السلام عليكم و رحمة الله
فكرة هذا الموضوع كثيرا ما تهاجم تلافيف "دماغي" ... حتي اجدني مدفوعا لان اكتب فيها .... ثم ما البث ان اقاوم هذه الرغبة خوفا من عدم القدرة علي التعبير بشكل دقيق ... قد يؤدي الي فهم غير عميق .... يوقعني في فخ سحيق ...
ففي ظل المسميات الاسلامية العديده ... و التيارات السياسيه التي تنسب نفسها لهذا المسمي و ذاك ... و في ظل تفجر نهر التصريحات و الفتاوي ... فتاوي الهوي و المصلحة .... و التي غالبا ما تلقي نفورا هنا ... و اعتراضا هناك ...
في ظل كل ذلك ... تقابل "احدهم" و تسأله ما نشاطك ؟ .... فيقول لك: نشاطي هي الدعوة الي الله و رسوله
فتجد نفسك تردد بالفطرة السليمه : ما اجمله من نشاط ... و ما ارفع قيمته ... و ما اعز من يعملون فيه ....
و لكن هل حقيقا ... نحن لدينا نشاط دعوي سليم الي الله ... ؟!!
فان كان لدينا حقا دعوة و دعاه .... فما هي النتائج الملموسه علي ارض الواقع ؟
و من جهة اخري .... سأطرح سؤالا تحضيريا للسؤال السابق : ما هي النتائج المفترضه في حال وجود دعوة و دعاه ؟
سأحاول ان اجيب حسب فهمي المتواضع ... و هي ان الدعوه عندما تكون دعوة حقه .... يتحول المجتمع المسلم الي مجتمع شبه مثالي - و الكمال لله وحده - و لو علي المستوي الظاهري .... في السلوكيات و الاخلاقيات ... و في تفشي الرحمة بين اركانه
فيصبح هذا المجتمع بالتبعية... مجتمعا جاذبا بالحسني لغيره ممن يحملون عقائد اخري .... الذين - من المفترض انهم - سيفكرون في التحول الي الاسلام لما لمسوه من اهله من مكارم و مغانم دنيوية و في الآخرة
بنظرة واقعية جدا علي الوضع الحالي ....
علي المستوي الاسلامي - الاسلامي .... ينتشر الجهل الحاد .... و تنتشر الفتاوي الموجهه علي خلفيات سياسيه و ايديلوجيه ... و يتحكم في العديد من الرموز ... المصالح و الاهواء .... فيما تختفي قيم الاسلام تماما في معظم ردود الافعال و التصرفات
و النتيجه ... علاقه مشوهه .... و مظهر سيئ منفر متشدد ..... و اركان متهالكه !!
بالتالي ... من يعيش بين ظهرانينا لا يجد اي نوع من الجاذبية في الالتحاق بنا مسلما .... و هو يري ما يري في النموذج المطروح في السوق بأنه لا علاقة له بالقيم "النظريه" التي تنادي بها الشريعه ... فيفضل ان يظل في ظل ملته ... بعد ان فشل في الحصول علي اية اغراءات من اي نوع ... "روحي او سلوكي" تجعله يعيد النظر في ملته
و رغم اطنان الكتب الشرعيه الملئي بها المكتبات .... و رغم عشرات المحطات الاسلاميه المتخصصه ... و رغم اطنان الفتاوي و الشروحات و مطلقيها هنا و هناك... الا ان التأثير علي الذي يعيش بيننا و لا يعتنق الاسلام .... صفرا مربعا او مستطيلا ... !
لقد سافرت للولايات المتحده يوما ما .... و رأيت بام عيني كيف يدخل غير المسلمين ... في الاسلام بسهولة و يسر ...و كيف يأتي الشاب الي المسجد - في مشهد تعود عليه مسلمي الولايات االمتحده - ليشهر اسلامه و يصبح اخا لنا في الدين و الملة ... ببساطه
سألت القائمين علي المسجد هناك .... فأخبروني ان هذا يحدث دائما بشكل متكرر
الطريف في الموضوع .... ان الشخص الذي يدخل الاسلام في دولة ليست عربية .... اول ما يخطر بباله هو ان يزور دول المشرق العربي ليتعامل مع المسلمين عن قرب .... (يا للمأساه) !! :)
الاطرف .... ان النصيحة الاغلي التي توجه الي هذا المسلم الغربي الجديد من ابناء الجالية المسلمة هناك.... : نرجوك الا تغادر بلادك ؟ نرجوك الا تذهب الي بلاد المسلمين ؟ .... اذا احببت ان تغادر بلادك فاذهب الي مكة و المدينة المنورة فقط لقضاء المناسك المقدسه.... ثم عد ادراجك فورا !! ... نرجوك ان لا تفعلها ... و ان لا تفكر في ذلك ابدا ... ابد !!!!!!!!!!!
