؟ لقد كان أبي هنا منذ لحظات...
جاءها صوت والدتها، متحشرجًا بالبكاء:
• والدكِ... كيف؟! لقد توفي والدكِ بعد صلاة الفجر... رحل في فراشه بهدوء... تركنا ورحل يا صفاء... أصبحتُ وحيدة... أين أنتِ؟
• تمت -