في حياة المسلم محطاتٌ عظيمة، تمتلئ بالبركات والرحمات، ولعل أعظم هذه المحطات هي ليلة القدر، التي خصَّها الله بفضلٍ لا يضاهيه فضل، ورفعها منزلةً لا تدانيها منزلة. كيف لا وهي الليلة التي قال عنها المولى عز وجل:
﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (القدر: 3)
سرُّ التفضيل والمكانة
تصوَّر أن عبادةً واحدة تُؤدِّيها في هذه الليلة توازي عبادة أكثر من 83 عامًا! أي أن سجدةً خاشعة، أو دمعةً من قلبٍ منكسر، أو صدقةً خالصةً لله، تُسجَّل في ميزان حسناتك كما لو كنتَ تقوم بها طوال العمر. أي فضلٍ هذا؟! وأي كرمٍ رباني هذا الذي يمنحه الله لعباده؟!
لقد جعل الله هذه الليلة سلامًا وأمانًا، تتنزَّل فيها الملائكة بأمر الله، وتنشر الطمأنينة في القلوب، وتملأ الأرض بالنور والسكينة، حتى مطلع الفجر.
متى تكون ليلة القدر؟
رغم أن الله سبحانه لم يحدد ليلةً بعينها، إلا أن النبي ﷺ أرشدنا إلى تحريها في العشر الأواخر من رمضان، خاصةً في الليالي الوترية (21، 23، 25، 27، 29). وكأن الله يريد من عباده أن يجتهدوا، وأن يُقبلوا على العبادة بقلبٍ متشوِّق، لا بقلبٍ مُعتمد على ليلةٍ واحدة فقط.
كيف نغتنم ليلة القدر؟
لكي نكون من الفائزين بهذه الليلة العظيمة، ينبغي علينا أن نُكثِر من:
1. الصلاة والقيام: فقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا يُغفر به ما تقدَّم من الذنوب.
2. الدعاء: فقد علَّم النبي ﷺ أم المؤمنين عائشة دعاءً عظيمًا لهذه الليلة:
اللهم إنك عفوٌّ تحب العفوَ فاعفُ عنِّي.
3. قراءة القرآن وتدبُّره: فهو كلام الله الذي تنزَّل في هذه الليلة العظيمة.
4. الصدقة وأعمال البر: فكل حسنة في هذه الليلة تعادل أكثر من 30 ألف حسنة في غيرها!
ليلةٌ غيرت وجه العالم
ما يجعل ليلة القدر أعظم ليلة في تاريخ البشرية، ليس فقط بركاتها، بل لأنها الليلة التي تنزَّل فيها القرآن الكريم، فانطلقت منها أعظم رسالةٍ للبشرية، رسالةُ التوحيد والهداية والنور، التي غيَّرت وجه التاريخ وأخرجت الناس من الظلمات إلى النور.
ختامًا
ليلة القدر ليست مجرد ليلةٍ تُصلِّي فيها، ثم تعود إلى ما كنتَ عليه! إنها ليلة تجديد العهد مع الله، ليلةٌ تغسل فيها روحك من كل ما علق بها، وتبدأ من جديد، بصفحةٍ بيضاء نقية. فهل نحن مستعدون لاستقبالها بقلبٍ مفتوح وعقلٍ واعٍ؟
اللهم بلِّغنا ليلة القدر، واكتب لنا فيها العفو والمغفرة، وارزقنا القبول والرضا.
دمتم بخير..