بسم الله الرحمن الرحيم
القصة مستوحاة من أحداث حقيقية
هو صحيح إحنا لينا علاقة بأقدارنا؟ يعني كل اللي بيحصل لنا مهما كان بالنسبة لنا غريب أو مش مقبول ده بسبب تكويننا؟ حاجة فينا، حاجة جوانا منعرفهاش هي اللي بتشدنا زي المغناطيس للأحداث والأشخاص اللي إحنا شخصيًا بننفر ونخاف منهم؟
الفضا وحش! أهو ده بقى عيب الأجازة، الأفكار السوفسطائية اللي من النوع ده، اللي بتخليني بهرش في دماغي! عمال أفتكر مغامراتي اللي فاتت، جزيرة الدجال، تل حفيظ وغيرهم من الأماكن العجيبة اللي روحتها بحكم شغلي، شغلي اللي يضمن إن الواحد ميحسش بزهق أبدًا، إثارة مليئة بالإثارة، إثارة أوفر دووز....
الموسم اللي جي المفروض كان هيبدأ كمان شهر ونص، شهر ونص بحالهم الأفكار هتفضل تنهش فيا، مع إني المفروض استمتع كده وإسترخي، أخد الغلبانة مراتي ونسافر في مكان حلو وهادي، بس أنا زهقت من السفر، شغلي كله سفر في سفر، مش عايز أتحرك من أوضتي، أنا مبقتش بيتوتي، أنا بقيت غرفوفي! بس القعدة برضه وحشة، بقعد أقلب في الماضي كله، في الحلقات الوثائقية اللي اتصورت واللي متصورتش بسبب الظواهر الخارقة للطبيعة والحوادث التانية والعكوسات، أعمل إيه طيب...
-أعملك عدس النهارده؟
ااااه، هو، هو العدس، هو اللي هيحل المعضلة دي... "إنجي" مراتي انتشلتني من قعر الأفكار المظلمة، بصتلها كده وابتسمت وقلت:
=هو ده.
والعدس كان كافي يغير مزاجي ويخليني مفرفش وحاسس كده بالسكينة والسلام النفسي، وكانت أحلى ساعات، بعدها قعدت بروقان مع إنجي نتفرج على فيلم لإسماعيل يس ونضحك، ومكنتش شايل أي هموم لحد....
لحد ما موبايلي رن....
-مجااااهد
مش مريحاني الطلعة دي! ده مدير القناة اللي بشتغل فيها، مش بيتصل بيا إلا لو عايز حاجة، غصب عني بلمت ومردتش، اصل إحنا المفروض في إجازة، يا ترى عايز مني إيه...
-آلو مجاهد؟ أنت معايا؟
=أيوه مع حضرتك.
-عامل إيه والله واحشني وكلكم واحشنني، هاه.. متحمس للموسم الجديد؟
=أكيد أكيد، بس مش لسه شهر ونص؟
-اا....اه، لسه، فعلًا شهر ونص، هو...أنا ممكن أشوفك؟
اااخ، اللي حسبته لقيته، الراجل ده وراه حاجة....هقول إيه يعني، هعترض؟
=تمام، تحب حضرتك تشرفني؟
-إيه رأيك في أجواء سياحية وثائقية كده....تعالى نتقابل في دهشور، بقالنا فترة مروحناش، فاكر آخر حلقة صورناها هناك؟
=هو الموضوع ليه علاقة بآخر حلقة في دهشور؟
-لأ، خالص، بس المكان هناك ساحر كده ومريح، مش كده؟
=اهه، كده.
صحيح دهشور من أكتر الأماكن القريبة لقلبي من ضمن كل الأماكن اللي زرتها في العالم، بس المرة دي مكنتش متطمن، خصوصًا بقى إن "يونس" قصد يوديني هناك، عايزني أبقى مسترخي ليه؟ هيرفدني مثلًا، وخايف أديله لكامية؟؟
...............................
