ذات يوم وأنا في طريق عودتي إلى بيتي ركبت الباص
الذي امتلأ بالركاب وبدأ يتحرك في طريق زراعي ممتلئ بالأشجار، نسمات الهواء رقيقة، ساد صمت رهيب ألجم الجميع وخيم عليهم، فقلما يسود الصمت في وسيلة مواصلات؛ دائما هناك من تتحدث إلى رفيقتها التي بجوارها، وهناك من يتكلم في التليفون وآخر يقرأ القرآن أو صوت طفل يبكي تحاول أمه إسكاته أو بعض شباب في هزار وضحك ... إلخ.
لفت انتباهي وأدهشني هذا الصمت المطبق، وكأن ألسنتهم قد اعتقلت عن الكلام، هنا دار في ذهني سؤال، لماذا هذا السكوت الذي سربل هؤلاء الركاب؟ وفيم يفكرون؟ وأخذت أتلفت حولي لأراهم شاردين في ملكوتهم مستغرقين في تفكيرهم.
من المؤكد أن هناك ما يشغلهم لدرجة كبيرة،من المؤكد أن بينهم الأب الذي يحمل هم أولاده ومصروفاتهم، وآخر يفكر فيما عليه من ديون وكيفية تسديدها، وطالب يفكر في مذاكرته وامتحاناته، وخاطب يشغل باله إعدادات زواجه. ومريض بحمل هم الكشف والعلاج وهو فقير يجد قوت يومه بالكاد، الجميع مهموم ويحمل بداخله مالا يطيق.
فلماذا كل هذا التفكير؟، والله -سبحانه وتعالى- ولي التدبير، لماذا لا يسلمون أمورهم له؟ لماذا لا يخرجون عن صمتهم، ويحركون ألسنتهم بذكره، ويشغلون قلوبهم بحبه، فهو الذي بيده كل شيء، هو مفرج كل الهموم، فالتفكير يجلب القلق والتوتر والأمراض التي لا علاج لها، وليس للإنسان في أمره من شيء.
إن تحريك اللسان بالذكر لن يكلف صاحبه شيئًا بل هو تقرب من الله -عز وجل- وغفران للذنوب وتيسير للأمور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: السكوت بلا قراءة ولا ذكر ولا دعاء ليس عبادة ولا مأمور به؛ بل يفتح باب لوسوسة الشيطان، فالاشتغال بِذِكْر الله أفضل من السكوت.
اذكروا الله ..
قال تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".