أنا يا بُنَي أَعْبُرُ بين الوجوهِ بِقلبٍ كأنِّه دَرْبٌ قديمٌ
أَلْقَى ظلالَهُ علىٰ التائهين، أو مئذنةٌ قديمةٌ،
تَلُوذُ بها الدموعُ، كأذانٍ لا يَنْقَطِعُ،
بيتٌ يَحْمِلُ أوجاعَ الْمَنْسِيِّينَ على أكتافِهِ،
يُضَمِّدُ جِراحَهُم، ويُطْفِئُ الوحْدَةَ في صُدُورِهِم،
أولئك الذين انْطَفَأَتْ عنهم عُيُونُ الرَّأفَةِ،
وتوارىٰ عنهم الرَّبْتُ الذي يُطَمْئِن الأفئدة،
أنا بَيْتٌ تَتَّكِئُ عليه الأرواحُ المُتْعَبَةُ،
يأوِي المَكْلومين ..
الذين هَرِمُوا في انتِظارِ الطُّرُقاتِ،
و نَخَرَ الحُزْنُ ضُلُوعَهُمْ،
و نَزَفُوا حتىٰ الْتَصَقَ بهم الظلُّ،
أنا سَكَنٌ بلا مفاتيح،
للعجائز والمثقلين والخائفين
أبوابي لا تُغلَقُ في وجهِ البُكَاءِ،
حضنٌ يسع ما خلف الصمت،
غَيْمَة تُمْطِرُ.. دون أن تَسْأَلَ الأرضَ،
إنْ كانت عَطْشَىٰ،
أتَعْرِفُ مَعْنَى أن يكونَ داخلكَ آمنًا؟
يُطْرَقُ بلا خَوْفٍ،
يَنْسَكِبُ فيهِ أحدُهُمْ دون أن يَهْلك؟
قَلْبٌ لم يُوصِدْ بابَهُ يومًا،
كنافِذَةٍ لا تَعْرِفُ كيفَ تُغْلقُ..!
يَدٌ تَمْتَدُّ إلىٰ التائهين،
تَقْبِضُ علىٰ أصابِعِهِمُ المرتَجِفَةَ،
حتَّىٰ تُخْرِجَهُمْ من المتاهة إلى النُّورِ،
وتُعيدَ لخطواتِهِم دِفْءَ الأرضِ المفقودة،
مِعْطَفٌ حينَ تَرْتَجِفُ أرواحُهُمْ من بَرْدِ الجَفَاءِ،
وحِضْنٌ يُرَمِّمُ خَواطِرَهُمُ المَكْسُورَةَ..!