الجو كان مثالي، بداية شهر ديسمبر، الأجواء عند الهرم الأحمر والسما في دهشور كإنها عالم موازي، حاجة كده بره الأرض والكون بتاعنا، ومن غير البرد القارص اللي لسه مزحفش، السحب متجمعة، لونها برتقاني خفيف بسبب الشمس المستخبية وسطها، مقربة من الهرم وكإنهم على نفس المستوى، وأفواج الناس وهي ماشية من بعيد كإنهم جزء من لوحة فنية رهيبة، إبداع ملوش زي، سبحان الله....
-سبحان الله، الحوارات مش بتخلص، صح يا "مجاهد"؟
وختمها بضحكة سمجة....
رديت عليه:
=حوارات إيه؟
-الاستكشافات، الغموض والمشاكل.
=مشاكل إيه؟
-بص، بصراحة أنا عايزك في مهمة.
=لسه الموسم اللي جي قدامه شهر ونص.
-لأ ما هي مهمة بره الموسم، بره القناة كلها.
وشي اصفر وبقى لمونة، مش متحمس، مش متحمس على الإطلاق.
-مهمة إنقاذ.
= إنقاذ؟
-في الأمازون.
=متقولي العبارة على بعضها، بدل الكلمات المتقاطعة اللي عمالين نلعبها.
-في فريق تبع قناة وثائقية تانية سافر غابات الأمازون من 3 أسابيع، مهمتهم كانت يعملوا حلقة عن قبيلة آكلي لحوم بشر، الحلقة كانت هتاخد إسبوعين، وبس، مرجعوش، وانقطعت أخبارهم، بطلوا يتواصلوا والقناة مش عارفة توصل لهم.
=وأنا مطلوب مني إيه؟
-تروح ضمن فريق وتعرف حصل لهم إيه ولو في الإمكان ترجعهم.
ضحكت وبصيت للأرض ورجعت بصتله... قلت:
="يونس" أنت متلخبط، أنا أثري، مش صاعقة، مش بتاع إنقاذ.
-أنا وأنت والقنوات والعالم العربي كله عارفين إنك الأحسن في المجال، الأذكى، بتقدر توصل الخطوط ببعض وتحل ألغاز حتى لو كانت اللغة والثقافة غريبة عنك، وبتتصرف ولا أجدعها قائد عسكري، بتحافظ على فريقك، مفيش حلقات بتتشاف زي حلقاتك في القناة ومفيش غيرك هيحل لغز اختفاء فريق الأمازون، وبعدين هتسيب حد محتاج مساعدة ومتساعدوش؟ نقول في احتمال 1% إنك تقدر تلاقيهم وترجعهم أو تعرف اللي حصل لهم، هتعيش مع نفسك إزاي مع وجود الاحتمال ده لو تجاهلتهم وكملت حياتك عادي؟
ياااااااااه، ياااااه، كإنها ناموسة مش عارف أشوفها بتلف حوالين راسي طول الليل وعندها هدف إنها تقرفني في عيشتي، نفس الإحساس بالظبط اللي حسسهوني "يونس"، هو الناموسة المزعجة....طبعًا بعد الكلام اللي قاله مش هقول لأ، أكيد مش هبقى الندل اللي يخذل حد محتاج مساعدة، وبعدين خلينا واقعيين أنا في كل الأحوال كنت هروح، شوية وضميري كان هيأنبني حتى لو عارف إني مش هوصل لحاجة...
"يونس" فضل مبلم وباصصلي، لحظات كانت مريبة جدًا، مستني مني إجابة، قعدتت ساكت شوية وبعدين اتنهدت وقلتله:
=يالا ندخل الهرم!
-الهرم؟
=يالا بينا.
-بس أنت عارف إني بخاف من الأماكن الضيقة.
=هتبعتني لغابات الأمازون عند آكلي لحوم البشر، وقلقان من الممر في الهرم؟
هز راسه ومشي ورايا...
دخلنا من المدخل الموجود على الجانب الشمالي.....
اتكلمت أول ما دخلنا وإحنا ماشيين في الممر الضيق ورا بعض...
=قول لي يا "يونس"، هو بجد أنتوا متعرفوش اللي حصل للفريق؟
-هو إحنا لازم نتكلم وإحنا جوه، ده الأكسجين يدوبك يكفي النفس.
