لا تذهب من مخيلتي أبدا حادثة حصلت وأنا طفلة..كنت أصعد الدرج في منزل جدتي وأمسك بيد أبي...
ربما لم أكن بلغت الرابعة حين ظهرت فجأة قطة تنزل السلم بهدوء وتؤدة في الإتجاه المقابل..ففزعت كثيرا وصرخت متعلقة برقبة أبي وأنا أداري وجهي في صدره وأما القطة فقد فزعت وتراجعت ثم عادت وتسمرت مكانها فلما هدأت أنا...
أكملت القطة النزول حتى قابلت أبي فنظرت له وتوقفت... فما كان منه إلا أن صفعها صفعة تمثيلية على وجهها الصغير المثلث الشكل ليهدىء من روعي..
القطة تلقت الصفعة بحلم شديد وأكملت نزولها كأن شيئا لم يكن..!
ولم أنزل عن رقبة أبي إلا في شقة جدتي....
لم تكن تلك الحادثة إلا بداية وتمهيدا لحادثة قطعت كل علاقة حب بيني وبين القطط..
فقد كبرت وأنا أتجنب القطط ولا أصعد سلم جدتي إلا بجوار الحائط أحتضنه وأتمسح به كالأجرب حتى أفسح للقطط مجال النزول ..لايؤذوني ولا أؤذيهم...
حتى كان يوما أجلس فيه في حجرة جدتي على سريرها أفترش كتبي في الثانوية العامة..حيث يحلو لي المذاكرة ..
وبيت جدتي للعلم كان قبلة الأقارب والجيران بحي شبرا العتيق...
فجدتي كانت كبيرة عائلتها سنا ومقاما وكان البيت وبيت آخر بجانبه ملكا لأسرة أمي..
لذا فقد كان باب الشقة يفتح ويغلق كل ساعة لاستقبال الحجاج الذين يريدون المشورة أو البركة من جدتي...
وكنت ..كعادتي إذا قرأت أنفصل تماما عما حولي فكان الأهل يجيئون ويذهبون ولا أكاد أسمع شيئا...
حتى كان هذا اليوم...
كنت أجلس على سرير جدتي"سرير الملك" كما كنت أسميه، وباب الحجرة يطرق علي... وأذنت للطارق فقد كانت ابنة خال والدتي .. طانط آمال..وهي سيدة لطيفة هادئة الطباع ترتعب من القطط مثلي..
دخلت طانط آمال تسالني عن أحوالي حين انفتح باب الشقة لأحد الزائرين إلا أنه للحظ السيء دخلت مع الزائر قطتان تتشاجران و لم يجدا الصالون وباقي الحجرات بما فيها المطبخ المليء بما لذ وطاب من يد جدتي..لم يجدا كل هذا جميلا ومثيرا..لم يجدا غير حجرتي ليدخلاها فجأة لإكمال الشجار بصوتهما المرعب...
لم يكن مني إلا أن وقفت على السرير أصرخ وطانط آمال لاذت بالدولاب وخبأت وجهها وراحت تصرخ مثلي هي الأخرى في مشهد خرافي سيريالي والقطتان منهمكتان في الضرب والكر والفر..
كان الشباك الكبير بجانبي مفتوحا وكان علي أن أقرر سريعا في حالة إذا ما صعدت القطتان على السرير هل أقفز من الشباك المفتوح لأننا في الدور الأول وكسر ضلوعي أرحم من اقتراب القطتين مني أثناء شجارهما....أم أموت من الرعب..
.دخلت جدتي وأمي الحجرة فزعتين فانطلقت القطتان خارجتين بعد أن فتحت لهما الخادمة الصغيرة باب الشقة...وتم انقاذي من الانتحار خوفا من القطط..
وانهرت أنا على سريري وأنا أمسك برقبة جدتي وأبكي وقد أتت لي أمي بكوب ماء بسكر وسكبت جدتي على وجهي زجاجة ماء وظلت تبسمل وتستعيذ بالله من "عيون الناس" الحاسدين للبنت الشاطرة..
والتف حولي الجميع ناسين طانط آمال التي تجمدت من الرعب ياعيني ..
.وكانت تلك بداية كراهية لا أخفيها للقطط مهما كانت جميلة أو تبدو بمظهر البراءة التي لا تخدعني وبرغم مواقف أخرى زادت من غضبي على تلك المخلوقات اللزجة القميئة البائسة في الوقت نفسه..
.ورغم مواقف أخرى بها إنسانية حائرة ، فقد جاءتني الست لولي( التي في الصورة )والتصقت بي لمدة ٥ ايام هي عمر استضافتها في بيتنا حتى تعود (اش اش) صاحبتها من السفر.
الست لولي لسه مدموزيل عمرها شهرين صغيرة جداااا بس فالصور تبان كبيرة.
لولي اعتقدت اعتقادا جازما اني امها وظلت لا تنام الا على رجلي ولا بد أضع يدي على رأسها هكذا كما في الصورة ولا اتحرك من مكاني ولا تقترب مني بنت من البنات،
وإذا تململت صعدت على كتفي وطبطبت بيدها على وجهي،
ومرة كنت مترددة فاذا بها تقترب بوجهها من وجهي وتقبلني، نعم والله حدث، ومن ساعتها وانا متلخبطة، القبلة المفاجئة هدمت آخر معقل من معاقل كراهيتي لجنسها النمرود.
هذا الكائن الغريب المسمى( الحب) ياتي فجأة مباغتا يشل تفكيرك ويغير عاداتك ويهد جميع الثوابت ويقف على انقاضك ليقوم ببنائك من اول وجديد.
شكرا لولي..
😍🥰
دينا.عاصم