اعرف ان هذا ليس طريفا بالمرة ... و انما يحمل مرارة كبيرة .... لأننا لا نمثل اي صورة تحت اي مسمي ... للمجتمع المسلم المتحضر السليم ... الذي يمكن ان يكون مجتمعا جاذبا لغيره من الملل و الديانات ....
اذكر اني كنت في دولة الجبل الاسود ذات الجنوب المسلم من اصول البانية .... فعندما قابلوني اشعروني اني من بلاد الصحابه ... و اخذوا يراقبون كل تصرفاتي ... فأحسست ان سفيرا لديني ... لذا يجب ان اكون متقمصا لشخص شبه مثالي يطبق الاسلام جوهرا و نصا
هذه هي فكرتهم عنا .... للاسف الشديد .... فهم يتخيلوننا مجتمع اسلامي نظري ... كما هو مكتوب في الكتب
عندما نراجع التاريخ يا ساده .... نكتشف ان اندونيسيا علي سبيل المثال ... و هي من اكبر الدول الاسلامية علي الاطلاق من حيث عدد السكان المسلمين ..... دخل اهلها افواجا في دين الله ... لمجرد انهم تعاملوا مع تجار مسلمين .... جعلوهم يتلمسون فيهم شيئا روحيا و اخلاقيا مختلفا و جذابا ... فتلمسوا الطريق نحوه .... حتي اهتدوا
اليوم ... في مصر علي سبيل المثال و هي من اكبر الدول العربية و الاسلاميه ... و اضخمها ... و اعلاها كثافه .... يعيش بين ظهرانيها نفر من اهلها يدينون بالمسيحية مع آخرين يدينون بملل اخري ...
هؤلاء المسيحيون لا يرون فينا - نحن المسلمون - اي نوع من الجاذبيه ..... و لم يدخلوا في دين الله افواجا الا في عصر عمرو بن العاص و زملاءه من الصحابة و التابعين الابرار....
هؤلاء غير المسلمين المصريين علي سبيل المثال لم يتعاملوا مع مجتمع مسلم يطبق جوهر و فلسفة و روح الاسلام الطاهر العظيم .... بل تعاملوا مع جموع متشدده ... منفره ... متصارعه ... الهتهم الدنيا و تعصبوا لها ... رغم ادعائهم بالعكس ... لقد تعاملوا مع اجواء غير صحيه بالمرة ... ينقصها "اكسجين الحياة"
لذا ... لا تجد تأثيرا يذكر لهذا علي ذاك .... للاسف الشديد ... و لا يقلل من واقعية الامر شيئا حالات فرديه تتحول الي الاسلام لا تمثل اتجاها عاما بأي شكل من الاشكال
كثيرا ما يذهب "الدماغ" بي بعيدا في احلام اليقظه .... و اتخيل ان تلك النوعية الثمينة من التجار المسلمين الاوائل الذين ذهبوا الي اندونيسيا فادخلوها الي زمرة المسلمين ... اتخيل ان هؤلاء لازال منهم نفر يتنفس ... و يعيش في مصر او سوريا او في العراق او في لبنان ...
هل كان يمكن ان يظل مخلوق علي ملة غير الاسلام .... و هو يراه - اي الاسلام - متجليا و متجسدا في نموذج رائع طاهر راق متحضر ملتزم متأدب ... كما تقول الشريعة الحقه؟
اذا العيب ليس في غير المسلمين .... و انما فينا نحن المسلمون .... مسلمي اليوم ....
بالمناسبة هذا الموضوع ليس موجها لاي شخص لا يدين بالاسلام ... و لا يتعارض باي شكل مع الاشكال مع الدعوة للحياة بأخويه و مواطنه في ظل قيم العدل و المساواة مع غير المسلمين علي ارض واحده و تحت سماء واحده .... بل هو موجه للمسلمين ... الذين يعيشون اسوأ عصورهم الفكرية ... فلم يأثروا في الجار تأثيرا و لو طفيف .... بل كان تأثيرهم منفرا مزعجا
يوم القيامة .... سيقف المدعي بأنه من الدعاة .. بين يدي الله عز و جل .... و يسأل عن انجازاته .... ساعتها سيتلمس من الله العفو و المغفرة .... و الاثابة علي نيته ان كان صادقا... و التي لا يعلم صدقها الا الله ....
لأن الحجه .. بينة ... و البينة علي من ادعي
تحياتي