=متقلقش، الأكسجين مش هيخلص.
-يعني هنبعتك ليه لو إحنا عارفين باللي حصل لهم؟
لفيت وزغرتله، اتوتر وكان هيتكعبل وقال:
-منعرفش حاجة عنهم.
=تعرف، القبائل في الأمازون بيتكلموا أكتر من 170 لغة ويقال إن في حوالي 50 قبيلة عمرهم ما اتصلوا بحد بره غابات الأمازون، ميعرفوش حاجة عن العالم الخارجي، تخيل بقى دول طباعهم عاملة إزاي، ويا ترى قبيلة آكلي لحوم البشر اللي بعتَوا الناس يعملوا عليهم حلقة من القبايل دي ولا إيه؟ يعني لو شافوني هيعتبروني بني آدم زيهم ولا مختلف؟ زي الجاموسة الهولندية، لحم كتافي هيبقى جوزي (juicy) ومدهنن وطري؟ وهناك على فكرة مفيش تماسيح، مش زي التماسيح السيكي ميكي بتاعة بحيرة ناصر، لااء ده الكايمن، التمساح الإسود، أخطر أنواع التماسيح، ولونه غامق، دحلاب، بس اللي يقدر عليه بقى هي الأناكوندة، اللي عايشة في نفس المحيط، تقدر تبلعه وتهضمه عادي، ولو أكلك خلص ونفسك هفتك على حاجة تاكلها ولقيت شوية نباتات حواليك إوعى تمد إيدك، عشان عندك مثلًا نبات حبة الخروع اللي بينتج مادة إسمها ريسين سامة، ولا بوق الملاك، شكله جميل كده شبه زهرة السوسن وألوانه أبيض وخوخي وده بيسبب هلاوس ولو زودت الجرعة البقاء لله...هو ده اللي أعرفه عن الأمازون وشوية حاجات تانية، أنا مروحتش قبل كده، الله أعلم إيه اللي مستنيني هناك، بس انا بديك فكرة عن اللي ممكن يكون صاب الفريق المختفي...
...........................
لاحظت فجأة إن الدنيا هادية، هادية بزيادة، مش سامع تعليق من "يونس" ولا حاسس بحركته، بصيت ورايا ملقتهوش، لقيت حد تاني...
-إيه اللي يوديك هناك يا "مجاهد"؟
لساني اتعقد، فضلت باصص ليه، مش برد...وده عشان الشخص اللي قدامي كان..."غانم"!
-مالك؟ مستغرب ليه؟ المفروض متستغربش حاجة بعد كل اللي شفته، خلينا في المهم، إيه اللي هيوديك الأمازون؟ المهمة دي مش بتاعتك، الكار ده مش كارك يا "مجاهد".
=مش كاري؟ لو مش كاري هيبقى كار مين؟
-أنت مميز، أعلى من المكانة اللي محطوط فيها، الأحسن في مجالك، محدش يقدر ينكر، تربيتي، بس دي غابات مش زي أي غابات، محتاجلها عيون في ضهر راسك زائد عنيك يفضلوا طول الوقت مفتحين، وبعدين...مش كل حاجة زي ما بتبان، خد بالك.
=هتقول لي؟ مانا عارف، أنت اللي علمتني، فضلنا كام سنة مع بعض، ارواحنا كانت متعلقة بيك، لحد ما قدمتنا قرابين للدجال.
-قلبك إسود أوي...
مشي جوه الممر بسرعة لحد ما قربلي، بص في عيني، عينه واسعة، مرعبة، وقال:
-خد بالك من الحرباية، من خدعة الساحر، بص كويس على إيديه الاتنين وعلى المسرح حواليه، مفيش أي حاجة زي ما هي باينة يا "مجاهد"، خد بالك.
-يا مجاهد، يا مجاااهد، شفت؟ أدي الأكسجين بيخلص وأنت عطلت مني أهو، ده أغمى عليه ده ولا إيه؟
فجأة لقيت "يونس" هو اللي قدامي، كنت لافف وواقف قصاده أو مقرفص بمعنى أصح عشان الممر كان منحدر في الاتجاه التاني.
قلتله:
=كنت بتقول حاجة؟
-كنت بقول نخرج من الحفرة دي، أنا اتخنقت وأنت غريب الأطوار.
حركت راسي من غير ما أتكلم وخرجنا بره الهرم....
...........................
معقول؟ لسه "غانم" مأثر عليا بالشكل ده؟ لدرجة إني أهلوس بيه؟ أنا كنت فاكر إني اتخطيته، عدت سنين، ولا دي مكنتش هلوسة؟ إيه اللي شفته جوه الهرم ده؟
لسبب ما ولحد يوم السفر كنت قلقان، غير القلق الطبيعي والغموض بتاع الرحلة نفسها، وحقيقة إني رايح أدور على ناس مفقودة كانوا بيعملوا حلقة عن آكلي لحوم البشر، لكن كلام "غانم"، ولا شبحه ولا الطيف اللي اخترعته... يقصد إيه بالحرباية؟ والساحر؟ وإن مفيش حاجة زي ماهي باينة؟
يالا، كل ده ملووش فايدة، كده كده كنت هسافر، مفيش حاجة هتتغير....
.........................
إحنا فريق مكون من 3، أنا وشام وكيرلس، ناس أقدر أعتمد عليهم، جزء من فريق القناة بتاعتي، ركبنا الطيارة الخاصة بتاعة القناة وانطلقنا....
الاتنين كان على وشوشهم ابتسامة بلهاء، كانوا متحمسين، كإننا طالعين رحلة في القناطر....
كيرلس قال:
-تفتكر يا كبير إيه اللي حصل للفريق، يكونوا وصلوا للقبيلة اللي كانوا عايزين يعملوا معاهم الحلقة والقبيلة هم اللي عملوا معاهم الواجب ولا ملحقوش أصلًا يوصلوا؟
أخدت نفس عميق وقلتله:
=طب تفتكر إنت يا كيرلس، وأنت كده بتفترض أنهم في كل الأحوال في خبر كان والقبيلة أو الغابة خلصت عليهم، إننا هنسلم، وإحنا بقى اللي هنقدر نرجع؟
-لا يا كبير الفريق بتاعنا عنده حاجة مش موجودة عند الفريق التاني.
=إيه هو؟
-أنت...
وقام مخبط على ركبتي....
وصلنا على مكان معين، المفروض المكان ده هو آخر موقع الفريق بعت منه رسالة لقناتهم قبل ما يختفوا....
نصبنا الخيم وسخننا الأكل....
الشمس ابتدت تغيب، الجو كان تلج، ولعنا في خشب كتير وقربنا من النار على قد ما قدرنا...
"شام" قال بصوت بيترعش من البرد:
-بجد، تفتكروا إيه اللي حصل للفريق التاني؟ ده آخر موقع بعتوا منه رسالة، كانوا هنا بس مفيش ليهم أي أثر.
اتنهدت وقلت:
=ما بلاش السيرة دي النهارده، خلينا ناخد راحة الليلة دي، لا نفكر ولا نشغل بالنا، وبكره هنبدأ البحث.
"كيرلس" قال:
-طيب يبقى مبدهاش هحكيلكوا قصة الأمازون.
=غرد يا عندليب.
-زمااان، زمااان في سالف العصر والأوان كان في مملكة كلها من الستات، الرجالة لا ليهم أمان ولا ليهم مكان، ستات غير باقي ستات الأرض، فاتنات، كلهم فاتنات، لسبب ما كان عندهم غل رهيب ناحية الرجالة، يمكن ليهم جدة كبيرة حكتلهم عن جوزها اللي اتخلى عنها هي وعيالها وقالتلهم كلهم مصطفى أبو حجر، معرفش، المهم إنهم كانوا بيكرهوا جنس الرجالة، كره رهيب، لدرجة إن اللي كانت بتولد ولد كانت بتقتله في الحال، هتسألوني طبعًا إزاي كانوا بيحملوا ويخلفوا ومملكتهم كلها ستات، وده عشان كان عندهم طقس ليلة واحدة في السنة، كل الستات البالغات بيروحوا مع بعض في رحلة جماعية لمدينة من المدن اللي عند حدود مملكتهم، ينصبوا خيمهم ويستنوا الرجالة اللي تعدي ويتجوزوهم لمدة ليلة واحدة ويختفوا تاني يوم، يرجعوا على مملكتهم، ويا ويله الراجل اللي بالغلط يدخل غابات الأمازون....بيكون مصيره الهلاك، أصل الأمازونيات كانوا محاربات، عندهم قدرات قتالية رهيبة، الواحدة ترفع النبلة وتنشن، عمرها ما تغلط في هدفها، ده غير الرماح اللي كانوا بيرموها في الاتجاه اللي يحددوه ودايمًا يصيب، والفؤوس بتاعتهم كانت من نصلين، مش بس كانوا بيحموا الغابة دول خاضوا حروب مع دول إغريقية، جيش من الستات بس، يسحق أي حد يواجههم، أي بنت من طفولتها بتتعلم فنون القتال وبيهيأوها تبقى محاربة زيهم، وكانوا بيقطعوا أو يكووا جزء من الجسم أعلى الصدر ناحية اليمين عشان البنت تقدر تحارب بمرونة وتشيل الأسلحة وكانت الواحدة منهم لما بتبقى بعيدة عن موطنها بسبب معركة أو غيره وتجوع وميبقاش معاها أكل تشق جرح صغير في رقبة الحصان بتاعها وتشرب من دمه، أما بقى إزاي مملكة الستات دي انتهت فيقال إنهم في معركة من المعارك، في مكان بعيد عنهم، يجوز جزيرة، جيش الرجالة اللي قصادهم مكنوش مدركين إنهم ستات من قوتهم وشجاعتهم ولما أدركوا قرروا يوقفوا الحرب وبدل ما يحاربوهم فضلوا يغووهم، يحاولوا يروضوهم ويبينولهم الجانب الكيوت اللي فيهم ويعاملوهم أحسن معاملة لحد ما نجحوا يقنعوهم يبقوا زوجاتهم، واتجوزوهم وخلفوا منهم عيال والست من دول بقت تقول "زوجي قرة عيني وعيالي أحلى حاجة في دنيتي" والأمازونيات اندمجوا في المجتمع الجديد اللي بقى قوي جدًا بسبب قوة الستات اللي في ضهر أجوازهم وبيساندوهم في الحياة والمعارك ومعارك الحياة...
ودي كانت حدوتة قبل النوم، بعدها كل واحد راح على خيمته ونام....
....................................
اااخ، أي! إيه الوجع ده، راسي حاسسها هتنفجر، مش صداع عادي، من كتر الألم بفتح عيني بالعافية، السما مليانة غيوم، شجر ضخم حواليا ونباتات كثيفة، ثواني، فين الخيمة؟ أنا فين! أنا في الخلا، وحواليا، مفيش حاجة، مفيش الخيم، ولا كيرلس ولا شام ولا الطيارة، إيه اللي بيحصل لي؟
مش قادر أتحرك من الألم، وجع غريب في راسي من ورا ....بس، لازم أقوم! وده عشان سمعت حركة ما بين الأحراش، تحاملت على نفسي وقمت، مشيت بالعافية، مش عارف أمشي عدل، بقدم رجل واأخر رجل، خطوة يمين وخطوة شمال ورجلي الاتنين بيلفوا على بعض، وصلت لشجرة ومسكت في جذعها، لسه الرؤية مش واضحة، ضبابية، والمشهد حواليا بيتهز، حركت راسي يمكن أفوق، مشيت خطوتين لحد الشجرة اللي بعدها ومسكت في جذعها وبعدها اتمسكت....
حد شدني للناحية التانية من الشجرة، واحدة ست!
شعرها منكوش، في بقع طين على وشها، هدومها قذرة ومتقطعة، شاورتلي على بوقها وقالت "شششششش".....سمعت خطوات بتقرب، كام واحد بيتكلموا بطريقة غريبة، أنا والست اللي متتعداش العشرينات اتدارينا في الشجرة منهم، فضلنا ثابتين في مكاننا، مش بنتحرك ولا خطوة ولا بنحرك أطرافنا، حتى عيوننا ثابتة وأنفاسنا كاتمينها، عيني اتحركت بشكل هستيري لما الحيوان قرب عليا، حيوان يشبه القوارض اسمه الكابيباره، زي الفار، الفرق إنه ضخم جدًا، وزنه ييجي 80 كيلو!
وقتها الست حطت إيدها على بوقي عشان تتأكد إني مش هصرخ، وبرقتلي وحركت راسها يمين وشمال....
الناس اللي ورانا فضلوا واقفين دقايق عدت كأنها ساعات، وأخيرًا مشيوا....
متحركناش من مكاننا إلا لما اتأكدنا إنهم بعدوا واختفوا تمامًا...
الست قالت:
-ده مكنش حيوان مؤذي، ده الكابيباره، أليف.
=عارفه، بس النظري حاجة والعملي حاجة تانية خالص، لو قلتلك الماموث، الفيل الضخم المنقرض حلو وكيوت، وشفتيه جي عليكي مش هتجري؟ وبع....
سكتت، وده لما أدركت حاجة....
عيني وسعت عالآخر، فضلت مبرق لها وقلت:
=إنتي بتتكلمي عربي؟ بتتكلمي زيي؟ إنتي مين؟ ومين الجماعة اللي كانوا هنا من شوية؟
-أنا محاربة أمازونية...
وانفجرت من الضحك....
بعد وصلة الضحك قالت:
-أنا وزمايلي جينا عشان نصور حلقة عن قبيلة آكلي لحوم بشر، واللي كانوا هنا أفراد من القبيلة....أنا منهكة....
=أنتوا؟ أنتوا الفريق؟
بصتلي باندهاش وحركت راسها، بتحاول تفهم...
=أنا بعتوني هنا عشانكم، عشان أعرف اللي حصل لكم، بس الفريق بتاعي والطيار اختفوا، مش فاهم حصل لهم إيه.
حطت إيدها الرفيعة على بوقها، بصت في الأرض ورجعت رفعت راسها وقالت:
-مكنش المفروض تيجي!
=قصدك إيه؟ فين فريقك؟ يالا بينا نرجع سوا...
هزت راسها يمين وشمال، حركتها، لغة جسمها وتعبيراتها بتقول إنها مش متزنة، نقص رهيب في الغذا، وده واضح على جسمها الهزيل.
=لو...حصل حاجة لطيارتكم، ممكن نفكر في طريقة نرجع بيها.
استمرت في هز راسها وقالت:
-إحنا جايين لمهمة محددة ولازم ننفذها، الحلقة هتتصور وبالشكل اللي يرضينا.
بصيت ورايا، للمكان اللي كان واقف فيه أفراد القبيلة من شوية وقلت بعد ضحكة صغيرة:
= اسمعيني، مع احترامي للقناة بتاعتكم وللي أدالكم المهمة دي، المهمة دي غلط، من البداية غلط، في قوانين لشغلنا، مينفعش حد يبعت فريق في وسط المجهول عشان يعمل حلقة عن آكلي لحوم البشر، ده بيجازف بيحياتكم، ده غير...مفيش جمهور هيستمتع وهو بيتفرج على ناس متوحشة بتاكل ناس تانية....ممكن، ممكن يبقى في حلقة وثائقية عن آكلي لحوم بشر كانوا عايشين في وقت سابق، أو في مكان تاني غير اللي بتسجلوا منه الحلقة، لكن محدش هيحب يشوف العرض الحي....
قربتلي أوي، رفعت راسها ليا وهمست:
-أنت غلطان.
ادتني ضهرها ومشيت، وأنا مكنش ليا اختيار غير إني أمشي وراها، مردتش عليا طول السكة لحد ما وصلنالهم، التلاتة التانيين، باقي الفريق!
شكلهم مكنش يختلف كتير عن شكلها، أشباه بني آدمين، شفايفهم بيضة، تحت عنيهم مجوف، مدهون بالسواد، هدومهم متقطعة....
= أنا اسمي "مجاهد"، مدير فريق في قناة وثائقية...